أستغرب العقلية الغربية التى جُبلت على الاحتكام للعقل وللمنطق، فاذا بها تتخلى عن كل هذا وتتشيع للخزعبلات. أقل من ثلاثة أسابيع وتتجه أنظار العالم إلى مصر، وتحديدًا إلى هضبة الأهرامات، لمتابعة احتفالات افتتاح أكبر وأعظم متاحف العالم؛ متحف مصر الكبير، بحضور العديد من رؤساء وقادة وزعماء العالم. هذا الحدث الفريد، رسالة يوجهها الرئيس عبد الفتاح السيسى باسم مصر إلى العالم، رسالة من أحفاد من صنعوا أعظم حضارة عرفتها البشرية، رسالة تٌعلى من قيم العدل والعدل، التى قدسها المصرى القديم فى صورة الإلهة ماعت، رسالة حب وسلام وحسن جوار مع دعاة السلام، مصحوبة بوجه آخر للرسالة ذاتها ومنطوقها منقوش على حجر ديوريت أسود باللغات: الهيروغليفية والديموطيقية واليونانية القديمة؛ وممهورة بخرطوش «سقنن رع» الذى طارد الهكسوس إلى خارج حدود مصر الشرقية.. سوف يستمتع الحضور فى البهو العظيم للمتحف بعظمة الحاضر الذى يتجلى فى هذا المتحف المعجز فى بنائه وفى محتواه، والمتمثل فى حضارة عمرها ستة آلاف عام، لا تزال تبهر العالم، وعلى امتداد البصر سوف يتمكن الحضور من رؤية أهرامات مصر الثلاثة، التى لا تزال تحير بعظمتها العالم، ويمتد الشعاع من قمة هرم خوفو إلى قمة البرج الأيقونى فى عاصمة مصر الإدارية التى تؤرخ لانطلاق جمهورية جديدة، شيد دعائمها الأحفاد وتليق بعظمة الحضارة المصرية القديمة، وبكل الحضارات التى تعاقبت عليها وانصهرت وذابت وصنعت السبيكة المصرية المتفردة. أتمنى ألا يتم تقزيم الحدث فى مجرد تدشين متحف كبير، بل يجب أن نستثمره لكى يكون نقلة حقيقية فى تعاطينا مع ملف السياحة برمته، وخيرًا فعلت الحكومة عندما قامت بالإفتتاح التجريبى لمشروع تطوير هضبة الأهرامات مبكرًا، لاكتشاف الثغرات، ومعالجتها أولًا بأول، كذلك تبنيها لمشروع تطوير ورفع كفاءة نزلة السمان وتأهيل مبانيها لتكون جزءًا من النسيج العمرانى المخطط والمتحضرالمحيط بالأهرامات بما يصب فى فوائد وعوائد مباشرة لأهل النزلة، فيعملوا مع التطوير، لا ضده. اقترح حملة إعلامية ترويجية، تستهدف رفع سلوكيات الناس فى التعامل مع السائح، وتشمل سائق التاكسى، وحتى موظفى الجوازات وكل الذين يحتك بهم السائح خلال وجوده فى مصر، السائح إما أن يأتى لك بعشرة سائحين اذا شعر بالرضا، وإما أن يكون سببًا فى «تطفيش» الآلاف بسبب جشع سائق تاكس، أو بائع متجول يحاصره، أو جمال يرفض نزوله من فوق الجمل، من دون أن يمنحه المزيد من الدولارات. معدلات السياحة، بفضل الله، فى ذروتها منذ العالم الماضى، ونأمل أن تتضاعف عدة مرات مع افتتاح المتحف الكبير، ولكن احذر من سائح يأتى مرة ويأبى أن يعود مرة أخرى بسبب سلوكيات البعض. بالمناسبة، أضم صوتى لصوت الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق وصاحب براءة فكرة المتحف المصرى الكبير، فى ضرورة الاستفادة من المبنى العبقرى الحالى لمتحف التحرير الذى كان وقت بنائه قبل أكثر من قرن وربع القرن أول مبنى ينشأ فى العالم ليكون متحفًا، وقبله كانت المتحف تتخذ من القصور الأثرية مكانًا، وهو مبنى أثرى، وعظيم ومتفرد فى عمارته، وفى مكانه العبقرى الذى لم يفقد بريقه فى قلب القاهرة التاريخية، الاقتراح بأن يتحول المبنى إلى مدرسة عالمية لعلوم المصريات، على أن تمثل فيه البعثات الأجنبيه العاملة فى مصر والتى يقترب عددها من 240 بعثة، وعلى أن يقام فيه معرض متغير لروائع الفن المصرى القديم، هذه الفكرة تحقق الحسنين: القيمة العلمية الثقافية، والقيمة السياحية التى تترجم فى عوائد تصب فى