في كل مرة تتصدر فيها إيران عناوين الخطر النووي، يلتفت العالم إلى المخزون "الصامت" القابع لإسرائيل، وهي في ذات الوقت تبني مواقفها على رفض "الخطر الإيراني"، وتحتفظ بترسانة غير مُعلنة تتوسع بصمت، ولا تخضع لأي تفتيش أو محاسبة دولية، فما القصة؟ مع استمرار إسرائيل قصف المواقع الإيرانية بذريعة كبح طموحات طهران النووية، تبقى هناك مفارقة صادمة، بشأن كيف يمكن لإسرائيل الغير مُوقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي، ولم تعترف رسميًا بامتلاك أي سلاح نووي، أن تُصنّف ضمن "القوى النووية التسع" في العالم؟ فقد بُنيت ترسانة نووية كاملة في الظل.. بلا تصريح، وبغطاء أمريكيّ طويل الأمد، وسط تساؤلات عن قصة هذا البرنامج الغامض؟ وما حجمه؟ اقرأ أيضًا| إلى متى تستطيع إسرائيل مواجهة إيران دون ذخائر أمريكا؟ الضربة الإسرائيلية لإيران تكشف المجهول عقب الهجوم الإسرائيلي على إيران المباغت، الذي شنّته تل أبيب طهرانإيران يوم الجمعة، تزايدت التحذيرات الدولية بشأن تسارع البرنامج النووي الإيراني ووصوله إلى مرحلة "اللاعودة". ورغم أن إسرائيل أكدت أن ضرباتها كانت محاولة استباقية لوقف هذا التقدم، إلا أن المشهد أعاد طرح سؤال أعمق، بشأن ماذا عن الترسانة النووية الإسرائيلية نفسها؟ في خلفية المشهد، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن طهران لا تمتثل بشكل كامل لاتفاقاتها، لكنها في الوقت ذاته لم تكتشف مُؤشرات موثوقة على وجود برنامج عسكري نووي غير مُعلن في إيران. تسارعت تصريحات المسؤولين الإسرائيليين عقب الضربة الإسرائيلية لإيران لتوضح أن الغاية لم تعد محصورة في وقف التخصيب الإيراني، بل باتت تتّجه نحو مسار آخر يخص السلطة الإيرانية، حيث أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، صراحةً أن "القضاء على المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي" هو الهدف الحقيقي من النزاع. لكن في خضم هذه المواجهة بين إسرائيل وإيران، طفى سؤال آخر، ما مدى شرعية ضغوط إسرائيل، وهي نفسها تمتلك برنامجًا نوويًا غير مُعلن؟ رغم أن إسرائيل، لم تعترف يومًا بامتلاك قنابل نووية، إلا أن هناك خبراء بحسب شبكة «سي إن إن» الإخبارية يجمعون على أن "السر النووي الإسرائيلي" هو من أكثر الأسرار المكشوفة في الشرق الأوسط، حيث إن إسرائيل تتبع سياسة "الغموض النووي" منذ عقود.. لا تؤكد ولا تنفي، بينما يحميها دعم أمريكي ثابت. وبحسب المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، فإن إسرائيل تظل فريدة بين من يملك أسلحة نووية حول العالم بسبب موقفها الرسمي المتردد. في المقابل، أشارت بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إلى أن إسرائيل من بين تسع قوى نووية، إلى جانب الولاياتالمتحدة وروسيا والصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية وفرنسا وبريطانيا. إسرائيل تحدّث ترسانتها وأميركا وروسيا تمتلكان أكبر المخزونات.. سباق التسلح النووي يتسارع#الشرق #الشرق_سوريا pic.twitter.com/O2MOahdmQy — الشرق للأخبار - سوريا (@AsharqNewsSYR) June 18, 2025 بداية البرنامج النووي الإسرائيلي في «الظل» تعود جذور البرنامج النووي الإسرائيلي إلى ما قبل تأسيس الكيان المحتل (إسرائيل) عام 1948، لكن نقطة التحوّل الحقيقية بدأت عام 1958، عندما أنشأت إسرائيل منشأة نووية سرية بالقرب من ديمونا، ورغم السرية، تمكنت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) في عام 1968 من تأكيد أن إسرائيل بدأت بالفعل في إنتاج الأسلحة النووية. وبحسب شبكة «سي إن إن» الإخبارية، أشارت تقديرات غير رسمية، إلى أن أول سلاح نووي إسرائيلي تم تجميعه عام 1966 أو 1967. وعن واحدة من أكثر الحوادث إثارة للجدل وقعت عام 1979، حين رصد قمر اصطناعي أمريكي ومضات ضوء يُعتقد أنها ناتجة عن اختبار نووي فوق المحيط الهندي. ورجّحت تقارير أن التجربة نُفذت بالتعاون بين إسرائيل ودولة أخرى، وأُطلق عليها اسم "حادثة فيلا"، لكن إسرائيل نفت تمامًا مشاركتها، ورفضت الإدلاء بأي توضيحات. اقرأ أيضًا| سيناريوهات نهاية النزاع بين إسرائيل وإيران.. والثالث «مُرجح» كم تملك إسرائيل من الأسلحة النووية؟ أشارت تقديرات مُبادرة التهديد النووي (NTI)، وهي مؤسسة أمريكية مُستقلة، إلى أن إسرائيل تمتلك ما يقارب 90 رأسًا نوويًا حاليًا، لكنها تمتلك ما يكفي من المواد الانشطارية لإنتاج ما يصل إلى 300 قنبلة. وبحسب معهد ستوكهولم (وهو معهد مستقل مكرس للبحث في الصراعات، والتسلح، ومراقبة الأسلحة، ونزع السلاح)، فإن إسرائيل لا تكتفي بالمحافظة على هذه الترسانة، بل تعمل بشكل مستمر على تطويرها، حيث اختبرت العام الماضي نظام دفع صاروخي قد يرتبط بعائلة صواريخ "أريحا" الباليستية، القادرة على حمل رؤوس نووية لمسافات بعيدة. ديمونا يعود إلى الواجهة رغم مرور عقود، ما زال مفاعل ديمونا يشهد تحديثات مستمرة، وقد أشار معهد ستوكهولم إلى أن إسرائيل تُجري تحسينات على الموقع ربما لتعزيز قدرتها على إنتاج البلوتونيوم المستخدم في تصنيع الأسلحة النووية. وبينما يفرض المجتمع الدولي رقابة صارمة على منشآت إيران، تبقى منشأة ديمونا خارج أي تفتيش، لكون إسرائيل غير موقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي. سياسة إسرائيل.. الردع الصامت في مقابلة أجراها مع شبكة «سي إن إن» الإخبارية، عام 2018، سُئل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو عمّا إذا كان يعترف رسميًا بامتلاك بلاده ل الأسلحة النووية، فردّ قائلاً: "لن نكون أوّل من يستخدمها"، وحين أُلحّ عليه بالسؤال عن سبب التعتيم، أجاب: "افترضوا ما تشاؤون، لكن إسرائيل لا تهدد بإبادة أي دولة"، بحسب وصفه. وبدت تصريحات نتنياهو، وكأنها اعتراف غير مباشر، لكنها تكشف بوضوح السياسة الإسرائيلية القديمة في تجنّب التصريح المباشر، والاكتفاء بسياسة "الردع الصامت". اقرأ أيضًا| فيديو| 2000 صاروخ فقط في جُعبة طهران.. هل تكفي ترسانة إيران لحرب طويلة؟ موقف القانون الدولي رغم ترسانتها النووية، لم توقّع إسرائيل على معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT) لعام 1970، لكنها انضمت فقط إلى معاهدة الحظر المحدود للتجارب النووية لعام 1963، التي تمنع التفجيرات النووية في الغلاف الجوي أو تحت الماء. ومع ذلك، تعارض إسرائيل كافة المُقترحات الخاصة بإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط. اقرأ أيضًا| بعد منشور ترامب: «إخلوا طهران فورًا».. هل تمهّد أمريكا لعمل عسكري؟