تفاصيل جولة الرئيس السيسي بالأكاديمية العسكرية في العاصمة الإدارية| صور    وزير الصحة يهنئ إيهاب هيكل ومجلس «أطباء الأسنان» للفوز في انتخابات النقابة    بعد حملة «خليها تعفن».. أسعار السمك اليوم السبت في سوق العبور للجملة    المركزي المصري يوجه 6 مليارات دولار من صفقة «رأس الحكمة» لدعم القطاع المصرفي    وزير التعليم العالي: الجامعة المصرية اليابانية تقدم تجربة تعليمية وبحثية مُتميزة    مطالب برلمانية بوقف تخفيف أحمال الكهرباء في أثناء فترة الامتحانات    الرئيس السيسي: مصر تدعم تعزيز العمل البرلماني المشترك على جميع المستويات    "بالشوكولاتة".. مارسيل كولر يحتفل بتأهل الأهلي لنهائي أفريقيا    قائمة باريس سان جيرمان لمباراة لوهافر بالدوري الفرنسي    بيريرا يكشف حقيقة رفع قضية ضد حكم دولي في المحكمة الرياضية    وزير التعليم ومحافظ الغربية يفتتحان معرضًا لمنتجات طلاب المدارس الفنية    طبيب نفسي يوضح الأسباب وراء قضية مقتل طفل شبرا    الإعدام والمؤبد للمتهمين باللجان النوعية في المنوفية    وزيرة التضامن من الإسكندرية للفيلم القصير: فخورة بتقديم برنامج سينما المكفوفين    علي الطيب يكشف تفاصيل دوره في مسلسل «مليحة»| فيديو    الليلة.. أصالة تلتقى جمهورها فى حفل بأبو ظبي    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    الصحة: فرق الحوكمة نفذت 346 مرور على مراكز الرعاية الأولية لمتابعة صرف الألبان وتفعيل الملف العائلي    حان وقت الصفقة.. تحرك جديد لعائلات الرهائن الإسرائيليين في تل أبيب    وسط اعتقال أكثر من 550.. الاحتجاجات الطلابية المناهضة لإسرائيل بالجامعات الأمريكية ترفض التراجع    كوريا الشمالية: الولايات المتحدة تقوم ب«تشهير خبيث» عبر نشر تقارير مغلوطة عن حقوق الإنسان    مستشار الرئيس الفلسطيني: عواقب اجتياح رفح الفلسطينية ستكون كارثية    رئيس البرلمان العربي يكرم نائب رئيس الوزراء البحريني    التنمية المحلية: تدريب 2034 قيادة علي منظومة التصالح في مخالفات البناء بالمحافظات    السيسي يتفقد الصالات الرياضية المجهزة بالأكاديمية العسكرية في العاصمة الإدارية.. فيديو    تعليم الإسكندرية تستقبل وفد المنظمة الأوروبية للتدريب    كرة اليد، موعد مباراة الزمالك والترجي في نهائي بطولة أفريقيا    مديرية الشباب بالشرقية تنفذ دورات لطرق التعامل مع المصابين    خالد بيبو: لست ناظر مدرسة «غرفة ملابس الأهلي محكومة لوحدها»    «شريف ضد رونالدو».. موعد مباراة الخليج والنصر في الدوري السعودي والقنوات الناقلة    أبو الغيط: الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا على أوضاع العمال هناك    محافظة القاهرة تكثف حملات إزالة الإشغالات والتعديات على حرم الطريق    بعد فتح التصدير.. «بصل سوهاج» يغزو الأسواق العربية والأوروبية    9 إجراءات للشهادة الإعدادية.. تفاصيل مناقشات "تعليم القاهرة" بشأن الامتحانات    سياحة أسوان: استقرار الملاحة النيلية وبرامج الزيارات بعد العاصفة الحمراء | خاص    تحرير 134 محضرا وضبط دقيق بلدي قبل بيعه بالسوق السوداء في المنوفية    استمرار حبس عاطلين وسيدة لحيازتهم 6 كيلو من مخدر البودر في بولاق الدكرور    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    رئيس مياه سوهاج يتسلم شهادات 6 محطات حاصلة على اعتماد خطط السلامة    «السياحة»: زيادة رحلات الطيران الوافدة ومد برنامج التحفيز حتى 29 أكتوبر    رئيس جهاز العاصمة الإدارية يتابع معدلات تنفيذ حي جاردن سيتي الجديدة    بسبب البث المباشر.. ميار الببلاوي تتصدر التريند    وزيرة التضامن توجه تحية لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير بسبب برنامج المكفوفين    الليلة.. أحمد سعد يحيي حفلا غنائيا في كندا    السيسي يتفقد الأكاديمية العسكرية بالعاصمة الإدارية الجديدة - فيديو    بيان عاجل لهيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة ويأثم فاعله    «بيت الزكاة» يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة ضمن حملة إغاثة غزة    متصلة تشكو من زوجها بسبب الكتب الخارجية.. وداعية يرد    هيئة شئون الأسرى الفلسطينيين: الوضع في سجون الاحتلال كارثي ومأساوي    هل يوجد تعارض بين تناول التطعيم وارتفاع حرارة الجسم للأطفال؟ هيئة الدواء تجيب    الكشف على 165 مواطنًا خلال قافلة طبية بالزعفرانة وعرب عايش برأس غارب    طلب إحاطة يحذر من تزايد معدلات الولادة القيصرية    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    «الأسد يشعر بضيق تنفس».. 4 أبراج تكره فصل الصيف (تعرف عليها)    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    "كنت ببعتله تحياتي".. كولر يكشف سر الورقة التي أعطاها ل رامي ربيعة أثناء مباراة مازيمبي    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الموسيقار الكبير محمد سلطان يفتح النار على جيل «الخلاعة» و«هز الوسط»: نعيش عصر الهزائم والانكسارات الغنائية الكبرى!
