في عصرنا الحالي أصبح الإنترنت متغلغلا في كل تفاصيل حياتنا، ويمكن استخدام الشبكة العنكبوتية في أي شيء، لدرجة أن القصص المرتبطة بالعلاقات والتي تزايدت مع وجود الانترنت في أغلبها تحمل نهايات مأساوية تجعل الخوف والحذر يتغلب على أي شيء آخر في العلاقات التي تحدث عبر الإنترنت. آخر تلك المآسي ما حدث في بني سويف، والتي كشفتها الشرطة، وهى جريمة قتل بشعة لموظف داخل سيارته بعد أن تم تكميمه وربطة بطريقة مأساوية، تلك الجريمة كشفت عن حجم الخطر الذي قد يختبئ وراء بعض العلاقات الإلكترونية، ولهذا في السطور التالية نكشف تفاصيل تلك الجريمة البشعة التي أصبحت حديث الناس في بني سويف خلال الأيام الماضية. في يوم عادي لم يكن مختلفًا عن غيره من الايام، تلقى مدير أمن بني سويف بلاغًا صادمًا عن وجود جثة رجل مجهول الهوية داخل سيارته مكبل اليدين والقدمين وملفوف فمه بشريط لاصق في منطقة كوم أبوراضي الصناعية أمام عزبة أبو غزالة بمركز الواسطى. حادث مثير بكل ما للكلمة من معنى خاصة أن تلك المنطقة معروف عنها الهدوء لكن وجود تلك الجثة بهذا الشكل ينبئ عن جريمة بشعة لدرجة أن الصورة بدت كأنها لقطة من فيلم رعب؛ حيث أن المشهد يؤكد أن الجريمة لم تكن حادثة عادية بل هي مدبرة بطريقة مخطط لها من قبل تشكيل عصابي وليس شخص واحد، لكن لا توجد جريمة تستعصى على رجال البحث الجنائى، فأي جريمة مهما كانت تعقيداتها أو صعوبتها يمكنهم حلها بالاعتماد على خبرتهم وكفاءتهم في التحقيق، وهذا ما تحقق بعد كشفها في ساعات قليلة. الفخ على الفور بدأ فريق بحث من ضباط مباحث بني سويف برئاسة اللواء محمد الخولي مدير المباحث الجنائية تحريات مكثفة لتتبع خيوط القضية، وتوالت المفاجآت بعدها. التحريات كشفت عن المفاجأة الاولى وهى؛ أن الضحية أثناء بحثه عبر الانترنت تعرف على فتاة عن طريق إحدى منصات التواصل الاجتماعي، اسمها ندى تبلغ من العمر 24 سنة تقيم في القاهرة، عرضت الفتاة نفسها عليه لكي تعمل خادمة في بيت الضحية ولكن جميعنا يعرف ما يحدث وراء ذلك العرض، وهو ليس الخدمة في البيوت. المهم أن الضحية وقع في الفخ واتفق معها على اللقاء بعد حديثهما عبر موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك على اللقاء في منطقة الرماية بالجيزة، وهو الموعد الذي ذهب إليه الضحية بكل سهولة ولم يأخذ احتياطاته أو يفكر للحظة كيف قبلت تلك الفتاة اللقاء معه للذهاب لشقته ولهذا كان اللقاء المشئوم هو آخر لحظات ذلك الرجل. عندما التقى الضحية بالفتاة داخل سيارته شعر بأنه حصل على مبتغاه خاصة أنها فتاة على قدر كبير من الجمال لذلك لم يحذر عندما قدمت له عصيرًا مخدرًا داخل سيارته، الأمر الذي جعله يفقد وعيه في لحظات قليلة. الجريمة وضبط المتهمين في تلك اللحظة وعلى مقربة من السيارة التي مازالت في منطقة الرماية؛ يظهر شقيقا الفتاة واللذان يستقلان السيارة معهما وبعد أن كبلا الضحية وارجعاه للكرسي الخلفي وذهبا في اتجاه قرية عائلاتهم في الجيزة. وعندما وصل المتهمون الثلاثة التقوا بوالدهم الذي كان في انتظارهم بصحبة شخصين من أقاربهم الذين شاركوهم في ارتكاب الجريمة، وهما اللذان احكموا ربط الضحية من يديه وقدميه، وبعدها وضعوا شريطا لاصقا على فمه لتثبيته ومنعه من الصراخ أو المقاومة. الجريمة المنظمة عائلية الطراز ليست اول جريمة لهم، فهم لديهم طريقة في جذب الضحايا عن طريق الانترنت بعد أن توهمهم الفتاة بأنها تريد أن تعمل خادمة وتعرض صورها مما يجعل الضحية يذهب للقائها لتحدث سرقته لكن هذه المرة لم يتم سرقة الضحية فقط بل قتلوه بعد أن سرق المتهمون منه مبلغ 10 آلاف جنيه كانت بحوزته. ربما الأمر الغريب في الأمر هو؛ لماذا حمل الضحية معه ذلك المبلغ في السيارة