تظل قناة السويس شريانًا استراتيجيًا نابضًا فى قلب العالم، تنعكس عليه تحولات السياسة والاقتصاد كما تنعكس الشمس على سطح مياهه، فمنذ افتتاحها واجهت القناة اختبارات قاسية، ما بين حروب طاحنة وصراعات إقليمية، وأزمات اقتصادية عالمية متلاحقة، لم تُثنها عن أداء دورها الحيوى كممر آمن وفعال للتجارة الدولية. وفى كل مرة حاولت فيها العواصف أن تعصف بدورها، وقفت قناة السويس صامدة، مسنودة برؤية مصرية تدرك قيمتها، وتتعامل معها باعتبارها أحد مفاتيح السيادة الوطنية ومصادر القوة الاقتصادية، واليوم، ومع تصاعد التحديات العالمية من اضطرابات البحر الأحمر إلى المنافسة الجيوسياسية، تتجدد الأسئلة: كيف تواصل القناة صمودها؟ وما الذى يجعلها رقمًا صعبًا لا يمكن تجاوزه فى معادلة الملاحة الدولية؟ فى هذا الشأن، أكد اللواء الدكتور سمير فرج، الخبير العسكرى والاستراتيجى، أن قناة السويس تواجه عددًا من التهديدات الخطيرة، فى مقدمتها الحرب الاقتصادية التى أشعلها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، لا سيما ضد الصين التى باتت تُعد العدو الأول للولايات المتحدة، وتتبنى الصين مشروع «الحزام والطريق»، الذى يتكوّن من مسارين، برى وبحرى، ويُعد المسار البحرى هو الأهم، حيث يمر عبر دول جنوب شرق آسيا ثم قناة السويس وصولاً إلى أوروبا. وأوضح اللواء فرج أن هذا المشروع يُعتبر تهديدًا مباشرًا للهيمنة الاقتصادية الأمريكية، ومن ثم فإن الولاياتالمتحدة قد تسعى لضربه فى «عنق الزجاجة» وهى قناة السويس مما يُمثل التهديد الأول للقناة. وأشار إلى أن التهديد الثانى، يتمثل فى فكرة إنشاء «قناة بن جوريون»، وهو المشروع الذى تحلم إسرائيل بتنفيذه لمنافسة قناة السويس، ووفقاً للمعلومات المتاحة، فإن هذه القناة ستبدأ من ميناء إيلات، وتمر عبر صحراء النقب، وصولاً إلى مدينة عسقلان، وتشير التقديرات إلى أن تنفيذ المشروع سيستغرق خمس سنوات، وبتكلفة تصل إلى 16 مليار دولار أمريكى، على أن تكون القناة ذات اتجاهين، إلا أن جهود مصر فى تطوير قناة السويس تُعد تهديدًا مباشرًا لهذا المشروع الإسرائيلى، وتضعف من جدواه الاقتصادية. تهدئة الأوضاع وأضاف اللواء فرج أن التهديد الثالث يتمثل فى التطورات الجارية فى البحر الأحمر ومضيق باب المندب، حيث كان القراصنة يمثلون تهديدًا فى الماضى، لكن الوضع حاليًا أصبح أكثر خطورة بسبب الهجمات التى ينفذها الحوثيون على السفن المارة من مضيق باب المندب باتجاه قناة السويس، وقد أسفر ذلك عن خسائر فادحة لمصر تُقدر بنحو 6 مليارات دولار. وفى هذا الإطار، أشار إلى أن الاتفاق الذى عُقد بين الولاياتالمتحدة والحوثيين لوقف إطلاق النار يُسهم بشكل كبير فى تهدئة الأوضاع فى البحر الأحمر، ويُمهد الطريق أمام استعادة قناة السويس لتوازنها ودورها الحيوى فى حركة التجارة العالمية.. ورغم هذه التحديات، أكد اللواء فرج أن قناة السويس تمضى قدمًا فى مشروعات التطوير، بحيث لا تعتمد فقط على رسوم عبور السفن كمصدر رئيسى للدخل، موضحًا أن هناك توسعًا كبيرًا فى البنية التحتية من خلال الترسانات البحرية فى كل من بورسعيد والإسماعيلية والسويس، والتى تعمل بكفاءة عالية فى تصنيع السفن والزوارق واللنشات، وفقًا لأحدث المعايير العالمية، وتقديم خدمات إصلاح السفن، إلى جانب تسهيل نقل أفراد الطواقم البحرية، وتوفير الرعاية الطبية للسفن العابرة. وختم فرج بالتأكيد على أن التحديات التى تواجه قناة السويس، رغم كونها كبيرة، إلا أن القناة ما زالت تقدّم أكبر مصدر للعملة الصعبة فى مصر، وتُسهم بشكل مباشر فى دعم الاقتصاد المصرى، وتواصل الدولة المصرية العمل بخطوات جدية نحو تهدئة الأوضاع فى المنطقة، ويُنتظر أن تستعيد القناة توازنها الكامل مع إنهاء القتال فى غزة واستقرار الأوضاع، لتعود الحركة الملاحية إلى طبيعتها فى هذا الشريان الحيوى العالمى. الشرق الأوسط بدوره، قال اللواء محمود منصور، الخبير العسكرى والإستراتيجى، إن المرحلة الحالية من تاريخ منطقتنا، ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، تمر بظروف غير عادية تتسم بالتوتر والتعقيد، غير أن المتابع الدقيق لحركة الأحداث فى الإقليم يلحظ وجود سياسة مصرية تتسم بالتعقل والروية، فى مواجهة التحديات المتصاعدة، وعلى رأسها المشكلة الراهنة فى مياه البحر الأحمر. وأوضح اللواء منصور أن هذه السياسة المصرية المتوازنة كان لها أثر بالغ فى استبعاد أى محاولة لإحداث تصعيد مباشر بين مصر والحوثيين، حيث اتبعت الدولة خطوات دقيقة ومدروسة تهدف إلى الحفاظ على استقرار حركة الملاحة فى البحر الأحمر، وخاصة فى المنطقة الممتدة من مضيق باب المندب، بما يضمن تأمين مرور السفن التجارية المتجهة إلى قناة السويس. وأشار إلى أن السياسة التى تنتهجها مصر تتميز بالحكمة والاتزان، ويقابلها تصرفات وقناعات هادئة وواقعية تساهم فى حلحلة الأزمة وتهدئة الأوضاع، ونتيجة لذلك تعود الحركة الملاحية إلى طبيعتها الكاملة فى قناة السويس خلال الفترة المقبلة. وفى سياق متصل، أكد اللواء منصور أن الأفعال التى ترتكبها العصابة الصهيونية فى قطاع غزة ضد الشعب الفلسطينى أوشكت على التوقف، فى ظل الضغوط الدولية المتزايدة التى تُمارس على إسرائيل، نتيجة الاستنكار العالمى للانتهاكات التى تمارسها داخل القطاع، وإذا ما استمرت هذه الضغوط ونجحت فى كبح العدوان، فإن ذلك سيساهم بدوره فى تهدئة الأوضاع فى المنطقة بأسرها.