شهدت الساحة السياسية الدولية تصعيداً غير مسبوق في اللهجة تجاه إسبانيا، وذلك من ثلاث جهات: الولاياتالمتحدة، إسرائيل وألمانيا، ففي سلسلة من التصريحات اللاذعة، هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتقويض الاقتصاد الإسباني، فيما شن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هجوماً كلامياً حاداً اتهم فيه إسبانيا بخوض "حملة صليبية مناهضة لإسرائيل"، بينما أبدت ألمانيا موقفاً داعماً لموقف الناتو في مواجهة تحفظات إسبانيا. اقرأ أيضا: ترامب: حصلنا 88 مليار دولار من الرسوم الجمركية ففي خلال مشاركته في قمة الناتو المنعقده في لاهاي، وجه الرئيس الأمريكي انتقادات لاذعة لإسبانيا بسبب ما وصفه ب"رفضها تحمل مسؤولياتها الدفاعيه". وقال ترامب: "إسبانيا هي الدولة الوحيدة التي ترفض الدفع، إنها رحلة مجانية، لكنهم سيدفعون مقابلها". وأضاف مهدداً: "اقتصادهم يمكن تدميره تماماً إذا حصل شيء سيء، سنتعامل معهم في الاتفاقيات التجارية وسنجعلهم يدفعون ضعف ما يدفعونه اليوم". ويشير مراقبون إلى أن ترامب يلوح باستخدام الأدوات الاقتصادية كسلاح ضغط، في وقت تنظر فيه أوروبا بعين القلق إلى سياسات ترامب في ولايته الثانية، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الدفاعية والاقتصادية مع الحلفاء الأوروبيين، واحتمالات إضعافه للتحالفات الغربية. حملة صليبية من ناحيه آخرى، قال نتنياهو: "مدريد تقود "حملة صليبية مناهضة لإسرائيل"، حيث وجهت إسرائيل، عبر بيان صادر عن سفارتها في مدريد، انتقادات شديدة للحكومة الإسبانية، متهمة إياها ب"تشويه صورة إسرائيل" على الساحة الأوروبية. وجاء في البيان أن: "إسبانيا تقود حملة صليبية مناهضة لإسرائيل، وهي تقف بوضوح على الجانب الخطأ من التاريخ". جاء هذا التصعيد في أعقاب دعوة مدريد لتعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، على خلفية ما وصفته بانتهاكات تل أبيب في قطاع غزة، ورداً على البيان، استدعت وزارة الخارجية الإسبانية مسؤول السفارة الإسرائيلية، معتبره التصريحات "غير مقبولة وخارجة عن الإطار الدبلوماسي المتعارف عليه". ألمانيا.. ضغط سياسي رغم أن برلين لم تصدر تصريحات حادة، إلا أن تقارير صحفية ألمحت إلى استياء ألماني متزايد من موقف إسبانيا في ملف الإنفاق الدفاعي، وتؤيد ألمانيا رفع نسبة الإنفاق إلى 3٪ من الناتج المحلي للدول الأعضاء في الناتو، فيما تصر مدريد على الاكتفاء ب2.1٪، حفاظاً على "نموذج دولة الرفاه". وأكد وزير الخارجية الألماني، يوهان فاديفول، أن بلاده لن تدعم أي حظر على بيع الأسلحة لإسرائيل، قائلاً:"ألمانيا ستواصل دعم إسرائيل من خلال تزويدها بالأسلحة، هذا لم يكن قط موضع شك". وجاءت هذه التصريحات كرد مباشر على دعوة من نظيره الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، إلى تعليق صادرات الأسلحة الألمانية لإسرائيل بسبب عمليتها العسكرية في غزه. القرار أثار غضبًا في الأوساط اليسارية الإسبانية التي دعت الحكومة للضغط على ألمانيا لوقف تلك المبيعات، معتبرين أن تصريحات فاديفول تعكس انحيازًا قاسيًا ضد موقف إسبانيا المناهض لتصعيد العنف. في الوقت ذاته، أثارت ألمانيا انتقادات في إسبانيا حول موقفها من الإنفاق العسكري، ففي خلال قمة الناتو، ركزت ألمانيا على دعم أهداف مثل رفع الإنفاق الدفاعي إلى حدود 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2035، بينما وصفت إسبانيا هذا الهدف ب"غير المعقول"، واعتبرته تهديدًا لنموذج دولة الرفاه الذي تعتمد عليه لتعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي مدريد ترد: "نحن لسنا في مزاد عسكري" جاء رد رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيث ، على هذه الموجة من الانتقادات مؤكداً أن بلاده "ليست في مزاد عسكري"، مضيفاً أن "أمن أوروبا لا يقاس فقط بالدبابات، بل بالاستقرار الاجتماعي، والتعليم، والصحة". وأكد أن مدريد ستواصل احترام التزاماتها الدولية، ولكن وفقاً لأولوياتها الوطنية، وليس استجابة للضغوط أو الإملاءات. يجمع التصعيد الثلاثي ضد إسبانيا بين ضغط اقتصادي أميركي مع هجوم سياسي إسرائيلي، وتلويح أوروبي ضمني بالمحاسبة الدفاعية، ما يضع مدريد في موقع دبلوماسي حساس خلال الأشهر المقبلة. ويرى محللون أن هذه المواقف قد تعيد تشكيل أولويات السياسة الخارجية الإسبانية، لا سيما في علاقاتها مع واشنطن وتل أبيب، وكذلك في دورها ضمن الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.