نشر في الأهرام اليومي يوم 13 - 11 - 2015

أدرك منذ نعومة أظفاره فن تذوق علم الجمال الموسيقى فى تجلياته الإبداعية التى ترتبط بالمشاعر والأحاسيس، فعرف كيف يخاطب الروح والوجدان، وبرع فى العزف على أوتار الاحاسيس والمشاعر الإنسانية الدافئة،إنه الموسيقار الكبير «محمد سلطان» القابض على هويته المصرية كالقابض على جمرالحقيقة المرة فى ميادين التحدي، مستندا فى ذلك إلى القوانين الجمالية الراسخة فى تراثنا الحضاري.
الحوار معه ليس مهمة سهلة، فموسيقارنا الكبير متعدد الاهتمامات، يتسم بذكاء فطرى نادر، واسع الخبرة، ومن ثم يصعب معه توجيه دفة الحوار أو السيطرة عليها بسهولة، ولديه قدرة خرافية على المناورة فى تجاوز أى مأزق صحفي، حيث يختار كلماته بعناية، ويحدد نقطة البداية والنهاية بمهارة مذهلة، وهو ما جعل لهذا الحوار متعة محببة، تصل بسهولة ويسر إلى القلب والعقل والوجدان، وعلى جناح حكيه الأسطورى الساحر تلمس طيبة قلبه، وصفاء سريرته التى تحدد مسبقا علاقته بالناس والأشياء، طبقا لمساحة مشاعره من الغناء الذى يسيطر على كل كيانه، وهو الذى يصفه بأنه الهواء الذى يتنفسه، ولا يعرف العيش من دونه.
تعالوا معا ومن فوق سريره الأبيض فى غرفة نومه كى نغوص فى بحر مشواره فى عالم الفن الذى بدأ منذ أكثر من خمسين عاما لنلمس الدرر والنفائس، ونعرف كيف حافظ طوال هذه السنوات على استمراره وتوهجهه الفنى الفاتن، وهو الشاهد الحى على تبدل مقاييس العصر إلى حدود الانقلاب، وتحول المستمعين والمشاهدين عن ينابيع الطرب إلى الرقص و»هز البطن»، فى زمن كثرت فيه أصوات الضجيج الصادرة من بين الأسنان، أو أطراف الشفاه، وتحول الأغنية من كلمات وألحان شجية تبقى وتعيش إلى أغنية استهلاكية لا تدوم إلا لفترة قصيرة.
فى البداية وبعد اطمئنانى على صحته سألته: يهمنى أن أعرف كيف تجددت موسيقيا على مدى 50 عاما، بحيث استطعت أن تواصل نجاحك واستمرارك حتى الوقت الراهن، وظللت ملء السمع والبصر فى عالم الموسيقى والألحان؟
بهدوئه المعهود، وبابتسامة جميلة، وبصوت أقرب إلى الهمس قال: الفنان الحقيقى الموهوب فى فترة البدايات يبذل مجهودا مضاعفا حتى يصل للناس، وعندما يصل ويبدأ فى التلحين لابد أن يكون له دور، ويضيف للناس كل ما هو جميل ومهذب ورقيق، ومن ثم يعمل على إثراء وجدانهم بالشجن والعذوبة، وفى مرحلة أخرى يأخذ بأيديهم نحو الأمام والمستقبل، نحو الرقى والتقدم.
