الفن فى جوهره الأصيل هو رسالة ضد القبح، وصوت نقى يقاوم الضجيج ، ولكن حين يتخلى عن رسالته، ويتورط فى طقوس مشوّهة، يتحول إلى أداة هدم لا بناء، فليست كل شهرة لها قيمة، ولا كل نجم بدرجة فنان، النجومية لا تمنح الشرعية الأخلاقية، ولا تعفى من السقوط فى الابتذال. والفن المصرى ظل عبر العصور أحد أقوى أذرع القوة الناعمة التى امتدت تأثيراتها إلى ما هو أبعد من الحدود الجغرافية، وتغلغلت فى وجدان الشعوب العربية وتجاوزتها إلى العالم، لم يكن مشاهد تُعرض على الشاشة، بل ظل على الدوام رسالة سامية تتخطى الترفيه إلى التأثير الحقيقى فى الوعى الجمعي. الفن الحقيقى يملك قدرة استثنائية على الارتقاء بالمشاعر والأحاسيس، ويُعيد تشكيل الوجدان فى مواجهة ضغوط الحياة وقسوتها، ويُحرض على القيم الجميلة، ويزرع الأمل فى النفوس، ويعيد للناس إيمانهم بالحب والعدل والجمال، فى زمن بات فيه الصخب والضجيج يغلبان على المعانى الإنسانية الراقية. الفن المصرى لعب دورًا محوريًا فى ترسيخ الهوية الثقافية، ونقل صورة الإنسان المصرى بكل ما فيه من عمق وبساطة وكرامة، والحفاظ على هذه الرسالة الفنية السامية، وتطوير أدواتها بما يتناسب مع العصر، يمثل واجبًا وطنيًا، يضمن بقاء مصر فى صدارة المشهد الثقافى العربي. كان الفنانون دائما يجيدون التعبير عن أحوال المجتمع، بمهنية وذكاء وجمال، والرواد الأوائل مثل حسين صدقي، أنور وجدي، عماد حمدي، وغيرهم، جسدوا رجولة الزمن الملكي، بينما جاء بعدهم أحمد مظهر ورشدى أباظة وغيرهما ليكملوا المسيرة فى صورة راقية. فؤاد المهندس كان وجه الموظف البسيط، وعادل إمام رسم بضحكته ملامح الطبقة الكادحة، أما عبد الحليم حافظ، فقد جعل الحب نفسه أكثر رقةً وأناقة، واختار كلماته بدقة، حتى أصبح معشوق البنات ورمزًا للرومانسية النبيلة. وأم كلثوم.. سيدة الطرب، سيدة الوقار، صوتها تسلل إلى الوجدان، وعبر عن الحب الرفيع والمشاعر الراقية، وجمّلت وجدان أجيال بأكملها، هؤلاء الفنانون وآخرون كُثر، جعلوا من مصر منارة للفن، وحافظوا على صورتها المبدعة فى أعين العالم. كيف نُقارن بين هذا الإرث العظيم، وبين ما يقدمه البعض الآن، ويقدم صورة مشوهة يقلدها الشباب فى العنف والاسفاف والبلطجة، ليس فقط من رواد المقاهى والمناطق العشوائية، بل حتى من أبناء الجامعات الخاصة، و«أبناء الذوات». فى أوقات الأزمات ومواجهة موجات التطرف والتعصب كان للفن دور مهم، ووقف الفنانون والمبدعون فى الصفوف الأمامية، مستخدمين أدواتهم فى مقاومة الظلام بالفكر، ونشر الوعى والتسامح بدلاً من الكراهية والانغلاق، وقدّمت الدراما والسينما والمسرح أعمالًا سلطت الضوء على قضايا مجتمعية حساسة، وفتحت نقاشات عامة حول مفاهيم الهوية والانتماء والعدالة الاجتماعية ..ولم يتوقف دور الفن عند حدود التوعية فقط، بل امتد إلى المساهمة الفعلية فى تغيير الواقع .