مع قدوم عيد الأضحى، يزداد الإقبال على شراء الفحم بأنواعه، خاصة فحم الشواطئ الذى أصبح عنصرًا أساسيًا فى تجمعات العائلات والمصايف والاحتفالات، فبين حفلات الشواء على الشواطئ فى أيام الصيف بصفة عامة، واستعدادات العيد لطهى اللحوم، تتجدد الحاجة إلى هذا المنتج التقليدى، تبدأ رحلته من «المكامير» في قلب الجبال، مرورًا بعمليات التعبئة والتصنيع، حتى يصل إلى الأسواق المحلية أو يُحمل فى الحاويات متجهًا إلى دول الخليج وأوروبا.. وفي هذا التحقيق نلقى الضوء على الحكايات الكاملة لعالم الفحم.. من أين تبدأ؟ وكيف يجرى إنتاجه؟ ولماذا يزيد الطلب عليه في مواسم بعينها؟ وكيف تحولت هذه الصناعة التقليدية إلى باب رزق لآلاف العائلات ومصدر دخل مستمر طوال العام. ◄ المضغوط للقرى السياحية وطارد الناموس أحدث الابتكارات ◄ الإقبال في الشتاء يصل ل50 % ويتعدى 90 % بالصيف ◄ فحم الفواكه الأكثر طلبا لدول الخليج ◄ مصانع معتمدة لتصنيع الفحم.. والحل لتقليل التأثيرات الضارة يقول العربى محمد السمان، تاجر فحم ومسئول عن إحدى مكامير التصنيع، إن الفحم أنواع، ويتم استخراجه من خشب الأشجار المختلفة، ويكون هناك بعض الاختلافات فى طرق التصنيع، وهناك أيضا أنواع محددة تكون الأكثر انتشارًا فى مجال صناعة الفحم، أبرزها فحم العنب، الذى يتم استخراجه من أخشاب أشجار العنب، حيث يتم وضع الخشب فى «مكمورة» وإشعال النار عليه لمدة 4 أيام، وفى اليوم الخامس تهدأ النار ويتكون الفحم، ثم يبدأ العمال فى تجميعه داخل شكائر استعدادًا لبيعه أو تصديره. أما فحم البرتقال، فيتم تجميع خشب أشجار البرتقال أولًا، ثم يُقطع ويُترك ليجف، ثم تأتى مرحلة ثانية بوضعه داخل مكان مخصص لسحب الماء والأملاح الزائدة من الخشب، ثم يُوضع بالمكمورة حتى يتحول إلى فحم، وهذا ينطبق على كل أنواع الأشجار الأخرى مثل الجوافة والمانجو وجوز الهند وغيرها. ◄ الاستخدمات المتنوعة ويشير إلى أنه يتم تقسيم استخدامات الفحم وفقًا للنوع، فمثلًا، فحم العنب والمانجو مخصصان للشيشة والبخور، كونهما خفيفى الوزن ويشتعلان سريعًا ويظلان مشتعلين حتى يتحولا إلى رماد، أما فحم الجازورين والشجر الفيكس البلدى، فهما الأنسب للشوايات، بسبب أن الاشتعال هادئ، مما يساعد على نضج الطعام بهدوء دون أن يحترق. وكما تختلف استخداماتها، تختلف أيضًا أسعارها، فسعر «شوال» فحم العنب يصل إلى 450 جنيهًا، وتكون كميته تقريبًا من 14 16 كيلو، أى أن سعر الكيلو الواحد يكون فى حدود 30 جنيهًا، أما سعر «شوال» فحم المانجو فيبلغ 350 جنيهًا، منوهًا إلى أن الإقبال على شراء أنواع الفحم المختلفة يزداد فى فصل الصيف نتيجة الإقبال على شوى أطباق اللحوم والدجاج وأيضًا الذرة، ما يكثر استخدامه فى المقاهى والنوادى وعلى الشواطئ، وتتعدى نسبة الإقبال على الشراء أكثر من 90%، وخاصة فى عيد الأضحى أما فى الشتاء فتكون نسبة الإقبال 50%، وخاصة على فحم الأشجار البلدى الذى يُستخدم فى التدفئة. ◄ اقرأ أيضًا | تجارة