بيتر ترينين ستراوسوف، صحفي روسي، ونائب مدير مركز التجارب الإنسانية بجامعة الدراسات الإنسانية بروسيا، خرج فى إحدى مقالاته على صفحات مجلة «بروفيل» الروسية بتساؤل منطقي عن شكل الحياة فى روسيا حال التوصل لتسوية تنهى النزاع بأوكرانيا؟! وفى غضون ذلك أشار الكاتب، إلى أن هذا الافتراض ربُما يتضمن استضافة دولة مُحايدة للمُباحثات بين روسياوأوكرانيا، والتوصل لتوقيع وثيقة قانونية تتضمن الضمانات الأمنية التى طالبت بها روسيا فى البداية، والتى كانت السبب فى إثارة النزاع بين روسيا والغرب، مُمثلًا فى أوكرانيا، بل إن ذات الافتراض يشمل اعتراف الغرب بالادعاءات الروسية، واستئناف اتصالاته مع روسيا أو على الأقل على مستوى الأعمال والتجارة، خصوصًا أنه يوجد اعتقاد يجرى الترويج له بين دول الغرب فى الوقت الراهن، مفاده أن الحرب فى أوكرانيا هى أشبه ما تكون بالحرب الأهلية، حيث إنها تقع بين بلدين متجاورين وشعبين شقيقين بينهما تاريخ طويل والكثير من قيم والثوابت المشتركة. بيتر ترينين ستراوسوف، صحفى روسي، ونائب مدير مركز التجارب الإنسانية بجامعة الدراسات الإنسانية بروسيا، خرج فى إحدى مقالاته على صفحات مجلة «بروفيل» الروسية بتساؤل منطقى عن شكل الحياة فى روسيا حال التوصل لتسوية تنهى النزاع بأوكرانيا؟ لو تصورنا التوصل لهذه الوثيقة التي تنهى الحرب، ولا أقول هنا إن النزاع انتهى، حيث يعتقد الخبراء شرقا وغربا أنه مهما كان شكل الوثيقة التى سيتم التوصل إليها بين روسياوأوكرانيا فإنها ستكتسب شكل «وثيقة الاستسلام» لإنهاء العمليات القتالية، وليس إنهاء النزاع بين البلدين، ولكن وبصفة عامة لو تصورنا التوصل لصيغة ما تنهى العمليات العسكرية بين البلدين لفترة طويلة، فما هى اتجاهات تطور الحياة المتوقعة داخل روسيا فى هذه الحالة؟ ◄ سيناريو الاسترخاء الحقيقة، أن العديد من مراكز الدراسات وخبراء الشئون الروسية قد تحدثوا كثيرا مؤخرا عن هذا الموضوع حيث تشير مجلة «بروفيل» الروسية إلى وجود 5 سيناريوهات محتملة للتطور فى روسيا، وأن أول وأقوى هذه السيناريوهات هو سيناريو «الاسترخاء»، ويقوم هذا السيناريو على أساس أن الشعب الروسى طوال أكثر من ثلاثة أعوام من القتال كان يعيش فى ظل حالة شديدة من التوتر، حيث تحمل الكثير من التضحيات على المستوى السياسى والاقتصادى والاجتماعى إلى جانب وقوع عدد كبير من القتلى والجرحى، لذلك سيكون من الطبيعى أن يفكر فى العودة إلى فترة ما قبل الحرب، حيث كانت الطائرات تطير فى مختلف أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، وكانت البرندات الغربية تنتشر بين مختلف المتاجر الروسية، وكانت العملة الروسية لها قيمتها المتزنة على الساحة العالمية، لذلك لن يكون من المستغرب أن يفكر المواطن الروسى فى استعادة نمط حياته السابق، رغم أنه توجد قاعدة تاريخية ثابتة وأكيدة، وهى أن عجلة الحياة لا تعود إلى الوراء، وما كان سيظل من طيات الماضى، وما قادم هو من ضروب المجهول الذى يجب العمل لبنائه بالشكل الذى يلبى آمال الطامحين والحالمين بحياة أفضل. ويحذر الخبراء، من هذا السيناريو لأنه سيقوم على أساس إحساس المواطن بالإرهاق من جراء حالة الحرب المستمرة لأكثر من ثلاثة أعوام، إلى جانب أن الشعب قد عاش بالفعل حالة التعبئة العامة من أجل الحرب، بينما مرحلة ما بعد الحرب ستحتاج هى الأخرى جهداً ربما أكبر من الجهد المبذول أثناء الحرب، وذلك من أجل تحقيق الأهداف العليا للدولة من حيث تحقيق السيادة التكنولوجية والاكتفاء