أصابت عملية «الأسد الصاعد» أهدافًا استراتيجية، وفضحت مرة أخرى هشاشة الدفاعات الإيرانية، وأظهرت تنسيقًا إسرائيليًا أمريكيًا غير مُعلن. فماذا جرى فعلًا؟ ولماذا هذه السهولة المُتكررة في الوصول إلى العمق الإيراني؟ ولماذا بدا الصمت الأمريكي أقرب إلى التواطؤ منه إلى الحياد؟ استخدمت فى عملية الأسد الصاعد، ذخائر طورت خصيصًا لاختراق تحصينات تحت الأرض، وكما يُشير إيهاب عباس، الباحث فى الشئون الأمريكية والعلاقات الدولية، استهدفت العملية مواقع فى أصفهان ومحيط طهران، بينها منشآت لتجميع المسيرات والصواريخ الدقيقة، واستخدمت فيها طائرات شبحية، صواريخ كروز بعيدة المدى، وأسلحة سيبرانية بالتزامن مع الهجوم، وأسفرت عن تدمير 3 منشآت عسكرية، وخروج نظام رادار مُتقدم عن الخدمة، وقتل عدد من المُهندسين العسكريين الإيرانيين، ويؤكد إيهاب أن الولاياتالمتحدة كانت على علم بضربات إسرائيل ضد إيران وتوقيتها، لافتًا إلى أن طهران مُخترقة داخليًا بشكل تام من قبل الموساد الإسرائيلى، لافتًا إلى أن الضربات الإسرائيلية تجاه إيران تم التجهيز لها منذ وقت طويل، وكانت إيران تعلم أن الضربات قادمة خاصة خلال اليومين الماضيين، لأن إسرائيل أبدت رغبة شديدة فى تنفيذ هذه الضربات، مُشددًا على أن واشنطن كانت على علم بهذه الضربات وتوقيتها، مُدللًا بسحب أسر بعض الدبلوماسيين الأمريكيين من أماكن مُختلفة فى الشرق الأوسط، وسحب عسكريين أمريكيين من قواعد عسكرية مُختلفة، الأمر الذى أنذر بأن الضربة الإسرائيلية ستكون قريبة قبل حدوثها. ◄ تنفيذ مُنفرد الباحث فى الشئون الأمريكية والعلاقات الدولية، أوضح أن الضربة كانت قوية، لكنها تمت بدون مُشاركة أمريكية، ونفذتها إسرائيل مُنفردة، ويُفسر سهولة الوصول لأماكن القيادات الإيرانية، قائلًا: «هذا الأمر ليس بالغريب بالنظر لأن إيران مُخترقة من الداخل تمامًا من قبل الموساد الإسرائيلى، والموساد ينشط داخل طهران منذ فترة طويلة وساعد فى تنفيذ عمليات اغتيالات قبل ذلك لمسئولين عسكرين إيرانيين، ومسئولين أمنيين، وأيضًا علماء نوويين إيرانيين، حتى وصل الأمر إلى بناء قاعدة إطلاق طائرات مُسيرة داخل إيران، فإيران تبدو مُهلهلة أمنيًا من الداخل أمام القدرات الاستخباراتية الإسرائيلية». ◄استهداف القيادات وعن ضرب جميع القيادات الإيرانية فى توقيت واحد، يُشير الخبير السياسى، الدكتور حسن سلامة، إلى أنه دليل واضح على وجود تنسيق من قبل المُخابرات الإسرائيلية، وإشارة لاختراق داخلى سهل على الموساد معرفة أماكن سكن جميع القيادات، والمشكلة الكبرى أن إيران بها جواسيس كُثر لصالح إسرائيل، مُشددًا على أن مصر حذرت كثيرًا من احتمالات التصعيد الإقليمى، لكن يبدو أن إسرائيل تُصر على تأجيج المنطقة بهذه الصورة المخالفة لقواعد القانون الدولى، وأشار إلى أن هناك سيناريوهات مُحتملة نتيجة هذا التصعيد، قد تؤثر على إمدادات الطاقة على وجه الخصوص، مُضيفًا أن عملية «الأسد الصاعد» جاءت فى توقيت بالغ الحساسية، على الصعيدين الإقليمى والدولى، حيث أرادت إسرائيل أن تؤكد أنها تحتفظ بتفوقها النوعى، وأن استهدافها لم يُثنِها عن الوصول للعمق الإيرانى، كما أظهرت العملية أن تل أبيب قادرة على ضرب منشآت قريبة من مفاعلات نووية، مثل منشأة نطنز، ما يلمح إلى أنها تملك القدرة، وربما النية، لتوجيه ضربة وقائية فى المستقبل. ويؤكد سلامة، أن تكرار العمليات الإسرائيلية الناجحة داخل إيران يكشف عن وجود شبكة عملاء واسعة داخل الأراضى الإيرانية، وقد أشار تقرير سابق لصحيفة نيويورك تايمز فى 2022 إلى أن الموساد جند خلايا تابعة لمُعارضين، وبعض عناصر الأمن المُتذمرين، خصوصًا من الأقليات الكردية والبلوشية، وقد أظهرت عملية «الأسد الصاعد»، وجود دعم استخبارى ميدانى سابق للهجوم، يشمل صورًا أرضية حصلت عليها تل أبيب عبر وكلاء داخل البلاد، كما يشير لضعف منظومة الدفاع الجوى، فرغم امتلاك إيران لمنظومات دفاع روسية مثل «S-300»، ومنظومات محلية مثل «باور 373»، إلا أن تكاملها وقدرتها على التعامل مع الطائرات الشبحية الإسرائيلية والصواريخ الكروز ما زال محدودًا، لافتًا إلى أنه وفق تقرير لمجلة Janes"» البريطانية المختصة فى الشئون العسكرية، فإن الدفاع الجوى الإيرانى يُعانى من مشاكل فى الرصد المُبكر، إضافة إلى ضعف فى التنسيق بين الوحدات المُختلفة. ◄ تنسيق أمريكي هل كانت واشنطن على علم مسبق؟!، سؤال طرحناه على الباحث السياسى بالشئون الدولية، عمرو حسين، فأجاب قائلًا: «نعم، وبدرجة عالية من الاحتمالات، بل وقد تم تنسيق كبير بين الجانبين»، مُضيفًا أنه رغم أن البيت الأبيض لم يصدر تعليقًا رسميًا بعد العملية، إلا أن تقريرًا نشرته شبكة "CNN" نقل عن مسئولين فى البنتاجون قولهم: «تم إبلاغنا قبل تنفيذ العملية بساعات، وأكدت إسرائيل أنها ستبقى الهجوم محدودًا لتجنب التصعيد»، وهذا يعنى أن الولاياتالمتحدة لم تعارض الضربة، بل ربما سهلت بعض جوانبها، مثل مُراقبة الأجواء الإقليمية أو تقديم بيانات استخبارية، ويؤكد هذا ما سبق ونشرته نيويورك تايمز عن وجود «خط اتصال آمن ومُنتظم» بين الموساد ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "CIA"، يسمح بتبادل المعلومات حول العمليات الكبرى. وعن رسائل تلك العملية لإيران والمنطقة، يُشير عمرو إلى أن إسرائيل أرادت الإعلان من خلالها عن أنها قادرة على العمل فى أى وقت وأى مكان، كما أظهرت تفوقا استخباراتيا وجويا مُستمرا رغم تهديدات إيران، كما أظهرت أن واشنطن رغم خلافاتها مع تل أبيب، لا تمانع «احتواء» إيران عبر أدوات إسرائيلية، والأهم أن حلفاء إيران فى المنطقة عليهم إعادة حساباتهم، لأن الدفاعات الإيرانية ليست كما كانت تدعى طهران، مُضيفًا أنه رغم سخونة الأحداث، لا تزال كل الأطراف تسير على حافة الهاوية دون السقوط فيها، فتل أبيب تضرب بحذر، وطهران ترد أحيانًا، وواشنطن توازن بين الردع والتهدئة، لكن مع كل عملية كبرى مثل «الأسد الصاعد»، يُصبح خطر الانفجار الكامل أقرب.