فى قلب العاصمة التى لا تنام، يقف جنود مجهولون لا يحملون سلاحًا، بل أدوات نظافة وأدوات زراعة ومعدات صيانة، ليخوضوا معركة يومية ضد التلوث والإهمال والعشوائية. إنهم عمال ومسئولو هيئة نظافة وتجميل القاهرة، الذين يبدأون يومهم قبل أن تشرق الشمس، وينتهون بعد أن ينام الجميع، ليحافظوا على وجه القاهرة مضيئًا ونظيفًا ومزهرًا. وراء المشهد الحضارى الذى يراه المواطن فى الشارع، هناك منظومة ضخمة تعمل فى صمت: ورش إنتاجية تُصلح وتُصنع وتوفر ملايين الجنيهات، ومشاتل زراعية تغرس الحياة فى الأرصفة والميادين، وفرق متخصصة فى التجميل والإنارة تُعيد للمدينة بريقها كل مساء. وفى هذا التحقيق، نقترب من كواليس هذه المنظومة، نستمع إلى صوت العمال. نرصد التحديات، ونكشف ما لا يراه سكان القاهرة فى زحام الحياة اليومية.. ربما لا نراهم وربنا لا ننتبه لأهمية دورهم لكن ماذا لو توقف هؤلاء عن رحلة عمل يوم واحد والذى بالتأكيد سينتج عنه 20 ألف طن من القمامة بالشارع الأخبار فى هذا الملف تحاول أن تلقى الضوء على عمل شاق ومهم يتم لمدة 24 ساعة يوميا خلال 365 يوما وسط زحام القاهرة وضجيجها، تعمل آلاف الأيادى بصمت خلف مشهد نظيف نسبيًا يراه المواطنون فى بداية اليوم أو نهايته لكن ما لا يعرفه كثيرون هو أن هذا «النظافة المؤقتة» ليست صدفة، بل ثمرة جهد شاق يقوم به عمال هيئة نظافة وتجميل القاهرة، الذين يواجهون تحديات يومية تتجاوز مجرد رفع القمامة. بشتغل ورديتين البداية كانت مع عدد من عمال النظافة بمنطقة جنوبالقاهرة يقول أحمد محمد نور الدين، أحد عمال النظافة ويبلغ من العمر 53 عامًا، إنه يعمل فى ورديتين متتاليتين بشكل شبه يومي، لأن نظام التوظيف الذى يخضع له كعامل متغير يحاسبه بالورديات فقط، دون مرتب شهرى ثابت. الوردية 8 ساعات، لكن أنا بطبق ورديتين ورا بعض عشان أزود دخلي. أحيانًا باخد وردية وبريح شوية، وبعدين أرجع أشتغل تاني. يشير أحمد إلى أن الهيئة توفر للعاملين سكنًا قريبًا من مواقع العمل، بالإضافة إلى الزى الرسمى الصيفى والشتوى والمعدات اللازمة ووسائل النقل، وهو ما يُخفف عنهم عبء الانتقال والإعاشة. لكنه يؤكد أن أكبر تحدٍ يومى يواجهه هو وجود النباشين: إحنا بنشتغل بشكل أسهل لما الزبالة تكون جوه الصندوق، لكن النباشين بيقلبوا الصناديق ويحولوا الشارع كله لبؤرة قمامة، وده بيخلينا نبذل مجهودا مضاعفا عشان ننظف. اقرأ أيضًا | الناس بترمى فى الشارع أما راشد أحمد، عامل نظافة يبلغ من العمر 48 عامًا، ويقيم فى القاهرة بعيدًا عن أسرته فى الإسكندرية، فيحكى عن معاناة أخرى: أنا باروح لأسرتى كل شهرين، لكن أكتر حاجة بتتعبنى فى الشغل مش البُعد، لكن الناس اللى بترمى الزبالة فى أى مكان، رغم إن الصناديق دلوقتى بقت متوفرة. يقول راشد إن الالتزام المجتمعى هو مفتاح نجاح المنظومة، فمهما زاد عدد العمال، يظل التصرف الفردى الخاطئ سببًا رئيسيًا فى تشويه المشهد. أما محمد أحمد حسن، عامل نظافة فى إحدى المناطق الشعبية، يؤكد أن العشوائيات هى أصعب المناطق التى يتعامل معها فريق النظافة يوميًا، نظرًا لغياب الالتزام بالمواعيد والمواقع المخصصة لإلقاء القمامة. الناس فى العشوائيات مش بتلتزم برمى الزبالة قبل مرور العربيات، وبيرموها فى أى مكان بعيدا عن الصناديق، وده بيخلينا نشتغل أكتر من طاقتنا. التحديات مستمرة رغم ما تُوفره هيئة