سميحة شتا فى تطور خطير يهدد استقرار الشرق الأوسط، اندلعت مواجهات مباشرة بين إسرائيل وإيران خلال الأسابيع الماضية، بعد سنوات من المواجهات غير المباشرة. التصعيد الأخير، الذى شمل قصفًا متبادلًا وهجمات سيبرانية، يضع المنطقة أمام مفترق حاسم: بدءًا من الدبلوماسية النووية المتجددة والضربات الأمريكية المحدودة وصولًا إلى حرب شاملة لتغيير النظام. اقرأ أيضًا | الحوثيون: السفن الأمريكية مُستهدفة حال مُشاركتها في الهجمات على إيران وتُعد عملية الأسد الصاعد» الإسرائيلية أبرز تتويج حتى الآن للمواجهة العسكرية، التى بدأت بين إسرائيل وإيران وشركائها فى أعقاب هجمات 7 أكتوبر 2023. لقد قضت إسرائيل على القيادة العسكرية الإيرانية، وضربت منشآت نووية متعددة، واستهدفت قدرات إيران الدفاعية والهجومية باستخدام الهجمات الجوية والعمليات الخاصة. ردت إيران بوابل من الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار. فى الصراع الحالى بين إسرائيل، القوة النووية غير المعلنة، وإيران، الدولة التى على وشك امتلاك السلاح النووي، أصبح مستقبل المنطقة على المحك أمام ثلاث مسارات. أولا: العودة إلى حالة ما قبل 12 يونيو إن تردد دونالد ترامب فى إعطاء الضوء الأخضر لشن هجوم على طهران، والجدول الزمنى المؤقت لعقد اجتماع جنيف، يشير إلى أن نافذة الدبلوماسية لم تُغلق بعد. وبناء على ذلك، إذا تمكنت واشنطن من تأمين وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، فمن المرجح أن تعود إيران إلى طاولة المفاوضات. وقد يسمح هذا لواشنطنوطهران بالاتفاق على أحد المقترحات التى ورد أن وسطاء إقليميين روجوا لها فى الأيام الأخيرة، مثل الاقتراح العُمانى المزعوم الذى من شأنه أن يجعل إيران تعلق كل أنشطة التخصيب لفترة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات، مع السماح بعمليات تفتيش «صارمة» من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. إن مثل هذا الاتفاق، الذى من شأنه أن يشكل تنازلاً كبيراً من جانب الإيرانيين، قد يكون كافياً لتقليل شهية الحرب فى إسرائيل على المدى القصير، خاصة أن الضربات الإيرانية على إسرائيل تثبت أن تكلفة الحرب الشاملة مع إيران قد تكون باهظة. المسار الثاني: ضربات أمريكية محدودة على المنشآت النووية الإيرانية فقد تشارك واشنطن فى ضربات مستهدفة للبنية التحتية النووية الإيرانية، مثل محطة فوردو، بهدف تسهيل «استسلام إيران غير المشروط». ومن المرجح أن يؤدى أى هجوم أمريكى على إيران إلى توجيه ضربات متبادلة إلى القواعد الأمريكية فى المنطقة، بما فى ذلك تلك الموجودة فى العراق وسوريا، وربما الأردن. وفى هذا السيناريو، فإن احتمالات أن تجد الولاياتالمتحدةوإيران «مخرجاً» يسمح بالعودة إلى التعامل الدبلوماسى ضئيلة. المسار الثالث: حرب شاملة فى حين أن واشنطن قد تبدأ بتوجيه ضربات لإعاقة البرنامج النووى لطهران، فإن دورة من الهجمات المتبادلة بين إيرانوالولاياتالمتحدة قد تشهد عبور الجانبين للخطوط الحمراء، وهو ما يغلق الباب أمام الدبلوماسية. إن الوضع المتصاعد بسرعة الذى يتم فيه استهداف القواعد الأمريكية قد يؤدى إلى مقتل أفراد أمريكيين بضربة إيرانية، فى حين أن الهجمات على البنية التحتية النووية الإيرانية قد تقوض الأصوات المؤيدة للدبلوماسية فى طهران. وإذا شعرت إيران بأن بقاء النظام أصبح موضع شك، فقد تختار طهران تفعيل الجهات الفاعلة غير الحكومية فى العراق ولبنان واليمن، التى لم تدخل حتى الآن، باستثناء الحوثيين، فى الصراع الثنائى بين إسرائيل وإيران. وقد يؤدى هذا إلى استئناف الصراع بين الولاياتالمتحدة والحوثيين، وهجمات الحوثيين على سفن الشحن فى البحر الأحمر، وتجدد هجمات حزب الله اللبنانى على إسرائيل. وفى العراق، قد يؤدى إحياء الصراع بين الولاياتالمتحدة والميليشيات إلى تجدد الهجمات على القواعد الأمريكية فى البلاد، وإلغاء الجهود الطويلة الأمد لوضع الميليشيات العراقية المرتبطة بإيران تحت سلطة الدولة العراقية. إذا تصاعد الصراع الأمريكى الإسرائيلى إلى هذا الحد، فمن المحتمل أيضًا ألا تتمكن دول الخليج العربية من اتخاذ موقف حيادي. وإذا انضمت دول الخليج العربى إلى المحور الأمريكى الإسرائيلي، فمن المحتمل أن تنهار الهدنة بين السعودية والحوثيين فى اليمن، وأن تستهدف الميليشيات المرتبطة بإيران البنية التحتية للطاقة فى الخليج. وقد تقوم طهران أيضاً بإغلاق مضيق هرمز، وهو ممر مائى ضيق ينقل خُمس النفط العالمي، مما يؤثر بشكل كبير على إمدادات النفط العالمية. ودعونا نتفق على ان تصعيد الصراع بين إيران وإسرائيل وتزايد احتمالات توجيه ضربة عسكرية أمريكية لإيران يثبتان أن نافذة الدبلوماسية تغلق بسرعة. وسيكون من الصعب للغاية على إيرانوالولاياتالمتحدة العودة إلى طاولة المفاوضات النووية، خاصة أن أى هجوم عسكرى أمريكى على إيران قد يؤدى إلى ظهور صراع ثنائى متصاعد بسرعة. بالإضافة إلى التأثير الكبير الذى قد تخلفه حرب أمريكية مع إيران على المواطنين الإيرانيين، فإن التأثير الثانوى للحرب مع إيران، حيث يصبح تغيير النظام فى طهران هو الهدف الفعلي، هو نسف الاستقرار الداخلى فى بقية المنطقة. يبقى السؤال الأساسى ما إذا كان ترامب قادرًا على الحفاظ على هذا التوازن الهش والقابل للاشتعال قبل أن تنحدر المنطقة إلى الفوضى. وكما هو الحال دائمًا فى شئون الشرق الأوسط، سيعتمد الجواب على ما إذا كان بإمكان الجهات الفاعلة الرئيسية التراجع عن حافة الهاوية قبل فوات الأوان.