الملابس.. الجزارة.. خبز الرقاق| مهن تنتعش مع قدوم عيد الأضحى ◄ المكامير وشروطها وعن المكامير، يشير العربى إلى أنها عبارة عن غرفة بمساحة 4 أمتار فى 4 أمتار، تكون موجودة أعلى الجبال وبعيدة عن المناطق السكنية، وفقًا لشروط وزارة البيئة لتجنب وقوع أى ضرر على السكان أو حدوث أمراض تنفسية بسبب الدخان الصادر منها، وتكون مصنوعة من الحديد بباب صلب، ومن الداخل تحوى حوالى 4 5 صناديق مزوّدة بمادة تساعد على كمر الحرارة، ويقوم العاملون بها برص الخشب أولًا داخل الصناديق، ثم إشعال النار مع إضافة مادة الكربون التى تساعد على الاشتعال، وإغلاق الباب لمدة 4 أيام، وفى اليوم الخامس تكون النار قد هدأت تمامًا، ليقوموا بجمع الفحم، ثم تأتى مرحلة التنقية من خلال وعاء يعرف بال«هزازى» لتصفيته من أى أتربة زائدة أو رماد. أما التصدير، فيؤكد العربى أن فحم العنب والمانجو هما أكثر أنواع الفحم التى يتم تصديرها لدول الخليج، لاستخدامها فى الشوى والشيشة. ◄ المضغوط مستقبل الصناعة من جانبه، يقول أحمد الدردير، تاجر ومُصنِّع للفحم النباتى والفحم المضغوط، إن صناعة الفحم شهدت تطورًا فى الفترات الأخيرة، ومن أبرز هذه الابتكارات يأتى الفحم المضغوط، الذى أحدث نقلة فى هذه الصناعة، ومن المتوقع أن يكون هو المستقبل، لما يتميز به من خصائص صديقة للبيئة. فهو يُصنع من بقايا الفحم التقليدى الذى يُعاد تصنيعه من خلال أربع مراحل: المرحلة الأولى هى التصفية للتخلص من أى أتربة أو شوائب، أما المرحلة الثانية فتتم فى مكان يُعرف ب«الكسارة»، حيث يتم تكسير الفحم إلى قطع صغيرة موحدة الحجم تشبه الأرز، ثم تأتى المرحلة الثالثة وهى «العجان»، الذى يشبه ماكينة العجن تمامًا، ويتم فيها وضع نسبة محددة من النشا وخلط المكونات جيدًا، ليصل الفحم إلى المرحلة الأخيرة، وهى «المكبس»، الذى يحتوى على قوالب مخصصة للشوى وأخرى للشيشة. ◄ أنواع صديقة للبيئة واستطاع الدردير أن ينتج من الفحم المضغوط أنواعًا جديدة غير متاحة فى الأسواق، حيث تعاون مع أحد خبراء الزراعة لتصنيع فحم طارد للناموس من شجر الكافور المعروف بقدرته على طرد الناموس والحشرات الطائرة مع إضافة بعض المكونات الطبيعية ليعمل بشكل فعّال وآمن على الصحة، دون أن يؤثر بأى شكل من الأشكال على الأطفال أو كبار السن أو مرضى الربو والحساسية، خاصة أن الفحم المضغوط خالٍ تمامًا من إصدار أى أدخنة. كما تم تصنيع فحم خاص بالبخور يتمتع برائحة قوية ومميزة وخالية من الدخان، بسبب استخدام عود عطرى إماراتى يُعرف باسم «الشيخة». وبشكل عام، يُباع كلا النوعين فى علب صغيرة بسعر 8 جنيهات، ويضيف التاجر نسبة ربح بسيطة تبلغ عدة جنيهات فقط. ومن ميزات الفحم المضغوط أيضًا أنه يعمل بمتوسط مرة إلى مرة ونصف أكثر من الفحم التقليدى، لذا يُقبل عليه بكثافة، خاصة فى القرى والأماكن السياحية، ويبلغ سعر طن فحم الشوى 15 ألف جنيه، أما فحم الشيشة فيبلغ 18 ألف جنيه. ◄ صناعة رابحة ويؤكد الدكتور مجدى علام، مستشار برنامج