الذاتى فى الكثير من الاحتياجات والاستغناء عن الغرب فى الكثير من المجالات، إلا أن ذلك يتطلب جهدا مضاعفا من الشعب الذى يشعر بالإرهاق بعد سنوات الحرب، لذلك سيتعين على القيادة الروسية البحث عن الصيغة التى تدفع الشعب لتقبل حالة جديدة من التعبئة العامة ولكن هذه المرة من أجل الإنتاج والتطوير وتحسين مستوى الحياة فى الدولة الروسية خاصة بعد انضمام أراضٍ جديدة للدولة وملايين جديدة للشعب الروسى. ◄ سيناريو النشوة أما السيناريو الثاني، والذى يخشى منه الخبراء ويحذرون كثيرا منه فهو «سيناريو النشوة»، وذلك عندما يعترف الغرب لروسيا بالنصر، ويقرر رفع كافة العقوبات بل وتشجيع شركاته على العودة لروسيا، إلا أن الروس فى هذا الوقت وعلى كافة المستويات سوف يكونون تحت تأثير «نشوة النصر»، وسيقيسون كل شىء بميزان قيم الوطنية والتعالى تحت تأثير نشوة النصر، وهو ما سيخلق من جديد حواجز تحول دون التعاون المثمر بين الروس، وبقية الدول، بل وقد تدفع الكثيرين للنفور من العمل فى روسيا. كما يُحذر الخبراء من أن زهوة النصر ستخلق تيارين أساسيين فى روسيا، أحدهما ينادى بالتمسك بالقيم الأساسية للمجتمع الروسى والآخر يدعو للعودة من جديد لنمط الحياة الغربى ومسايرة المجتمعات الغربية، وهو ما سينطوى على ما يشبه «حصان طروادة»، الذى يؤدى إلى زعزعة الاستقرار فى روسيا، ويؤكد الخبراء أن هذا السيناريو قد جربه الغرب كثيرا حيث يبدأ بتعزيز التعاون التجارى والاقتصادى والثقافى وفى غيرهم من المجالات وينتهى بتكسير وتدمير كافة مقومات الإنتاج والإبداع فى الدولة المستهدفة. ◄ سيناريو الاستنفار أما السيناريو الثالث والأكثر جاذبية فهو ما يطلقون عليه «سيناريو الاستنفار»، حيث يقوم هذا السيناريو على أساس أنه فى وقت الحرب والقتال كان العسكريون يحملون الرايات ويقودون المسيرة، ولكن بعد الحرب سيتطلب الأمر ظهور نخبة جديدة قادرة على قيادة الشعب نحو حياة جديدة من الإنتاج والإبداع، وهذه النخبة سوف تخرج من بين المشاركين السابقين فى الحرب، ومن هنا سوف يدور الصراع ما بين النخبة الجديدة التى يجرى تشكيلها وتقديمها للشعب وما بين النخب المدنية التى ظلت تقود مسيرة الحياة فى روسيا حتى فى ظل الحرب وانشغال النخبة الجديدة بها. ويفترض هذا السيناريو دورا متعاظما للقيادة الروسية التى سوف تعمل على تحقيق التوازن بين النخبة العسكرية السابقة وبين النخبة المدنية، كما ستعمل على الاستعانة بقطاع التصنيع العسكرى لقيادة قاطرة الاقتصاد والتطوير فى الدولة وفتح مجالات جديدة للإنتاج والإبداع. ويؤكد الخبراء، أن هذا السيناريو من أفضل السيناريوهات ولا يعيبه سوى مجموعة من المنغصات التى تؤرق كافة الدول دون استثناء مثل الفساد والتدليس والبيروقراطية وغيرها من الآفات التى نجحت الدولة الروسية فى التصدى لها رغم ظروف الحرب، وهو ما يعنى أن هذا السيناريو قابل جدا للتنفيذ، وربما نقول إن القيادة الروسية تميل كثيرا له. ◄ سيناريو الإجهاد السيناريو الرابع ربما ينبثق عن السيناريو السابق ويطلقون عليه «سيناريو الإجهاد المفرط»، ويقوم هذا السيناريو على أساس أن المجتمع ينقسم إلى ثلاثة أجزاء، الأول منها هو شريحة الأبطال والذين شاركوا فى النصر فى العملية العسكرية الروسية الخاصة، أما الشريحة الثانية فهى الغالبية التى كانت تؤيد العملية ولديها الرغبة الكاملة للتعاون مع الشريحة الأولى، أما الشريحة الثالثة فهى الأقلية، التى يحاولون وصفها بأنها تلك المجموعة التى لم تكن توافق على العملية