فى واحدة من أفكاره المثيرة للجدل أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب اعتزام إدارته إنشاء منظومة «القبة الذهبية الصاروخية» وهى منظومة صاروخية أرضية وفضائية أمريكية وصفها ترامب بأنها «نقلة نوعية» فى مجال الدفاع الصاروخى، لمواجهة تهديدات الصواريخ المتطورة مثل الفرط صوتية، والصواريخ الروسية والصينية وهو نظام مشابه لمنظومة القبة الحديدية الإسرائيلية، إلا أن المنظومة أعادت إلى الأذهان «مبادرة الدفاع الاستراتيجى الأمريكى» فى عهد الرئيس الأسبق رونالد ريجان خلال الحرب الباردة والتى أطلق عليها إعلاميا «حرب النجوم»، وتم إنفاق مليارات الدولارات عليها إلا أنه لم يكتمل تنفيذها واستخدمها ريجان لأغراض دعائية لردع منافسيه وتحقيق دعاية انتخابية. ويقدم ترامب النظام ك «مشروع القرن» ووسيلة لاستعادة «العظمة الأمريكية»، واستعراض القوة وتعزيز صورة الردع الأمريكى، عبر إعلان نظام دفاعى يجعل أى هجوم على أمريكا عديم الجدوى. ويُرسل رسالة سياسية إلى خصوم أمريكا مفادها: «نحن محصّنون». كما يستخدمه ترامب كأداة لتعزيز شعبيته، خاصة فى أوساط الأمريكيين الذين يدعمون الإنفاق الدفاعى والنهج العسكرى القوى. اقرأ أيضًا | بعد انتهاء العلاقة الرسمية.. ترامب يسلم إيلون ماسك «مفتاح البيت الأبيض» ويخلق المشروع فرصاً ضخمة لشركات الدفاع الأمريكية مثل لوكهيد مارتن، بوينج، ورايثيون. كما يعزز البحث والتطوير فى مجالات الذكاء الاصطناعي، الاستشعار الفضائي، والاعتراض المتقدم. ونقلت الفكرة المنافسة بين أمريكا من جانب وروسياوالصين وكوريا الشمالية من جانب آخر لتصبح المنافسة حول السيطرة فى الفضاء، حيث أثار البرنامج انتقادات دولية، خاصة من الصينوروسيا، بسبب تخوفهما من «عسكرة الفضاء وزعزعة الأمن العالمى». وقال ترامب أثناء الإعلان عنه فى البيت الأبيض أنه وعد الشعب الأمريكى أثناء حملته الانتخابية ببناء درع صاروخية متطورة، وأضاف «يسرنى أن أعلن أننا اخترنا رسميا هيكلية هذه المنظومة المتطورة». وتوقع أن تكون القبة جاهزة للعمل بالكامل قبل نهاية ولايته المقررة فى 2029، مشيرا إلى أنه بمجرد اكتمال البناء ستكون القبة الذهبية قادرة على اعتراض الصواريخ «حتى لو أطلقت من الجانب الآخر من العالم أو من الفضاء». وتدمج القبة بين أنظمة متطورة أرضية وبحرية وفضائية، وتعتمد على أقمار صناعية مزودة بمستشعرات وتقنيات حديثة لاكتشاف التهديدات. وكان ترامب قد وقع فى 27 ينايرالماضى مرسوما ببناء «قبة حديدية أمريكية» وكلف الجنرال مايكل جيتلاين، نائب رئيس العمليات فى قوة الفضاء الأمريكية، بقيادة المشروع، الذى أكد أن هذا النوع من النظام ضرورى للتصدى للصواريخ المتقدمة التى تملكها الصينوروسيا، ولمواجهة الأقمار الصناعية التى يمكن أن تصطدم بأخرى أو تنفذ هجمات إلكترونية. وأضاف جيتلاين إن القبة الذهبية تتطلب تعاونا غير مسبوق بين المؤسسات الأمريكية، وستستلزم الجمع بين أنظمة دفاعية مثل صواريخ باتريوت الاعتراضية الأرضية، وصواريخ ستاندرد التى تطلق من السفن، إضافة إلى كوكبة واسعة من الأقمار الصناعية المزودة بمستشعرات وأسلحة جديدة متمركزة فى الفضاء. وفى حديثه مع الصحفيين، وصف الرئيس ترامب المشروع بأنه «متطور للغاية»، وسيغطى أهدافا واسعة النطاق، معتبرا إياه قفزة تاريخية إلى الأمام فى مجال الدفاع عن