وطوال هذه المراحل لابد أن يكون الفنان مثقفا وواعيا لدوره ، ويكون لديه أساتذة يتأثر بهم وويكونون قدوة له، ومع التجربة والاندماج الحقيقى مع هذا العالم يصبح للفنان عالمه اللحنى الخاص به كما حدث بالنسبة لى، ففى بداية مشوارى الفنى كان لى أساتذة من الملحنين يأتى فى مقدمتهم خالدون من أمثال «محمد عبدالوهاب، محمد القصبجى، رياض السنباطي، زكريا أحمد» وغيرهم، استمعت إليهم جيدا وتأثرت ببعضهم، لكن بعد فترة التأثر تلك كان لى تكوينى الخاص، وفكرى وأسلوبى وبصمتى اللحنية المميزة التى واكبت العصر وتطورت مع الزمن.
ولم أقف عند زمن معين أو محطة معينة، وهذا ما أريد توصيله للأجيال الجديدة من الملحنين الذين لا يعترفون بأى قديم، ولا بأى أساتذة لهم، ولأى مدرسة ينتمون!، رغم أنهم «ولا حاجة!»، بل لا يفهمون فى الموسيقى، ولا يعرفون المقامات الموسيقية، وكل ألحانهم من مقام واحد هو «الكرد» لأنه مقام سهل، ومنتشر فى الأغانى الغربية التى يسرقون منها، وبواسطة التكنولوجيا الحديثة يحاولون طمس هوية اللحن المسروق بالحذف أو الإضافة أو التبديل فى لحنهم الجديد، وبعضهم يترك اللحن كما هو دون تعديل!.
*لكن أستاذنا الكبير هناك أسماء جيدة فى عالم التلحين، يمكن أن أذكرها لحضرتك، هولاء يحاولون أن يضيفوا فعلا لعالم التلحين من وجهة نظرى الشخصية كمتابع للحركة الموسيقية؟
بصوت غاضب قال: لا تذكر لى أسماء!!، لا أريد أن أجرح أحدا، ومن يعترض على كلامى يواجهني، ويسمعنى ألحانه المزعومة، وأنا أقوله أماكن السرقة فيها!! اللحن الناجح هو الذى يردده الشارع، ويعيش سنوات طويلة كما عاشت أغنيات جيلى والأجيال السابقة المستمرة من سنين طويلة.
«توقف لحظات وتنهد» واستكمل هجومه قائلا: الأجيال الجديدة من الملحنين مغرورون، ويعتقدون إنهم أصبحوا أساطين التلحين بسبب لحن أو اثنين أو حتى ثلاثة نجحت لهم، مع العلم أن «ما فيش حد بيبدع شيئا!» كلنا كملحنين درجات، كل واحد منا يبدأ شيئا والآخر يكمل، والشاطر هو الذى يضيف، والمثل الشعبى البسيط يقول «اللى مالوش قديم مالوش جديد»، لابد أن يكون عند هؤلاء الملحنيين قدوة من أساتذتهم القدامى، ويكون لديهم مدرسة شرقية خاصة بهم، ثم يجتهدون فى أن يجددوا هذه المدرسة ويضيفوا لها، ويبتعدوا عن تقليد الغرب، لأنهم بهذا التقليد يطمسون الهوية الموسيقية المصرية التى تميزنا، لابد أن يتطوروا من داخل الشخصية المصرية، فمن غير هذا لن يصبحوا شيئا! ولن يذكرهم أو يتوقف عندهم التاريخ.
هل ما زال لديك قدرة يا أستاذنا على العطاء وتقديم الجديد الذى يواكب العصر؟!
الموهبة الصادقة لا تموت إلا بموت صاحبها، وكلما كبر الفنان أو الأديب أو الصحفى الموهوب يزداد نضجا وإبداعا طالما ما زال قادرا على العطاء، وعندما يتوقف عن العطاء يتوقف نبضه «وأنا عايش بسبب الفن» ومستحيل أن أحيا من غير موسيقى وغناء، فيوم أن أحس إنى بعيد عن هذا المجال الذى عشقته من صغري، ولم أحلم بشئ غيره أموت!.
ومن العيب أن أكون موجودا ولا أشارك فى مناسبات بلدي، خاصة أننى فى الماضى عبرت بألحانى عن هزائم وانتصارات مصر التى أعشقها، وما زالت الأغنيات التى قدمتها فى كل المناسبات الوطنية السابقة تذاع ليل ونهار ولم تمت، فمن ينسى « بحبك يا مصر، قاهرتي، النصر لمصر، سلملى على مصر، وحياتك يا غالية» وغيرها، ورغم ذلك لا أدرى ما سر تجاهل المسئولين فى وسائل الإعلام أو الشئون المعنوية لتاريخى وعطائي؟!.
