شنّت إسرائيل فجر أمس، سلسلة ضربات واسعة ضد أهداف نووية وعسكرية فى إيران؛ أسفرت عن مقتل قادة عسكريين بارزين، وعلماء نوويين وإسلاميين، بينهم قائد أركان القوات المسلحة، محمد باقرى، فضلا عن قائد الحرس الثورى، حسين سلامى، والقيادى البارز فى الحرس، غلام على رشيد، فيما توعدت طهران ب«رد قوى». «واشنطن» من جانبها أكدت أنها لم تشارك فى الضربة، وطالبت «طهران» بعدم استهداف مصالحها فى المنطقة، فى حين توعد المرشد الأعلى الإيرانى، على خامنئى، إسرائيل، «بمصير مرير ومؤلم»، وبمواجهة تداعيات قاسية، قائلًا فى بيان: «مع هذه الجريمة خطّ الكيان الصهيونى لنفسه مصيرًا مريرًا ومؤلمًا وسيناله بالتأكيد». وأوضح المتحدث باسم هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، أبو الفضل شكارجى، أن القوات المسلّحة ستردّ حتمًا على هذا الهجوم الصهيونى، مشدّدًا على أنّ إسرائيل ستدفع ثمنًا باهظًا وعليها انتظار ردّ قوى من القوات المسلّحة الإيرانية. فى غضون ذلك، أعلن جيش الاحتلال أن إيران أطلقت نحو 100 مسيّرة باتجاه إسرائيل، أمس، وأن قواته تعمل على اعتراضها وإسقاطها بعد موجة ضربات إسرائيلية غير مسبوقة على أراضى الجمهورية الإيرانية. من جانبها، أعلنت واشنطن على لسان وزير الخارجية الأمريكى، ماركو روبيو، الذى يشغل أيضًا منصب مستشار الرئيس للأمن القومى، أن الولاياتالمتحدة «غير متورطة» فى الضربة، وأن اهتمام الإدارة الرئيسى هو حماية القوات الأمريكية فى المنطقة، داعيًا طهران إلى عدم استهداف المصالح الأمريكية فى المنطقة. وقال «روبيو» فى بيان: «أبلغتنا إسرائيل بأنها تعتقد أن هذا الإجراء كان ضروريًا للدفاع عن نفسها، واتخذ الرئيس دونالد ترامب وإدارته جميع الخطوات اللازمة لحماية قواتنا والبقاء على اتصال وثيق مع شركائنا الإقليميين». وسلطت وسائل إعلام إسرائيلية وأمريكية الضوء على الضربة الاستباقية الإسرائيلية، وأفاد الإعلام العبرى، بأن إسرائيل استخدمت تكتيكات خداعية لتحقيق مبدأ المفاجأة فى الضربة العسكرية الاستباقية التى وجهتها لإيران، فيما بررت أخرى توصيف الضربة ب«الاستباقية» والأسباب التى دفعت الاحتلال لتوجيهها فى التوقيت الحالى، وذكرت صحيفة «جيروزاليم بوست»، أن إسرائيل تعمدت تصدير فكرة أن الاجتماع الوزارى الأمنى أمس الأول، كان بهدف مناقشة موضوع الرهائن لدى حركة حماس، وهو الاجتماع الذى اتخذ فيه القرار بتوجيه ضربة لإيران فى الساعات الأولى من صباح أمس؛ دونما إعلان عن ذلك. وأوضح مسؤول بالحكومة الإسرائيلية، للصحيفة، أنه حتى وزراء الحكومة لم يتم إطلاعهم على الهدف الحقيقى لأجندة الاجتماع قبل استدعائهم له، وذلك بهدف تضليل إيران، منوهًا بأنه عند مصارحة أعضاء الحكومة بموضوع توجيه الضربة لإيران، وافقوا جميعا، متعهدين بالحفاظ على سرية القرار لحين تنفيذه. وكشف المسؤول، أن أشخاصا معينة فى إدارة حكومة تل أبيب كانوا على علم مسبق بخطة الهجوم، وهم وزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، ومدير الموساد، دافيد بارنيا، إلى جانب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذى شارك بنفسه فى خطة الخداع، وتعمّد إذاعة أنباء عن قضائه عطله نهاية الأسبوع برفقه عائلته فى منطقه الجليل، استعدادا لزفاف ابنه الأصغر «أنفير»، الثلاثاء المقبل، وهو ما خلق انطباعا باستبعاد القيام بعمل عسكرى كبير خلال الساعات المقبلة. وأشارت الصحيفة، إلى أنه من بنود خطة الخداع