مع بدء الأيام الحرم جاءتنى دعوة من صديق عزيز لقضاء ليلة فى رحاب السيدة زينب والحسين، لم أتردد، وكأن قلبى سبقنى قبل قدمى، فالمقامات الطاهرة تشدنا بشىء لا نراه، ولكن نشعر به، انطلقت معه والسكينة ترافقنا من أول الطريق، كأنها تعرف وجهتنا، وتنتظر لحظة اللقاء. حين وصلنا، كانت أضواء المآذن تعانق السماء، كانت السيدة زينب شامخة، تستقبل زائريها بكل وقار وعزة، وكنت أشعر بأننى أمام سيدة عظيمة، لم تهزمها المحن، بل زادتها نورًا. فى باحة المسجد، رأيت وجوهًا مطمئنة، وعيونًا دامعة، وأيادى مرفوعة، كلٌ جاء يشكو، يدعو، أو يشكر، جلست أتنفس عبق التاريخ، كأن الجدران تروى عن حكايات الصبر واليقين، وتعلمنى أن النور الحقيقى ينبع من الداخل، ثم مضينا نحو مقام الإمام الحسين الذى علمنا أن الوقوف للحق لا يعرف زمانًا ولا مكانًا، وقتها حضرنى إحساس غريب وكأن المكان يحتضننى.. تلك الليلة، لم تكن عادية بالنسبة لى لكنها كانت ليلة روحانية غيّرت شيئًا فى داخلى، أيقظت جزءًا كان ساكنًا، وربما أعادت ترتيب أولوياتى، هناك وقفت ودعوت مع الداعين، وبكيت مع الباكين، وابتسمت حين شعرت بأننى لست وحدى، بل فى حضرة الأرواح الطاهرة، التى لا تزال تضىء هذا العالم ببصيرتها وصبرها. عدت من مقام الحسين خفيفًا، وكأن كل ما كان يثقل قلبى ذاب بين المآذن والدعوات، وكل ما كنت أبحث عنه من سكينة، وجدته فى عيون العاشقين الراكعين فى تلك البقعة الطيبة.