بينما كانت أنظار العالم مشدودة نحو بئر السبع بعد القصف الصاروخي الإيراني، أعادت صور الأقمار الصناعية ومشاهد الاحتراق التي طالت منشآت قريبة من مفاعل ديمونا جنوب إسرائيل تسليط الضوء على أكثر الملفات حساسية في الشرق الأوسط، البرنامج النووي الإسرائيلي. رغم أن إسرائيل لم تعترف يومًا رسميًا بامتلاكها لأسلحة نووية، فإنها حسب خبراء الأمن والوكالات الدولية، تملك واحدة من أكثر الترسانات النووية تطورًا وسرية في العالم، ويُنظر إلى هذا الغموض الاستراتيجي بوصفه سياسة مدروسة اتبعتها تل أبيب لعقود، تُعرف باسم "سياسة الغموض النووي" – أي لا تأكيد ولا نفي، حسب ما أوردته شبكة سي إن إن الأمريكية. بدأت إسرائيل استكشاف الطاقة النووية حتى قبل إعلان قيامها كدولة عام 1948، لكن العمل الجاد لتطوير قدرات نووية تسليحية بدأ فعليًا في الخمسينيات، وفي عام 1958، وبدعم فرنسي مباشر، تم بناء مفاعل ديمونا النووي في صحراء النقب. كان المشروع يُقدم للعالم على أنه لأغراض "بحثية"، لكن صور الأقمار الصناعية والتقارير الاستخباراتية أكدت منذ الستينيات أنه يتضمن خطًا كاملًا لإنتاج البلوتونيوم المستخدم في تصنيع الأسلحة النووية. وبحلول عام 1966، تشير وثائق وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) إلى أن إسرائيل أنتجت أول سلاح نووي. وفي عام 1968، كانت واشنطن تعتبر أن إسرائيل أصبحت دولة نووية بحكم الأمر الواقع. بحسب تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) لعام 2025، فإن إسرائيل تحتفظ بنحو 90 رأسًا نوويًا فعّالًا، لكنها تملك من المواد الانشطارية ما يكفي لإنتاج أكثر من 300 رأس. تشير أيضًا تقارير مبادرة التهديد النووي (NTI) – وهي منظمة غير حكومية أمريكية مرموقة – إلى أن إسرائيل طورت عائلة صواريخ "أريحا" الباليستية القادرة على حمل هذه الرؤوس، وأنها أجرت مؤخرًا تجارب دفع صاروخي يُعتقد أنها مرتبطة بهذه الترسانة، وكان آخرها في عام 2024. أين تقف إسرائيل دوليًا؟ إسرائيل ليست عضوًا في معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT) التي أُقرت عام 1970، ما يعني أنها خارج النظام الدولي للرقابة النووية. في المقابل، وقعت على معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية عام 1963، والتي تحظر إجراء تفجيرات نووية في الغلاف الجوي أو تحت الماء، لكنها لا تمنع التجارب تحت الأرض – وهو ما يُعتقد أن إسرائيل استخدمته خلال اختبار غير مؤكد عام 1979 جنوب المحيط الأطلسي، ضمن ما يُعرف ب"وميض المحيط". صور الأقمار الصناعية الحديثة، حصلت عليها منظمات بحثية من بينها "معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي" و"مركز جيمس مارتن لدراسات حظر الانتشار"، أظهرت توسعًا في موقع ديمونا قد يرتبط بتحديث مفاعل إنتاج البلوتونيوم أو بناء منشآت جديدة للتخصيب أو الاختبار. ووفق شبكة سي إن إن فإن امتلاك إسرائيل لترسانة نووية غير خاضعة للرقابة يُعد من الأسباب الرئيسية التي تُعرقل أي مبادرة دولية لإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، وهي مبادرة تدفع بها دول عربية وإيران منذ عقود دون جدوى، كما أن هذه الترسانة تُوظّف بشكل غير مباشر كوسيلة ردع في صراعات إسرائيل الإقليمية، سواء مع إيران أو حركات المقاومة.