فى أواخر أغسطس 2006 كتبت مقالًا ساخنًا فى روزاليوسف، هاجمت فيه الدكتور زاهى حواس بشدة، واتهمته بأنه أضاع على مصر فرصة تاريخية ، بعدم دعوة ملوك ورؤساء العالم، لحضور احتفالية نقل تمثال رمسيس الثانى من ميدان رمسيس إلى مكانه الحالى. فى اليوم التالى اتصل بى وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى قائلًا « زاهى حواس ملوش ذنب أنا السبب» ،وشرح الوزير الظروف الأمنية والحرص على سلامة كبار زعماء العالم، والخوف على التمثال وتوصيله بالسلامة إلى مقره الأخير. ومن يومها أصبح زاهى صديقى، وصرنا نتقابل بصفة دورية، وأشهد له إنه من الحكائين ويعرف قدر أصدقائه، وأسسنا بعد ذلك «جروب شهير» اسمه» الفرسان» بزعامة حواس، وفيه تقريبًا 15 وزيرًا سابقًا، وكوكبة من الشخصيات العامة ورجال الأعمال وكبار المثقفين، ونجتمع على العشاء مرة كل شهر. ما علينا .. وأعود للحدث العظيم الذى تستعد له مصر بافتتاح المتحف الكبير، فى حضرة ملك الملوك رمسيس ، وكانت مفاجأة لى عند نقله منذ 19 سنة ،فى تمام الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، ولم تذق القاهرة طعم النوم واحتشد عشرات الآلاف رجالًا ونساء وأطفالًا صغارًا وعجائز ، يسيرون وراء الموكب، ولم يتركوه لحظة واحدة . الأضواء لم تكن فقط لإنارة الشوارع بل لإضاءة التاريخ ،وعلى منصة من الصمت المهيب، ومضى تمثال رمسيس الثانى لرحلته الأخير من قلب المدينة إلى حضن التاريخ، بعد أن ظل شامخًا فى ميدان رمسيس منذ عام 1955، يشهد تحولات البلاد، يتلقى ضوضاء المدينة وضجيجها وصبرها الطويل، وصار نقطة التقاء وساحة انتظار، وصورة فى ذاكرة كل مصرى مرّ من هناك. لكن العلماء والأثريين ادركوا أن بقاء التمثال فى هذا الموقع بمثابة خطر يومى على حجر عمره 3 آلاف عام ،الاهتزازات والتلوث، وتغيرات الطقس ، وكلها أعداء صامتون ، حتى قرررت مصر أن تنقل الملك العظيم لمكان يليق به. وتم تجهيز عربة هيدروليكية عملاقة، صُممت خصيصًا فى ألمانيا، لتحمل الجسد الجرانيتى الذى يزن أكثر من 80 طنًا ، ولم تكن مجرد وسيلة نقل، بل منصة احتفالية متحركة، تسير على إيقاع من الدقة والترقب. غُلف التمثال بطبقات من الفايبر والحماية، وأحيط بعشرات المهندسين والخبراء، وتمت دراسة الطريق إلى المتحف بدقة متناهية، ولا مجال للخطأ، وامتلأت العيون بالدموع ،رمسيس لم يكن تمثالًا فقط، بل قطعة من الروح الوطنية. اذهب .. يا أعظم ملوك التاريخ ،و ارقد الآن فى معبدك الجديد.. ووصل بحمد الله إلى المتحف المصرى الكبير، واستقبلته الأهرامات الشامخة. وفى الثالث من يوليو القادم ، حين يفتح المتحف المصرى الكبير أبوابه رسميًا للعالم، لن يكون مجرد حفل افتتاح، بل لحظة تُعيد فيها مصر كتابة حضورها فى الوعى الإنسانى، ويقف أعظم ملوك التاريخ رمسيس الثانى، فى استقبال ملوك ورؤساء وزعماء العالم، كرمز لقوة أمة لا تنحنى، وتاريخ لا يُنسى.