الأخرى، إعلان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى عن زيارة كانت مقررة لمدير الموساد ووزير الشؤون الاستراتيجية فى الحكومة الإسرائيلية للولايات المتحدة، أمس، للحديث مع المبعوث الأمريكى، ستيف ويتكوف، حول جولة المحادثات السادسة بين الولاياتالمتحدةوإيران، التى كانت مقررة غدًا فى مسقط، كما تعمد مكتب رئيس الحكومة رفض التعليق بالنفى أو بالإيجاب على التقارير الإخبارية التى قالت إن هناك خلافا بين إسرائيل والولاياتالمتحدة حول توجيه ضربة لإيران، وهو ما أوحى بوجود أزمة مكتومه فى العلاقات «الإسرائيلية- الأمريكية». واعتبرت الصحيفة، أن ما تردد عن وجود خلافات بين أعضاء الائتلاف الحاكم فى تل أبيب يهدد بقاءه كان من بين العوامل التى جعلت «طهران» تبتلع الطعم، وتقتنع بأن الظرف السياسى فى إسرائيل لن يسمح بعمل عسكرى كبير، فكان ذلك بمثابة «ستارة الدخان» التى أخفت النوايا الإسرائيلية لشن الهجوم. بدورها، قالت القناه 12 الإسرائيلية، إن مهلة ال 60 يوما التى أطلقها «ترامب» فى 12 من إبريل الماضى، للتوصل للاتفاق مع إيران حول برنامجها النووى، انتهت؛ فكانت الضربة الإسرائيلية فى اليوم ال 61، أى فى اليوم التالى على انتهاء المهلة الأمريكية، وهو ما استغلته إسرائيل كموعد مناسب لشن ضربتها، كما اعتبرت أن تكتيكات الإخفاء والتمويه التى اتبعتها إسرائيل، والتى صادفها عنصر التوقيت الملائم، كانت سببا فى مضاعفة الأثر الناتج عن العملية العسكرية. وعلقت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» على ما ورد فى بيان جيش الاحتلال، الصادر بعد وقت قصير من بدء إسرائيل مهاجمة البرنامج النووى الإيرانى، ووصفه اللجوء إلى القوة بأنه «ضربة استباقية»، موضحة أن سبب كونها «استباقيه»، أنه وفقًا لتقديرات قادة الأمن الإسرائيليين، بلغ برنامج الأسلحة النووية الإيرانى «حد التهديد الوجودى»، فى ظل مساعى النظام الإيرانى علنًا تدمير إسرائيل. وأكدت الصحيفة، أن جهود النظام للتخصيب والتسليح تسارعت مؤخرًا، ومن ثم؛ وبعد سنوات من التعهدات بالعمل العسكرى، أعلن رئيس أركان جيش الاحتلال، إيال زامير، فى بيانٍ، أن الوضع «وصل إلى نقطة اللاعودة»، منوهة بما أورده «نتنياهو»، فى خطابٍ مصورٍ مُسجلٍ مسبقًا صدر فى أثناء الهجوم، إذ قال إن نظام طهران يمتلك ما يكفى من اليورانيوم المُخصب لصنع 9 أسلحة نووية، ويتخذ خطواتٍ غير مسبوقة نحو التسلح - أى بناء القنبلة، فضلًا عن امتلاك صواريخ يمكنها الوصول إلى أى مكان فى إسرائيل، والتى تُشكِّل خطرًا وجوديًا، قادرًا على سحق الدفاعات العسكرية الإسرائيلية«، وفقًا لتقييم المؤسسة الأمنية. وأشار رئيس وزراء الاحتلال، إلى برنامج الصواريخ البالستية الإيرانى المُتوسِّع بشكلٍ كبير، مع خططها لإنتاج آلاف وآلاف الصواريخ فى السنوات القليلة المُقبلة، مستدركًا: «لا يُمكننا ترك هذه التهديدات للجيل القادم، لأنه إذا لم نتحرك الآن، فلن يكون هناك جيل آخر»، وهو ما عبّر عنه «زامير» بإيجاز، بقوله إن الهجوم كان «ضرورة عملياتية فورية وضرورةً ملحةً لإزالة التهديد الاستراتيجى وضمان مستقبلنا». وشددت الصحيفة، على أن الهدف من الضربة الإسرائيلية هو إلحاق ضررٍ بالغٍ بقدرات إيران النووية، بما فى ذلك المنشآت الرئيسية والقادة الرئيسيين، وبالتالى تجنّب ذلك التهديد الوجودى المُتصوَّر، فيما يشير تقييم المؤسسة الأمنية للاحتلال إلى أن تلك كانت اللحظة المناسبة والضرورية للضربة، قبل أن تُعيد إيران بناء