نظافة وتجميل القاهرة من دعم للعاملين، مثل السكن والمعدات والملابس، إلا أن حجم العمل اليومى وتكرار المخالفات الفردية من المواطنين، بالإضافة إلى النباشين، يجعل من الحفاظ على النظافة مهمة يومية شاقة لا تنتهي. وراء كل شارع نظيف فى القاهرة، هناك وجوه مجهولة تقف فى الخلفية، تجاهد بصمت، وتحمل على أكتافها مسؤولية مدينة بأكملها. هؤلاء العمال لا يطلبون الكثير، فقط احترامًا لجهدهم، وتعاونًا بسيطًا من المواطن... فهل نُلبى نداءهم؟ مسئولو الهيئة فى البداية يؤكد العميد عبد الهادى شعبان، مدير عام الهيئة العامة للنظافة والتجميل بمحافظة القاهرة، أن العاصمة تنتج ما بين 18 إلى 20 ألف طن من المخلفات يوميًا، مشيرًا إلى امتلاك الهيئة لأسطول ضخم يضم أكثر من 950 سيارة و150 معدة بمختلف الأحجام لنقل المخلفات والتعامل معها. وأضاف شعبان، أن هناك شركتين تعملان فى جمع القمامة بمحافظة القاهرة، إحداهما فى المنطقة الشرقية والأخرى فى المنطقة الغربية، موضحًا أن المحافظة تتابع أعمالهما بشكل دائم، حيث يتواجد العاملون فى الشارع على مدار اليوم. وأوضح أن المنظومة تشمل مراحل متعددة تبدأ من النقل إلى المناولات الوسيطة، ثم التوجه بالمخلفات إلى مصانع التدوير، بينما يتم التخلص من المخلفات غير القابلة للتدوير من خلال عمليات دفن آمن بالتنسيق مع وزارة البيئة. وأشار إلى أن المحافظة تعانى من ظاهرة قلب أكياس القمامة فى الشوارع من قِبل النباشين، مؤكدًا أن شرطة المرافق تتعاون مع الهيئة فى مكافحة هذه الظاهرة حفاظًا على المظهر الحضاري من جانبه كشف العميد جمال شعبان، رئيس إدارة النظافة بهيئة نظافة وتجميل القاهرة، عن تفاصيل المنظومة المعقدة التى تعمل ليلًا ونهارًا من أجل إبقاء شوارع القاهرة نظيفة، رغم ما تواجهه من ضغوط بيئية وسكانية متزايدة.. واضاف العميد شعبان أن محافظة القاهرة مقسمة إلى أربع مناطق رئيسية: الجنوبية، الشمالية، الشرقية، والغربية. وتتولى الهيئة الإشراف المباشر على أعمال النظافة فى المنطقتين الشمالية والجنوبية، بينما تتعامل مع شركات خاصة متعاقدة فى الشرقيةوالغربية تحت إشرافها. إحنا شغالين بنظام تكاملي... عمال الهيئة فى مناطق، وشركات النظافة فى مناطق تانية، لكن الكل تحت رقابة ومتابعة، قال شعبان، مؤكدًا على أهمية التنسيق اليومى بين الفرق المختلفة. 13 ألف عامل و3 ورديات وأشار رئيس إدارة النظافة إلى أن أكثر من 13 ألف عامل يعملون حاليًا ضمن المنظومة، يتم توزيعهم على ثلاث ورديات على مدار اليوم لضمان تغطية كل المناطق فى أوقات الذروة وما بعدها. كما تستخدم الهيئة معدات متنوعة، من بينها 38 تروسيكلا متخصصًا لغسيل الأرصفة والشوارع الضيقة، بما يساعد على الوصول إلى مناطق يصعب تغطيتها بالسيارات الكبيرة. القاهرة، بحسب العميد شعبان، تنتج ما بين 18 إلى 20 ألف طن قمامة يوميًا، يتم جمعها من الأحياء ونقلها إلى المناولات الوسيطة، ومنها إلى مصانع التدوير أو إلى مدافن صحية معتمدة.. حجم القمامة مهول، لكن عندنا خطة متكاملة للتعامل معاه، واشتغلنا على تطوير معدات النقل ومحطات الفرز. ظاهرة النباشين أحد أبرز التحديات التى تواجه المنظومة، بحسب شعبان، هو ظاهرة النباشين، الذين يفتحون أكياس القمامة فى الشوارع بحثًا عن مخلفات قابلة للبيع، ما يؤدى إلى تشويه المنظر العام وإعادة نشر القمامة مرة أخرى. وتقوم