وأحب أن أوضح بأننى هنا لا أريد استعطاف أحد، ولا أطلب مساعدة من أحد، لأن أغنياتى سواء العاطفية أو الوطنية والحمد الله مازالت ناجحة، وتذاع بصفة مستمرة على مستوى العالم، لكن حرام أن يكون لديك فنان كبير سواء أنا أو غيرى وتتجاهله، عبدالوهاب فى آخر أيامه قدم أغنيتى «من غير ليه» و» أسألك الرحيلا» و»كسر الدنيا» برقى ألحانه وجمالها، وعلم الأجيال الجديدة وقتها درسا فى الموسيقى، وأنا بداخلى فنان، وهذا الفنان يتنفس بالفن، ويشعر بوجوده عندما ينجح له لحن ويتلقى إعجاب الجمهور على هذا اللحن.
بعض المسئولين يرددون أن الجيل الحالى من الملحنين الأقدر على مخاطبة جيلهم من الشباب، وبالتالى هم الأحق فى أخذ الفرص لأن الأجيال السابقة أخذت حظها من قبل؟
بمرارة وغضب قال ساخرا: «همه المسئولين دول بيعاندوا مين؟! هى عافية ولا الأغانى تقليعة!، ثم هو اللى اتقدم حلو ولا عدل يعنى واحنا اعترضنا!»، ما قدم خلال الفترة الماضية من أغنيات يندى لها الجبين!، وكلها تجارب فاشلة، وفيها كم من الإسفاف والهلس الذى لم تعرفه الأغنية من قبل!، والأغنيات الجديدة التى قدمت عن قناة السويس فضيحة! ولم تكن على مستوى الحدث، ولا حتى بنسبة 10% من حدث هام مثل قناة السويس لن يتكرر.
وبصوت عال قال: «يا جماعة، يا شباب الملحنيين، مصر هى المنارة والريادة والقائد»، وهى التى تنير جميع أنواع الفنون فى العالم العربى، وحرام أن تعيش بسببكم هذه السنوات السوداء فى الموسيقى والغناء، بسبب جهل بعض المسئولين فى الإعلام والثقافة ، وعدم إدراك هؤلاء لقيمة وحضارة مصر، وسأسألك سؤالا وإجابتك عليه ستؤكد صحة كلامي: هل ردد الشارع المصرى أغنية وطنية جديدة قدمت عن قناة السويس أو غيرها؟!
رددت عليه: نعم الشارع ردد أغنية « بشرة خير»؟.
لا .. الصحيح أن الشارع رقص مع « بشرة خير»، ثم أن هذه الأغنية تحديدا لها وضع خاص، لأنها قدمت فى ظرف سياسى معين، الكل كان محبطا، فجاء لحن الأغنية راقصا مبهجا، ليخرج الناس من حالة الاكتئاب!.
صراحتك وغضبك الشديدين يشجعانى على أن أسألك عن شهادتك على عصر الغناء الحالى؟
يرد بقوة :يعيش أسوأ حالاته، فلايوجد شيئ ملفت للسمع، أريد واحدا من الملحنيين الموجودين حاليا ويفهم فى الموسيقى كى يناقشنى أو يعترض على ما أقوله، فكلهم يلحنون على « التربيزة» ولا يعرفون المقامات الموسيقية كما ذكرت لك، ويعتمدون فى ألحانهم على الموزعين، بصراحة لم نتوقع عندما بدأنا مشوارنا أن يصل الانهيار للموسيقى والغناء فى مصر إلى ما وصل إليه الحال حاليا، فرغم حبى لكل الموجودين، لكن هذه شهادة للتاريخ.
وسبق وقلت لمن أعتمدهم من الجدد وأنا فى لجنة الاستماع « اللى مش فاهم وعايز يتعلم يجينى وأنا أعلمه»، لأن مصر أمانة فى رقبتنا جميعا، «وأنا اليوم موجود .. بكره مش موجود»، لهذا أريد أن تكون الأجيال الحالية والقادمة موهوبة ومتعلمة ومثقفة حتى تستمر مصر فى رسالتها الفنية الراقية، لأن الغناء ليس موضة ولاتقليعة، لكن له أصولا ولابد أن تتبع، فالفن إبداع وجمال ورقى وشياكة، ووهو فى الأساس بناء ومسئولية على عاتقنا جميعا وليس مضيعة للوقت أو تسلية، ولابد أن نتطلع للمستقبل وتظهر أجيال أفضل من الأجيال الماضية، لكن للأسف الشديد ما زال إبداع الأجيال السابقة هو الذى يتردد فى الشارع المصرى والعربي، وسيظل موجودا طالما العبث الحالى منتشر إلى هذا الحد!
أليست شهادتك تلك تحمل قدرا من القسوة بعض الشىء؟
شهادتى واقعية وليست قاسية، والدليل سأسألك سؤالا آخر: ما هى الأغانى الحالية التى تتردد فى الشارع؟!، أليست الأغنيات القديمة؟!، وعندما تظهر أغنية جديدة وكما يقولون «وتكسر الدنيا» هل تعيش أكثر من شهر، سنة على الأكثر وسرعان ما تنتهى ولا يتذكرها أحد؟! لكن أغنياتنا مر عليها أكثر من 50 سنة وما زالت تتردد.
كنت أتمنى أن يظهر جيل من الملحنين أفضل من جيلنا يكمل مسيرتنا، ومسيرة الأجيال التى سبقتنا، ويقدموا ألحان شرقية خاصة بينا، وليست منهوبة من الغرب، كى تخدم مصر، لكن للأسف ما يقدم الآن يموت فور ولادته, لأنه ببساطة بعيد عن وجدان المصريين والعرب.
كما أن المطربين الحاليين ليس لديهم أدنى ثقافة ولا وعى ولا إدراك لأهمية ما يغنونه، الفن لا يمكن أن ينبع من لا شيئ!، لا يمكن أن تأتى بشخص جديد فارغ أو ليس لديه قدوة، أو مثل أعلى، أو شخص متأثر به، وتقوله اعمل «فن»، المبنى على فراغ سيظل فارغا، والمبنى على خلفية أو أصل أو ثقافة سيظل ويستمر ويتجدد، دائما الموهبة تصقل بالثقافة.
إذن أنت ترى أن الأصوات الغنائية المتميزة الموجودة حاليا ليس لديها نوع من الوعى والثقافة؟ أم لديك أسباب آخرى؟
مصر فيها كم كبير من الأصوات المتميزة، لكن هذه الأصوات لا تجد ملحنين، ولا شعراء بحجم موهبتهم، فحاليا لا أجد أغنية تصفعنى على وجهى وتقول لى أنا أغنية جديدة مختلفة، لهذا ستعيش أغنياتى وأغنيات جيلى سواء العاطفية أو الوطنية منها لأجيال قادمة رغم أنف الجميع، لأن جيلنا والأجيال التى سبقتنا كانوا صادقين ومخلصين للفن، وكانت المنافسة شريفة بيننا، وقائمة على تقديم كل ما هو جميل وراق، أما السباق اليوم بين المطربين والملحنين فمن أجل المكسب السريع والشهرة التى ما تلبث أن تختفى بنفس السرعة.
هناك جدل كبير دائر منذ فترة على صفحات الجرائد حول قرار الفنان الكبير هانى شاكر حول محاربة العرى والإسفاف والابتذال فى الوسط الغنائى؟ فما رأيك فى هذا القرار ؟
اتفق معه تماما، ولو كنت مكانه لفعلت نفس الشىء، الفن رسالة وليس إثارة، نحن بلد محترم ومتدين بالفطرة، ولدينا قيم ومثل، ويجب علينا جميعا مساندة هانى شاكر فى قراراته، ومحاربة العرى والابتذال، والسؤال: إلى متى سيظل الفن الحالى مبتذلا؟ وإلى متى سيظل ما يثير الناس هو هدف بعض المغنيات؟! أنا مع هانى بقوة ومن لا يعجبه قراراته « يخبط راسه فى الحيط»!
لكن البعض يقول إنه يجب عليه أن يسعى للبحث عن موارد مادية للنقابة، قبل محاربة الفساد الموجود فيها، وأن يترك حكاية الملابس والعري، لأن ارتداء الملابس حرية شخصية؟
بغضب وبصوت عال قال :لا... لا، هذا كلام خاطئ! لأن دوره كنقيب أن يرتقى بالنقابة، ويجعل الغناء محترما، ويرتقى بالذوق العام، ليس دوره كنقيب أن يضخ «فلوس» أو يثرى النقابة بالأموال، هذه نقابة غناء لها رسالة وليست نقابة «ميكروبصات!»، كفانا ابتذالا وسخفا وعريا وأنصاف وأرباع أصوات تغنى، الغناء يا صديقى أصبح متاحا للجميع «أى حمار عايز ينهق بيغنى»، وأى واحد يمسك قلم ويكتب أغنيتين يقول لك إنه شاعر، ومن يلحن على «التربيزة» يقول لك إنه ملحن، ثم أن الرجل لم يمنع الرقص ولا الغناء، لكنه يريد الرقى والشياكة، وحربه على مدعيات الفن، وعلى الابتذال والعرى والفساد، ومحاربة الغناء الهابط ، وليس الغناء الراقى، وبالتالى واجبنا أن نقف بجواره ولا نحاربه!! بل ينبغى أن نسانده.