دفاعاتها التى دُمِّرت فى الهجوم الإسرائيلى الأقل دراماتيكية فى أكتوبر الماضى، وفى وقت تُعتبر فيه المعلومات الاستخباراتية عن البرنامج الإيرانى قويةً للغاية. وأشارت الصحيفة، إلى تحذير الوكالة الدولية للطاقة الذرية من برنامج إيران المتسارع لتخصيب اليورانيوم، وقالت إنه فى تقييم المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، قد يكون رقم «القنابل التسع» أقل من الواقع، وقد تكون عملية التخصيب أكثر تقدمًا مما ذكرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، زاعمة أن عملية التسلح شهدت اختباراتٍ متقدمة فى الأيام الأخيرة، متابعة: «رغم أن رئيس حكومة الاحتلال، تحدث فى وقت سابق عن التحرير الوشيك للشعب الإيرانى من الاستبداد، فإن الهدف ليس التعجيل بتغيير النظام بشكل مباشر، إذ تتحدث المؤسسة الأمنية فقط عن إحباط الخطر الذى يُشكِّله البرنامج النووى الإيرانى، دون التباهى بتدميره بالكامل من جميع جوانبه». وعن رد الفعل الإيرانى، حذّر «نتنياهو وزامير»، الرأى العام فى المجتمع الإسرائيلى، من أيامٍ مُعقّدةٍ وصعبةٍ تنتظر إسرائيل، مُشيرين إلى احتمال مواجهة الاحتلال ضرباتٍ صاروخيةٍ إيرانيةٍ واسعةٍ، أشدّ وطأةً من جولتى الهجمات الإيرانية بالطائرات المُسيّرة والصواريخ العام الماضى. وقالت الصحيفة، إن «نتنياهو» أشاد بالرئيس الأمريكى على موقفه الثابت، حتى مع حثّ «ترامب» إسرائيل علنًا هذا الأسبوع على عدم مهاجمة إيران وإعطاء الدبلوماسية بعض الوقت، ولم يتضح بعدُ مدى التنسيق الإسرائيلى الأمريكى، ورغم التقارير التى أفادت بأنّ إسرائيل أبلغت إدارته مُسبقًا، استبعدت أنّ تلعب واشنطن أيّ دورٍ مُباشرٍ فى الضربة، رغم أنّه من المُتعارف عليه أنّ تدخّل الولاياتالمتحدة سيُمكّن من شنّ هجومٍ أكثر تدميرًا بكثير، ومع ذلك، فإنّ اعتقاد المؤسسة الأمنية الإسرائيلية هو أنّ الولاياتالمتحدة ستكون إلى جانب إسرائيل، عند الحاجة. على صعيد متصل، ذكرت صحيفة «واشنطن بوست»، أمس، أن الضربة الإسرائيلية الشاملة على إيران جاءت بعد سنوات من العداء بين الطرفين؛ إذ اعتبر «نتنياهو» إيران أكبر تهديد له، فى ظل ببرنامجها النووى وخطابها العدائى ودعمها للجماعات التابعة لها فى جميع أنحاء المنطقة، مضيفة: «رغم أن طهران وتل أبيب كانا يسيران على مسار تصادمى منذ فترة طويلة، فإن سلسلة من التطورات الأخيرة، بما فى ذلك الضربات الإسرائيلية لإيران وحلفائها وإعادة انتخاب ترامب، كلها عوامل مهدت الطريق لهجوم أمس». فى غضون ذلك، ذكرت وكالة «أسوشيتد برس» الأمريكية أن «ترامب» وحتى ساعات قليلة قبل شن إسرائيل ضربات على إيران، كان لا يزال متمسكًا «بخيوط الأمل الممزقة» فى إمكانية حل النزاع المستمر منذ فترة طويلة حول برنامج طهران النووى، دون اللجوء إلى العمل العسكرى، لكن مع انطلاق العملية العسكرية الإسرائيلية المسماة «الأسد الصاعد»، والتى يقول «نتنياهو» إنها ستستمر «لأى عدد من الأيام»، يصبح الرئيس الأمريكى بمواجهة اختبار جديد لقدرته على الوفاء بوعده الانتخابي؛ بفك ارتباط الولاياتالمتحدة بالصراعات الخارجية. على صعيد متصل، قال زعيم الأغلبية فى مجلس الشيوخ، جون ثون، الجمهورى عن ولاية داكوتا الجنوبية، إن مجلس الشيوخ على أهبة الاستعداد للعمل مع الرئيس وحلفاء أمريكا فى إسرائيل، لاستعادة السلام فى المنطقة، وفى المقام الأول، للدفاع عن الشعب الأمريكى من العدوان الإيرانى، خاصةً القوات والمدنيين العاملين فى الخارج.