فى الساعات الأولى من فجر أمس السبت فوجئ أهالى الإسكندرية، بمشهد لم يروه من قبل، ضربات متتالية من البرق والرعد أعقبها رياح شديدة جدًا وأمطار رعدية غزيرة وكثيفة وكرات من الثلج فى بعض المناطق. هذه العاصفة الثلجية المباغتة غطت الشوارع بطبقة بيضاء باردة، أثارت الذعر فى قلوب الأهالى الذين لم يعتادوا هذا النوع من العواصف الكاسحة. لم تكن المفاجأة فى مشهد الثلج وحده، بل فى غياب أى استعداد حقيقى للتعامل مع مثل هذه الظواهر المناخية الشديدة فى قوتها والتى بدأت تتكرر، ورغم ذلك ما زلنا نتعامل مع الأمر باعتباره شيئا عابرا، وليس باعتباره ظاهرة كونية تستحق التوقف، والانتباه والحذر. ألم نلاحظ جميعا الارتباك الواضح فى بدايات ونهايات فصول السنة؟ واختفاء سمات الفصول الأربعة التقليدية، فالصيف أصبح ممتدًا حتى نهاية نوفمبر، والشتاء لا يزال بيننا ونحن على أعتاب شهر يونيو، هذا بالتأكيد لم يعد أمرًا طبيعيًا أو مؤقتًا. بل هو نتيجة مباشرة للتغير المناخي، الناتج عن تراكم الغازات الدفيئة فى الغلاف الجوي، مثل ثانى أكسيد الكربون والميثان، بفعل النشاط البشري. وقد تسبب هذا فى ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية بأكثر من درجة مئوية خلال القرن الأخير، مما أحدث اضطرابًا هائلًا فى أنماط الطقس، وزاد من حدة الظواهر الجوية الشديدة الغرابة. الخطير فى الأمر أن التغير المناخى لم يعد أزمة بيئية فقط، بل أصبح أزمة إنسانية، تمس حياة كل فرد. من تراجع المحاصيل بسبب ارتفاع درجات الحرارة، إلى موجات الحر الشديدة، والسيول، وها هى الثلوج تصل إلى مدننا الساحلية. كل ذلك يهدد الأمن الغذائي، والصحة العامة، وحتى استقرار الحياة اليومية، وخطط الأسر فى السفر وقضاء الإجازات على الشواطئ والمدن الساحلية. لكن الحلول ليست بعيدة المنال. يمكن البدء بحملات توعية حقيقية تشرح للمواطنين أبعاد المشكلة بلغة بسيطة، وربطها بحياتهم اليومية. يجب أن تتبنى الدولة سياسات واضحة للتكيف، مثل تحديث البنية التحتية، وتشجيع الزراعة المستدامة، وتطوير أنظمة الإنذار المبكر. كما أن المدارس والجامعات يمكن أن تلعب دورًا جوهريًا فى خلق وعى جديد أكثر مسئولية. التغير المناخى ليس خيالًا علميًا، بل واقع نعيشه، وما حدث فى الإسكندرية أمس هو تحذير وإشارة، فهل نستمع إليه؟