ما رأى حضرتك فى برامج اكتشاف المواهب الغنائية المنتشرة حاليا فى الفضائيات؟
بصوت حاد يحمل قدرا من الحزن قال: ليست مفيدة، هى مجرد برامج دعائية لتضييع الوقت، ولاهدف لها سوى أن تدر مكاسب للقنوات عن طريق التليفونات، ثم من هم لجان التحكيم وما هى خبراتهم؟! وكيف يحكمون على صوت؟ وباستنكار سألني: كيف يحكم مطرب على صوت مطرب آخر حتى لو كان جديدا؟! وأين هى الأصوات التى خرجت من هذه البرامج؟! العبرة بالمبدع لأنه الأساس، هذه اللجان لو بها ملحنين يمكن أن أقول لك «برافوا» لكن كلها مطربين إزاى؟! على مدى مشوارى اكتشفت أصوات مهمة، هذه الأصوات ما زالت موجودة حتى الآن مثل «سميرة سعيد، نادية مصطفى، محمد ثروت، مدحت صالح» وغيرهم، لماذا استمروا حتى الآن؟ لأن ورائهم ملحنا فاهما لأبعاد الصوت، ويعرف كيف يوظفه؟!
ورفقا بحالته الصحية، وحتى لا أثقل عليه قررت أن أبتعد عن شاطئ الغضب من واقع الغناء الحالى، وسألته: المتابع لأغنياتك مع فايزة أحمد يشعر أن وراء صاحبة هذه الحنجرة ثقافة وفهما ووعيا، رغم أن الراحلة فايزة أحمد كانت تجيد فقط القراءة والكتابة؟
هذه ملحوظة ذكية، فحبى لفايزة أحمد كان قويا، ونظرا لحبى للثقافة والمثقفين منذ تخرجى من كلية الحقوق، وأيضا اقترابى من أساتذة كبار مثل «كامل بك الشناوى، أنيس منصور، صالح جودت، يوسف السباعى، يوسف إدريس، محمد عبدالوهاب» وغيرهم، نقلت ثقافتى دون أن أشعر، وبدون قصد منى لفايزة، التى كنت أريد لها ألا تتحدث بكلام فارغ!، وأن تتحدث فقط بكل ما هو جميل، لأنها قدوة لبعض الفتيات، لهذا يجب أن تكون حريصة فى كلامها وتصرفاتها وملابسها، وحب العمالقة الذين ذكرتهم لك لصوت فايزة جعلنا نفتح لهم بيتنا، والحقيقة أننا استفدنا جدا من قربنا واحتكاكنا بهؤلاء العظماء.
لحنت لفايزة أحمد كل ألوان الغناء، فقدمت لها الأغنية الكلاسيكية والمودرن والقصيدة والموشح وغيرها من الألوان، هل كان هذا مقصودا؟
بالتأكيد كان مقصودا، فإيمانى الشديد بصوت فايزة، وأنه صوت غير عادي، وسيكون له شأن كبير، جعلنى أجرب معها كل الألوان الغنائية، وأذكر أننى بعد زواجى منها مباشرة قلت لها : « تعرفى يا فايزة الحاجة الوحيدة اللى مش عجبانى فيكى تخصصك فى الغناء للأسرة وانت إمكانياتك أكبر من كده بكتير»، واقترحت عليها أن نقدم ونجرب كل ألوان الغناء، ونظرا لحبها الشديد لى أطاعتنى طاعة عمياء، وكان لابد أن نتطور مع الزمن، وفى نفس الوقت نحافظ على أصالتنا ولوننا الشرقى، فعندما كانت الأغنية الطويلة هى المسيطرة قدمنا « رسالة من إمرأة، خلينا ننسي، قول لكل الناس، زمان غريب يا زمان، علمتنى الدنيا، نقطة الضعف، لقيتك فين، أيوه تعبنى هواك» وغيرها، وعندما انتشرت الشعبيات فى نهاية الستينيات قدمنا « مال على مال، قاعد معانا، أخد حبيبي، يامه يا هوايا» وغيرها، وعندما جربنا الموشح حيث قدمنا «العيوان الكواحل، ويا هلالا»، فضلا عن عشرات الأغنيات القصيرة مثل «اعتراف، الأيام،حبيتك وبدارى عليك، بكره تعرف» وغيرها الكثير .