المناخ العالمى وأمين اتحاد خبراء البيئة العرب، أن لصناعة الفحم أنواعًا متعددة، فهناك الفحم الحجرى الذى يُقطع من الجبل، وبالتالى يُعد أقل ضررًا على البيئة، والنوع الآخر يتم تصنيعه من خلال تخمير خشب الأشجار، ثم تسويته نصف تسوية فقط دون حرق كامل للخشب، أما النوع الأشهر فهو الفحم التقليدى المصنوع من المكامير. ويشير إلى أن صناعة الفحم تعد من الصناعات الرابحة، خاصة أن دول الخليج العربى تفضل فحم أشجار مصر، لا سيما أنواع فحم الأشجار المثمرة، لما يتميز به من روائح فواكه ومذاق ونكهة مميزة. ويكمن ضرر هذه الصناعة فى تأثير الدخان الناتج عنها على البيئة والصحة، إلا أنه على الجانب الآخر، طالما يتم تعبئة الفحم وفقًا للمواصفات الدولية المتفق عليها، وبشروط وضوابط تضعها الجهات المختصة، فإن الآثار السلبية تُصبح أقل. ◄ تغير المناخ ويضيف أن التأثير البيئى ينبع من تخمر الدخان وانبعاث غازات مثل أكاسيد الكربون، التى تسهم فى تفاقم ظاهرة الاحتباس الحرارى، ما يؤدى إلى ارتفاع درجات حرارة الأرض، ويؤثر سلبًا على جميع الكائنات الحية والأراضى الزراعية، ويسبب ظاهرة التسخين الشامل وتغير المناخ، وتشير التوقعات إلى أنه بحلول عام 2050 يجب ألا تتجاوز درجة حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية، إذ إن تجاوز هذا الحد يمثل خطورة كبيرة قد تؤدى إلى التصحر والجفاف، وتدهور الموارد المائية والزراعية، والتأثير على نوعية الغذاء والمياه الجوفية. ولتقليل تأثير هذه الصناعة على البيئة، يجب الاتجاه إلى تحويلها لصناعة صديقة للبيئة، من خلال إنشاء مصانع معتمدة لتصنيع الفحم بدلاً من الاعتماد على المكامير العشوائية، واستخدام الأخشاب كوقود تحت إشراف وزارة البيئة، بهدف تقليل نسبة الحرق، والتقليل من الاعتماد على الطرق التقليدية، والبحث عن آليات متطورة لحماية البيئة من الأضرار والمخاطر. كما يشدد علام على أهمية تنظيم عملية قطع الأشجار، لأن إزالة المساحات الخضراء يزيد من معدلات الإصابة بالأمراض، خاصة لدى الأطفال وحديثى الولادة، والحوامل، وكبار السن، وكل من يعانى من ضعف المناعة. ◄ اشتراطات البيئة ويؤكد أن وزارة البيئة وضعت اشتراطات ومواصفات واضحة للحد من أضرار تغير المناخ والصناعات المرتبطة به، وتنقسم هذه الاشتراطات إلى ثلاث فئات، الفئة (أ) وهى أبسطها، وتشمل إجراءات مثل جمع النفايات، والفئة (ب) تتعلق بتقطيع الأشجار أو إشعالها من خلال الحصول على موافقة من وزارة الصناعة، أما الفئة (ج) فتشمل الصناعات التى تُنشئ مداخن مصانع، وتتطلب موافقة جميع الهيئات المختصة لتجنب أى ضرر محتمل. وفيما يتعلق بصناعة الفحم، توجد اشتراطات صارمة، من أبرزها عدم إلقاء المخلفات أو حرقها بشكل عشوائى، بل يجب إبلاغ وزارة البيئة لتقوم باستلام هذه المخلفات والتعامل معها من خلال دفنها أو إعادة تدويرها، وفى حال المخالفة، خاصة إذا نتج عنها شكوى من السكان بسبب أضرار صحية، تكون العقوبة مشددة وقد تصل إلى الحبس.