عاد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب مجددًا للحديث عن رغبته في ضم كندا كولاية أمريكية رقم 51، لتُفتح واحدة من أكثر ملفات العلاقات الثنائية غرابة، وحساسية، وجدلية في تاريخ أمريكا الشمالية. لكن.. السؤال الآن: «هل هي مجرد ورقة ضغط تفاوضي في يد ترامب؟ أم طموح سياسي قديم لا يريد التخلي عنه؟، وما حقيقة الموقف الكندي؟ وهل هناك من يُحبذ الفكرة فعلًا داخل كندا؟». كل ذلك طرحته مجلة «تايم» الأمريكية، في تقرير مثير يرصد تصريحات ترامب، وردود أفعال كندا، والخلفيات السياسية والعسكرية والاقتصادية لهذا «الحلم الكبير» الذي قد يتحوّل لكابوس دبلوماسي. اقرأ أيضًا| كندا تلغي ضريبة على شركات التكنولوجيا العملاقة للتوصل لاتفاق تجاري مع أمريكا ترامب: «كندا يجب أن تصبح ولايتنا ال51» في حوار أجري مع قناة «فوكس نيوز» ضمن برنامج صنداي مورنينج فيوتشرز، فجّر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب مُفاجأته المعتادة: «بصراحة، يجب أن تصبح كندا الولاية رقم 51، فهي تعتمد علينا تمامًا، بينما نحن لا نعتمد عليها في شيء». تصريح بدا وكأنه مزاح في البداية، لكنه لم يكن كذلك، خاصة حين أعاد ترامب التأكيد عليه في عدة مُناسبات علنية، بل واستغله كورقة تفاوضية في ملفات أخرى. كندا ترفض رسميًا.. «نحن دولة ذات سيادة» ردّ رئيس الوزراء الكندي الحالي مارك كارني، الذي خلف جاستن ترودو، على الفكرة بحزم خلال قمة الناتو في هولندا قائلًا: كندا ليست للبيع.. نحن دولتان مستقلتان". وأضاف في حديثه مع شبكة «سي إن إن»: "ربما يشعر ترامب بالحنين إلى كندا، لكنه يعرف تمامًا أن هذا الطرح غير واقعي". وأصدر مكتب رئيس الوزراء الكندي، بيانًا رسميًا يُشدد فيه على أن كندا "ستبقى دائمًا دولة ذات سيادة"، وأن الفكرة لم تُناقش يومًا بأي طابع رسمي. عرض دفاعي غريب: «القبة الذهبية مقابل الانضمام» في مايو الماضي، قدم ترامب مقترحًا صادمًا جديدًا، وهو حماية كندا بموجب نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي الجديد المسمى "القبة الذهبية"، على أن يكون ذلك مجانًا.. بشرط أن تنضم كندا للولايات المتحدة. أما إذا أرادت الاحتفاظ بسيادتها، فعليها حسب قوله يجب دفع 61 مليار دولار! فيما أثار هذا المقترح، موجة سخرية وغضب في آنٍ معًا، خاصة أن كندا نفت تمامًا أنها تدرس الفكرة. الاقتصاد والرسوم الجمركية.. ورقة الضغط الحقيقية خلف هذه التصريحات "المباغتة" تكمن أزمة اقتصادية وتجارية بين البلدين، خصوصًا بعد خلافات حادة حول الرسوم الجمركية. حيث أكد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب أن كندا تُثقل كاهل أمريكا اقتصاديًا، قائلًا: «ندعم كندا بحوالي 200 مليار دولار سنويًا.. لو كانت ولاية أمريكية، لما كلفتنا شيئًا تقريبًا!». كما اتهم ترودو سابقًا، بأنه "لا يفكر كمستقل، بل كحاكم"، في محاولة لانتزاع سيادة القرار من الجانب الكندي. اقرأ أيضًا| رئيس وزراء كندا: لا نخطط للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كارني يرد: «ترامب هو الخطر الأكبر على اقتصاد كندا» أما رئيس الوزراء الكندي، مارك كارني، لم يلتزم الدبلوماسية هذه المرة، بل هاجم ترامب مباشرة خلال حملته الانتخابية، قائلًا: «الخطر الأكبر على اقتصاد كندا هو دونالد ترامب نفسه.. يريد أن يُحطمنا حتى يسيطر علينا»، وأكد: «سنتصدى له جميعًا، وأنا مستعد لذلك». حملة «ألبرتا العظيمة».. هل هي دعم من الداخل لفكرة الضم؟ وسط هذا الجدل، ظهرت حركة مثيرة للجدل داخل كندا نفسها، حيث بدأ بعض الانفصاليين في مقاطعة ألبرتا حملة تحت شعار: "اجعلوا ألبرتا عظيمة من جديد"، مستوحين الخطاب الترامبي ذاته. ويرى هؤلاء أن ضم المقاطعة إلى أمريكا سيمنحها استقلالًا اقتصاديًا أكبر، وهو طرح لا يزال على الهامش لكنه يعكس حجم الانقسام داخل كندا بشأن العلاقة مع واشنطن. عبارة أشعلت الجدل عندما التقى ترامب وكارني في البيت الأبيض في 6 مايو، قال ترامب ممازحًا أو ربما لا أن ضم كندا سيكون بمثابة: «زواج رائع بيننا»، لكن كارني ردّ بنبرة صارمة: «كندا ليست للبيع أبدًا»، فما كان من ترامب إلا أن علّق بابتسامة: «لا تقل أبدًا». وفي مقابلة مع مجلة «تايم» الأمريكية بتاريخ 22 أبريل، سُئل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب عمّا إذا كانت تصريحاته مجرد استفزاز سياسي، فرد قائلًا: «لا.. نحن نهتم بكل شيء يخصهم، حتى جيشهم، وهم لا يقدمون لنا شيئًا، هذا ليس منطقًا». وأكد مُجددًا: «سأتحدث عن ذلك دائمًا، لأنها فكرة منطقية ومفيدة». لماذا كندا؟ فكرة ضم كندا ليست جديدة في الذهنية السياسية لبعض التيارات الأمريكية، فقد طُرحت تاريخيًا أثناء الحرب العالمية الثانية، وبعدها في مرحلة الحرب الباردة، لكنها كانت دائمًا مرفوضة رسميًا من الطرفين. واليوم، يُعيد ترامب هذه الفكرة إلى الواجهة، لكن في سياق معقد، يتمثل في: توتر تجاري بين البلدين، وتزايد الضغوط على كندا للإنفاق الدفاعي ضمن الناتو، ونزعة قومية أمريكية متزايدة، ومُحاولات استعراض القوة السياسية من جانب ترامب في حملاته المستمرة. أما رغبة ترامب في ضم كندا مهما بدت مستحيلة تكشف عن نمط مستمر في خطابه السياسي، وهو: استخدام الصدمة لصناعة النقاش، والضغط من أجل تنازلات سياسية وتجارية. لكن كندا، وعلى لسان كل قادتها، لا تزال ترفض الفكرة بشدة.