فى أثناء زواجك من المطربة فايزة أحمد لحنت لعدد كبير من المطربين، هل كانت تتضايق من نجاح ألحانك مع الآخرين؟
إطلاقا «عمرها ما تضايقت» بالعكس كانت تسعد جدا بتعاونى ونجاحى مع الآخرين، وليس هذا فقط، فأحيانا كانت تدفعنى للتلحين لغيرها، فهى كانت تقدر الفن والموهبة وواثقة من نفسها وموهبتها، فمثلا كانت السبب فى تلحينى للمطربة العظيمة سعاد محمد، رغم عدم إقتناعى فى البداية بالتلحين لها، لكنها أصرت، لأنها كانت تحب صوت سعاد جدا، حتى أنها تنازلت لها عن أغنيتها « أوعدك» التى كتبها «مجدى نجيب» خصيصا لفايزة، وكانت تحفظ سعاد كلمات الأغنية معى أثناء التلحين .
لكن لماذا لم تكن متحمسا للتلحين لسعاد محمد، وهى واحدة من أقوى وأجمل الأصوات التى مرت فى تاريخ الغناء؟
رغم جمال وعظمة صوتها لكننى كنت أشعر إنها مطربة تغنى ما يعرض عليها فقط، ومن مدرسة فى الأداء التى تختلف عن مدرستي، فكنت أرى أنها تغنى بأسلوب ليس قديم بعض الشىء، وأداؤها لا يوجد فيه بريق التطور، وأنا من أنصار المدرسة التعبيرية التى تعنى تطابق الأداء مع الكلمة مع اللحن، حتى يصل كل هذا للمتلقي، ولست من مدرسة استعراض الصوت التى تغنى منها سعاد محمد، لكن فايزة أقنعتنى وقالت لى: «أنت هتعملها حاجة ناجحة وتحسسها بالتطور دون أن تجرحها»! وعندما وجدتنى كسولا بعض الشىء، ألحت على وقالت : « هزعل منك يا محمد لو لم تلحن لسعاد»! وبالفعل لحنت لها أغنية» أوعدك» التى ما زالت تتردد حتى الآن.
هل هناك مطربة تمنيت أن تعانق ألحانك حنجرتها؟
السيدة أم كلثوم، وكاد اللقاء أن يتم بيننا لكن حبى وإحترامى لأستاذى محمد عبدالوهاب حال دون ذلك!
وما علاقة محمد عبدالوهاب بعدم تلحينك لأم كلثوم؟
ضاحكا: عبدالوهاب له علاقة قوية جدا مع الست، ففى إحدى السنوات أعتقد نهاية الستينيات كانت فايزة أحمد لديها حفلة، وفى هذه الحفلة غنت أغنيتين جديدتين هما «بصراحة»، و«الأيام»، وبعد عودتنا إلى البيت فوجئنا بالتليفون يرن وإذا السيدة أم كلثوم على الخط الآخر، وبعد ترحيبى بها قالت لى: « أعطينى فايزة أباركلها». وبعد الإشادة بصوتها, حيث كانت أم كلثوم معجبة جدا بصوت فايزة، سألتها مين ملحن أغنية «بصراحة»؟! قالت لها الأستاذ عبدالوهاب، وسألتها من ملحن «الأيام»؟! فجاوبت: « سلطان»، فأشادت بلحنى جدا، وفى نهاية المكالمة قالت لفايزة: «أعطينى سلطان»، ويومها قالت لى: « لازم نتعاون مع بعض، وسأرسل لك غدا كلمات أغنية جديدة كتبها الشاعر مأمون الشناوى بعنوان « ودارت الأيام»!.
وبالفعل أرسلت لى الكلام، وبعد مرور أيام علم عبدالوهاب من الصحف أننى بدأت تلحين أغنية «ودارت الأيام»، فإتصل بى وقال لي: « يا محمد هذه الأغنية عندى من سنة، وأقوم بتلحينها بالفعل لأم كلثوم، لكنى تأخرت بعض الوقت فتضايقت الست وأرسلت لك الكلام»! فقلت له « خلاص يا أستاذنا اعتبرنى من اللحظة دى انسحبت من تلحين الأغنية»، واتصلت بالسيدة أم كلثوم واعتذرت لها عن عدم التلحين، وطلبت منها أن ترسل لى كلاما آخر، لكن مرت الأيام والشهور والسنين ورحلت دون أن تعانق ألحانى حنجرتها.