ربما كان هذا الشاب ينتوى شراء شيء ما لكن عموما لن يستطيع أحد الإجابة على هذا السؤال لأن الوحيد الذي كان يستطيع الإجابة هو الضحية الذي فارق الحياة بعد أن قتله هؤلاء المجرمون بتلك الطريقة البشعة، قبل أن يتخلصوا من جثته بإلقائها في منطقة صحراوية بمركز الواسطى محافظة بني سويف في تصرف يعكس مدى إجرام هؤلاء القتلة الذين لم يراعوا قيمة حياة إنسان فقتلوه بدم بارد. وتخيل هؤلاء القتلة أنهم عندما يتركون السيارة الخاصة بالضحية في مكان بعيد عن مكان ارتكاب الجريمة بأنهم لن يتم العثور عليهم وكشف جريمتهم؛ لكن لم تمض سوى ساعات قليلة حتى تمكنت الأجهزة الأمنية بمديرية أمن بني سويف من القبض على جميع المتهمين، وذلك بعد توسيع دائرة البحث تشمل متابعة إلكترونية لأثر الجريمة وهى المعرفة التي أدت في النهاية لكشف كافة تفاصيل القضية، وبعد القبض عليهم تمت مواجهتهم أمام جهات التحقيق واعترفوا بارتكاب جريمتهم البشعة وأنهم كونوا تشكيلا عصابيًا مؤلف من أفراد الأسرة لارتكاب تلك الجريمة البشعة. أمرت النيابة العامة بحبس المتهمين أربعة أيام على ذمة التحقيقات واستدعاء الطبيب الشرعي لتشريح الجثة وتحديد أسباب الوفاة بدقة وكذلك التحفظ على الأدلة التي تضم الأحبال، الشريط اللاصق، وغيرها من أدوات الجريمة الأخرى بالإضافة إلى السيارة. تكتيك نفسي هذه الجريمة أثارت الكثير من التساؤلات حول مخاطر العلاقات عبر الإنترنت ومدى وعي الأفراد بخطورتها، ولعل القصة تؤكد على ضرورة الحذر الشديد في التعامل مع الغرباء عبر الشبكات الاجتماعية، خاصة عندما تكون هناك عروض تبدو سهلة لكنها في حقيقة الأمر خبيثة مثل العمل أو خدمات منزلية. يقول الدكتور كريم علي استاذ الطب النفسي؛ إن مثل هذه الحوادث تحمل أبعادًا نفسية عميقة حيث يستغل المجرم الضعف أو الاحتياج لدى بعض الأشخاص ما يدفع المجني عليهم للوقوع في الفخ المعرضين له بصورة سهلة وخطيرة، ففي بداية التعارف يتم استغلال الضحايا عبر الوهم والوعود الكاذبة فهو تكتيك نفسي بحت، فالمجرم يستخدم مهاراته خاصة لو كانت أنثى في استغلال نقاط ضعف الضحية، مثل الوحدة أو الحاجة للوظيفة، ومن خلال هذاتدخل الفتاة دماغ الضحية بعدها تستطيع أنتتحكم فيه. ويؤكد استاذ الطب النفسي على أهمية نشر التوعية المجتمعية للحد من تفشي هذه الظاهرة التي قد تؤدي إلى كوارث مشابهة، لهذا لابد من الإعلام والدراما أن يلعبوا دورًا كبيرًا في توعية المجتمع من خلال عرض قصص حقيقية من أجل تحذير الناس من المخاطر ويشجعهم على الإبلاغ عن أي نشاط مشبوه يتعرضون له. اقرأ أيضا: قتل جارته بعد اعتقاده أنها فرقت بينه زوجته بالسحر ويضيف الدكتور كريم علي استاذ الطب النفسي؛ أن تلك الجريمة المروعة تؤكد لنا كيف يكون الانترنت سلاح ذو حدين والمجتمع يحتاج للتعامل مع تلك الجرائم بحذر ووعي، والدولة من جانبها ممثلة في وزارة الداخلية تحذر باستمرار المواطنين قبل الوقوع في فخ مثل هذه الجرائم التي تزداد يومًا بعد يوم. أما من الناحية القانونية فتقول يارا طلعت المحامية: إن تلك الواقعة تؤكد على أهمية وجود قوانين صارمة ورادعة تجاه الجرائم التي تنطلق من الفضاء الإلكتروني خاصة وأن شبكة الإنترنت قد أصبحت أرضًا خصبة لجرائم الاحتيال والتزييف بالإضافة إلى الجرائم العنيفة مثلما فعلته تلك العائلة القاتلة مع دعوة للمجتمع لاتخاذ الحيطة. وتؤكد يارا طلعت المحامية؛ على ضرورة تحديث القوانين خصوصًا في جرائم الإنترنت التي تنتهيبجرائم عنيفة مثل القتل أو السرقة وهذه تحتاج لإطار قانوني قوي يضمن سرعة التحقيق وحماية الضحايا، أما بالنسبة للجريمة الحالية فالتكييف الجنائي للمتهمين هو جريمة قتل مع سبق الاصرار والترصد والحكم قد يصل فيها للإعدام شنقا.