أمريكا وشعبها. وقدر ترامب تكلفة البرنامج بنحو 175 مليار دولار أمريكي، رغم أن مكتب الميزانية فى الكونجرس أوضح أن التكلفة الفعلية تبلغ نحو 542 مليار دولار أمريكي. وأوضح ترامب أن القبة الذهبية ستحصل على 25 مليار دولار من التمويل عبر مشروع قانون السياسات الداخلية الذى وُضع على طاولة الكونجرس. وحسب بيان نشرته وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، ستتضمن القبة الذهبية معترضات وأجهزة استشعار موضوعة فى الفضاء، وستكون الأنظمة التقنية الأمريكية مدمجة مع القبة، وستُنشر على مراحل، مع إعطاء الأولوية للدفاع عن المناطق الأكثر عرضة للتهديد. وقال البنتاجون إن القبة الذهبية ستعتمد على تقنيات حديثة للتصدى لمشهد التهديدات الأمنية المتطور والمعقد، مضيفا أن المشروع يعزز قدرات ردع الهجمات النووية وغيرها على الولاياتالمتحدة. وصرح وزير الدفاع الأمريكى بيت هيجسيث بأن التقدم التكنولوجى الحديث يجعل من الرؤية القديمة المتمثلة فى الدفاع الصاروخى الشامل أمرا أكثر قابلية للتحقق. وفى محاولة لإشراك كندا فى المشروع قال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب «القبة الذهبية» للدفاع الصاروخى ستكلف كندا 61 مليار دولار إذا أرادت الانضمام إليها. وكان ترامب سبق أن أشار إلى رغبة كندا فى الانضمام إلى المنظومة الصاروخية المقترحة. وأعقب ذلك تصريحات رئيس الوزراء الكندى مارك كارنى التى أكد فيها أن بلاده تدرس استثمارات محتملة فى المشروع المقترح الذى تبلغ تكلفته الإجمالية 175 مليار دولار. ولأن القبة الذهبية ستعزز الهيمنة الأمريكية فى الفضاء عبر نشر مستشعرات وأسلحة اعتراضية فى المدار. بدأت الصينوروسيا تستثمران بقوة فى التكنولوجيا الفضائية والأنظمة المضادة للأقمار الصناعية. كما أثار البرنامج موجة من الانتقادات الدولية، أشارت إلى أن المشروع يهدف إلى عسكرة الفضاء، وينتهك المعاهدات الدولية التى تدعو إلى الحفاظ على الفضاء لاستخدامات سلمية فقط. واعتبرته روسياوالصين وكوريا الشمالية تهديدًا للاستقرار الاستراتيجى العالمي، محذرين من أنه قد يؤدى إلى سباق تسلح جديد. ووصفوه بأنه مزعزع للاستقرار بشكل عميق، محذرتين من أنه قد يحول الفضاء إلى ساحة معركة. وقالت روسياوالصين فى بيان مشترك إنهما سيبدآن مشاورات حول منع نشر الأسلحة فى الفضاء، وتعهدا بمواجهة السياسات والأنشطة الهادفة إلى تحقيق تفوق عسكري، واستخدام الفضاء ساحة للمعركة. وذكر متحدث باسم الخارجية الصينية أن الولاياتالمتحدة، فى سعيها لسياسة «أميركا أولا»، مهووسة بتحقيق أمن مطلق لنفسها، مشيرا إلى أن الصين تشعر بقلق بالغ إزاء هذا التوجه. وأضاف أن هذا النظام الهجومى بالغ الخطورة وينتهك مبدأ الاستخدام السلمى للفضاء الخارجي، وأنه سيزيد من خطر تحويل الفضاء إلى ساحة معركة وبدء سباق تسلح، وسيقوض نظام الأمن الدولى ونظام الحد من التسلح. وكانت موسكو قد أشارت إلى أن برنامج القبة الذهبية أشبه بمشروع «حرب النجوم»، المصطلح المستخدم للدلالة على مبادرة الدفاع الإستراتيجى الأميركى فى عهد الرئيس الأسبق رونالد ريجان خلال الحرب الباردة. كما أشار خبراء إلى أن تنفيذ نظام دفاعى بهذا الحجم والتعقيد يتطلب جهودًا هائلة وتعاونًا على مستوى الحكومة بأكملها، مشبهين ذلك بمشروع مانهاتن الذى أدى إلى تطوير القنبلة الذرية.