والآن دعنا نلتقط أنفاسنا ونرسو على شاطئ الحب بحكم صداقتنا أعرف أنك مررت بأكثر من تجربة حب، من بين النساء اللاتى عرفتهن، فمن كانت الحب الحقيقى فى حياتك؟
فايزة أحمد بالتأكيد هى الحب الحقيقى فى حياتى، رغم أننى سبق وأن مررت بأكثر من تجربة حب قبلها، لكن حبى لها كان الحب الذى بنيت عليه أسرة، وعرفت من خلاله معنى الاستقرار.
فى محطة السياسة، لو توقفنا وسألتك خلال مشوارك مع الفن والغناء والتلحين عاصرت أربعة رؤساء هم « جمال عبدالناصر، محمد أنور السادات، حسنى مبارك، عبدالفتاح السيسى» ما ذكرياتك معهم؟
عشت عصر جمال عبدالناصر، وفخور أنى عشت هذا العصر، نظرا لإعجابى الشديد برجولتة وشخصيته، لكن لم يسعدنى الحظ فى مقابلته، أما الرئيس السادات فكان فنانا حقيقيا يحب الفن والفنانيين، ولقد أحببته جدا، وهو الأخر بادلنى الحب ولا أنسى إنه غنى لى بصوته!! ففى أحد الأيام فوجئت بإتصال هاتفى من ديوان رئاسة الجمهورية وقالوا لى الرئيس هيكلمك، وبالفعل وجدت الرئيس السادات يقول لي: «يا عبقرى مش عايز تشوفني!»، فقلت له: «يشرفنى يا فندم خصوصا أنى بحب حضرتك جدا»، فقال لى: «خلاص أنا منتظرك غدا فى استراحة القناطر الخيرية وهات العود بتاعك معاك»!.
وفى الميعاد المحدد كنت أجلس معه، وبعد السلام والترحيب فجائنى قائلا: «أعزف لى موشح العيون الكواحل» وبدأ الرئيس يغنى لى بصوته الأجش، «العيون الكواحل»، ورغم أن صوته ليس جميلا لكن أذنه سليمة، ويغنى بطريقة صحيحة، وفى نهاية الجلسة طلب منى تلحين أوبريت لأعياد أكتوبر على أن تكون فايزة أحمد المطربة الرئيسية فيه، وبالفعل جهزنا أوبريت «مصر بلدنا» الذى شارك فى بطولته «محمد العزبى، وهانى شاكر، ومحمود شكوكو، وآخرين»، لكنه رحل قبل أن يستمع إليه.
أما الرئيس حسنى مبارك قابلته لكنى لم أجد لديه لمحة الفنان، وعلى رأى حسين السيد فى أوبريت «الفن» تلحين موسيقارنا الكبير محمد عبدالوهاب « لو لمس الفن ضمير حاكم عمره ما يكون أبدا ظالم / بيحب الخير وطريقه خير وخطاه بتقول هنا إنسان»، والإنسان عموما إذا شعر بالفن، فهو يشعر بكل شىء جميل فى الحياة، لهذا عندما قابلت الرئيس عبدالفتاح السيسى فى المؤتمر الذى عقده قبل توليه الرئاسة مع مجموعة من الفنانين حضنته وقبلته لأن بداخله فنانا، وبعد انتهاء المؤتمر عندما جاء وقت العشاء ترك الجميع وجلس بجواري، ويومها تحدثنا فى الفن، فوجدت حديثه شيقا ولديه حس فنى عال، وهو عقلية خطيرة، وصوته حاسم وفى عينيه قوة وطيبة.
أخيرا ما شهادتك على الإعلام الحالى؟
الإعلام الذى أعرفه وأحبه، هو الإعلام المحترم الذى يصلح ولا يهدم، لكن ما نراه حاليا فيه هدم لقيم ورموز، الإعلام لابد أن يقدر قيمة كل فنان ويعطى كل شخص قدره الذى يستحقه، لكن إهمال الماضى والإستخفاف به عيب قاتل!، توجد برامج تستضيف «ناس» غير مؤهلين للحديث، لأنهم جهلاء فى تخصصهم، ويتلفظون بألفاظ نابية لا تصلح أن يشاهدها أو يستمع إليها أحد من الجالسين فى البيوت، وقنوات تستضيف «ناس» يطلقون على أنفسهم ألقاب مطربين وشعراء وملحنين وليس لهم أدنى علاقة بالغناء ولا التلحين ولا الشعر من قريب أو بعيد، وفى النهاية الكذب لا يدوم، كن صادقا تصل للناس!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.