ولم تكن تساعد فى تحقيق النصر، ومع ذلك فهى شريحة فى المجتمع وستمثل حجر عثرة على طريق عمل الشريحتين، حيث إن تلك الشريحة الثالثة سوف تطالب بوقف العمل بقوانين حالة الحرب، وعلى الأخص قانون «العملاء الأجانب»، وقوانين سرية حجم الضحايا من الجانب الروسى وسرية الوثائق وغيرها من القوانين التى ربما يرتبط منطقها بحالة الحرب ولكن بعد الحرب ربما تمثل عائقا كبيرا أمام الحياة المدنية، لكن المطالبة بإلغائها سيمثل قيودا على السلطة، لذلك ستقاوم بشكل كبير لمواصلة العمل بهذه القوانين أطول فترة ممكنة. سيتذرع المنادون بمواصلة العمل بهذه القوانين بأن الإدارة والنظام العام فى الدولة فى ظل تطبيق هذه القوانين كانوا يسيرون بشكل جيد والحياة تسير وتتطور دون مشاكل، وبالتالى فلا حاجة مطلقا لإدخال تعديلات على هذا الوضع، وبالتالى سيظل هناك شد وجذب بين شرائح المجتمع الروسى لحين الاستقرار على صيغة للحياة فى زمن السلم وبعيدا عن النزاعات، العداء مع الآخرين. ◄ السيناريو غير النمطي أما السيناريو الخامس والأخير فهو «السيناريو غير النمطى» ورغم أنه من أفضل السيناريوهات إلا أن الخبراء يستبعدونه بشكل كبير نظرا لبعده عن الواقع الملموس، حيث إن هذا السيناريو يستشرف المستقبل ويضع نصب عينيه النظام العالمى الجديد القادم، ويدعو إلى إعادة تنظيم الحياة فى روسيا بالشكل الذى يوافق المكانة التى تسعى إليها روسيا فى النظام العالمى الجديد. ويفترض هذا النظام إدراك روسيا لحقيقتها الآسيوية أكثر من كونها دولة أوروبية، ومع الوضع فى الاعتبار الحقائق الجغرافية والحدودية لروسيا يمكن القول بأنه يتعين عليها التخلى عن منظومة القيم الغربية لتقيم منظومة قيم خاصة بها. ورغم وجاهة هذا الكلام إلا أنه لا يراعى شيئا هاما جدا وهو أن قيم المجتمع لا تقوم بين عشية وضحاها ولكنها موروث على مدار قرون وألفيات عديدة، وخير دليل على ذلك هو الاتحاد السوفيتى الذى لم تتمكن قيمه من الصمود أمام التحديات العصرية. الحقيقة، أن هناك آراء أخرى ربما تبدو أكثر بساطة فى التناول من أسلوب السيناريوهات ولكنها تنطلق من بعض ملامحها وتشترك معها فى ضرورة الاعتراف بفضل المشاركين فى العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا فى تحقيق النصر وبالتالى ضرورة تشكيل النخبة القادمة من بين هؤلاء المحاربين ، الذين سيكونون من أقوى المناصرين للسلطة ، ولكنهم يحذرون فى نفس الوقت من أن هذه النوعية من النخبة سوف تنطلق من مقومات الصراع وقيم المنافسة وتخوين الآخرين والاستئثار بالسلطة، على اعتبار أنهم أصحاب الفضل فى النصر وبالتالى سوف يزاحمون أصحاب الخبرات والمعرفة الأمر الذى سينعكس سلبا على خطط روسيا فى مواصلة التطوير والتحديث وربما يكون سببا فى المزيد من هجرة الكوادر المتخصصة التى تبدو روسيا فى أمس الحاجة لهم فى الوقت الراهن. ◄ طريق طويل بصفة عامة لا ينبغى استباق الأحداث فمن الواضح أن الطريق نحو التسوية مازال طويلا، وينبغى الاعتراف بأن إنهاء القتال شىء والتسوية السلمية النهائية شىء آخر تماما، إلى جانب أنه ينبغى وضع قدماء المحاربين فى الاعتبار على ألا يكون ذلك على حساب أصحاب الخبرات والكفاءات، وقبل كل شىء توفر رؤية واضحة لما يجب أن يكون عليه المستقبل والبناء على كل ما هو إيجابى من تجربة الحرب، مع الابتعاد عن الاعتبارات الانفعالية والعاطفية بحيث لا يصبح مستقبل الدولة وتقدمها رهن اعتبارات وقتية وخبرات سرعان ما سينساها الشعب بحثا عن الرفاهية والحياة الأفضل.