خزانة الدولة، من زيارة صفوة الصفوة لهذه المعارض المتفردة. لا تتركوا متحف التحرير يتحول إلى أطلال. غبار لقاء جو روجان لايزال غبار لقاء علم الآثار؛ زاهى حواس مع المحاور الأشهر؛ جو روجان عالقًا فى الأفق، وأحزننى انزلاق البعض إلى مستنقع تصفية الحسابات الضيقة، بالتشيع لرأى روجان، ليس من باب وجاهته وحجيته، ولكن من باب الرغبة الدفينة فى الانتقام من زاهى بأى صورة، حتى لو كانت النتيجة، تجريد المصريين من شرف صناعة أقدم وأعظم حضارة عرفتها الإنسانية، بشهادة علماء الغرب الذين تأسس على أيديهم علم «المصريات»، كما أزاحت اكتشافاتهم الكثير أسرار ومكنونات هذه الحضارة. من جديد، عاد روجان مؤخرًا للحديث عن لقائه الأشهر مع زاهى، خلال لقاء له مع شخصية أخرى شهيرة، وتحدث الضيف خلال المقابلة عن روعة وعظمة ما رآه فى مصر، إلى الحد الذى جعله هو الآخر يكاد يجزم أن ما رآه من عظمة لا يمكن أن يكون من صنع بشر، ولكنه من صنع من هبطوا من الفضاء، ودلل على ذلك بما رآه من نقوش فى سقف معبد فى صعيد مصر تشبه مركبة الفضاء وطائرة بل ومصباح كهربائى(!!). وأنا أستغرب العقلية الغربية التى جُبلت على الاحتكام للعقل وللمنطق، فاذا بها تتخلى عن كل هذا وتتشيع للخزعبلات وتردد أقاويل لا مكان لها إلا فى خيال مصنعى أفلام هوليود، لم يكن مستغربًا أن يخرج هذا الخيال من عقليتنا الشرقية العربية، التى يرميها الغرب دائمًا بتعطيل العقل، وعدم الانحياز للثقافة العلمية، فإذا بالمواقع تتبدل، وننحاز نحن للعلم، ويرددون هم الخرافات. لقد سرق الغرب ونهب قدر ما سرق من معابد ومسلات وتماثيل فرعونية ونقلوها إلى بلدانهم فما زادتنا إلا تألقًا، فقرروا فى النهاية أن يبطلوا صك الملكية الذى كتبه أجدادنا قبل ستة آلاف سنة، مرة بالذين هبطوا من السماء، ومرة بالذين غرقوا فى المحيط، ومؤخرًا ب «الأفروسنتريك» القضية الآن أكبر من زاهى. الشهيد الشهم أى الكلمات تفى الشهيد، أى شهيد، حقه. وأى تعويض، مهما كبر، يعوض ابنا عن فقد أبيه، أو فتاة عن حضن أبيها. بالتأكيد لا شىء، فكل الأشياء تتقزم أمام من يقدم روحه عن طيب خاطر، من أجل أن ننعم نحن بالحياة. بالتأكيد لم يفكر البطل الشهيد خالد محمد شوقى فى الخطر المحقق الذى يقدم عليه، عندما قرر فى ثوان معدودات، وبدون أدنى تردد، أن يقود سيارة نقل الوقود التى اشتعلت فيها النيران فجأة أثناء وقوفها داخل محطة تعبئة الوقود فى «العاشر من رمضان»، قادها بعيدًا مضحيًا بنفسه، حتى لا تتحول السيارة إلى قنبلة تحول المنطقة بكل من فيها الى بوابة من بوابات جهنم.. بكته مصر كلها، وباسم كل مصرية، قامت السيدة انتصار السيسي، قرينة رئيس الجمهورية، بالتواصل مع أسرته لتقديم واجب العزاء والمواساة فى «البطل الذى قدّم حياته فداءً للآخرين فى موقف يجسّد أسمى معانى الشجاعة والإنسانية، وقالت قرينة الرئيس، عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك أن «تضحيته النبيلة ستظل خالدة فى وجدان كل مصري، ومصدر فخر للأجيال القادمة». صلاة العيد لازلت هناك، أتشبث بجلباب أبى فى طريقنا للمقابر. فرحة العيد تبدأ بالبكاء.. بكاء من سبقونا. لازلت هناك، أقطف السنابل الذهبية فى أجران القمح. وأطارد فراشات بيضاء تتقاذفها الرياح، حتى أنكفىء على وجهى. أسعد ببجامة كستوراشترتها أمى، واختزنتها ليوم العيد. أركب مرجيحة عمى سطوحى، أمسك بالقمر، وأطارد النجوم. أشترى بقروش العيد صاروخًا يقلنى للسماء. أنفخ بالونتى من بقايا البالونات. لازلت هناك أتفقد فرحة العيد الحبيسة فى شوارع قريتى.