الهيئة بالتنسيق مع شرطة المرافق لمواجهة هذه الظاهرة، إضافة إلى التوعية المجتمعية بأهمية التخلص الآمن من المخلفات. الأشجار خط أحمر فيما يتعلق بالمساحات الخضراء، شدد العميد جمال شعبان على أن تعليمات القيادة السياسية واضحة: لا يتم قطع الأشجار إلا فى أضيق الحدود، حيث يتم نقلها بدلاً من إزالتها كلما كان ذلك ممكنًا.. وأشار إلى أن الحفاظ على الأشجار والمساحات الخضراء يُعد من أولويات الهيئة، ويتم بالتنسيق مع الإدارات المعنية والجهات البيئية المختصة. العميد وليد أبو النصر ل«الأخبار»: فريق عمل هيئة نظافة القاهرة يعمل 24 ساعة يوميًا دون راحة فى ظل التحديات الكبيرة التى تواجه العاصمة، وفى وقت يتطلب أعلى درجات الجاهزية، تبذل الهيئة العامة لنظافة وتجميل وإنارة القاهرة جهودًا مضنية للحفاظ على نظافة العاصمة ومظهرها الحضاري. «الأخبار» التقت العميد وليد أبو النصر، رئيس مجلس إدارة الهيئة، للحديث عن حجم العمل اليومي، الاستعدادات لعيد الأضحى، خطط التطوير، والتحديات التى تواجه المنظومة. سيادة العميد، ما حجم المخلفات التى تتعامل معها الهيئة يوميًا؟ يبلغ حجم المخلفات اليومية بمحافظة القاهرة نحو 15 ألف طن فى الأيام العادية، لكن الرقم يرتفع فى الأعياد والمناسبات ليصل إلى ما بين 18 إلى 22 ألف طن يوميًا، وهو ما يتطلب من الهيئة جاهزية كاملة على مدار الساعة. وهل تعمل الهيئة فعليًا على مدار 24 ساعة يوميًا؟ بالفعل، فريق عمل الهيئة يعمل 24 ساعة يوميًا، 365 يومًا فى السنة، دون توقف. لا يمكننا التوقف عن العمل ساعة واحدة فقط، لأن أثر ذلك ينعكس فورًا على الشارع، خاصة فى ظل الكثافة السكانية وحجم النشاط فى العاصمة. ماذا عن مخلفات الهدم؟ هل هى ضمن مسئوليات الهيئة؟ نعم، للأسف، جزء كبير من العبء يقع على الهيئة بسبب مخلفات الهدم، سواء الناتجة عن أعمال شخصية أو من مقاولين غير ملتزمين. كثير منهم يقوم بإلقاء المخلفات فى أماكن عشوائية لتوفير الوقت والجهد، مما يشكل عبئًا إضافيًا علينا، حيث نتعامل معها فور تلقى أى بلاغ، حتى لو كانت على محاور رئيسية. كيف تتعامل الهيئة مع الشكاوى والبلاغات؟ نحن نصل إلى نسبة استجابة 100% للبلاغات، سواء القادمة من بوابة الشكاوى الحكومية التابعة لمجلس الوزراء، أو عبر المحافظة، أو من خلال أرقام الهيئة. متوسط سرعة الاستجابة لا يتجاوز الساعة الواحدة. ولدينا الخط الساخن 15264، وكذلك رقم واتساب 01022464711 لتسهيل التواصل مع المواطنين. كم يبلغ عدد العاملين فى الهيئة؟ الهيئة تضم 13 ألف عامل، منهم 8٫000 عمالة ثابتة، 5 آلاف عمالة يومية متغيرة. ونقسم القاهرة إلى أربع مناطق جغرافية: شمالية، جنوبية، شرقية وغربية، وكل منطقة تضم عددًا من الفروع التى تجمع المخلفات من الحاويات وتنقلها إلى نقاط وسيطة، ومنها إلى مصنعى المعالجة فى مدينة السلام و15 مايو. كيف يتم التخلص من القمامة؟ وهل هناك عمليات لإعادة التدوير؟ نعم، المصانع تتعامل مع القمامة على مرحلتين: الفرز واستخلاص المواد القابلة لإعادة التدوير نقل المخلفات عديمة القيمة إلى المدفن الصحى الآمن. ما خطة الهيئة للتطوير؟ تشمل خطتنا عدة محاور، أبرزها: توزيع المهام بين الهيئة وشركتين وطنيتين لضمان التخصص والكفاءة رفع كفاءة العنصر البشرى من خلال التدريب استخدام معدات حديثة مثل المكانس الآلية، سيارات الشفط، التروسيكلات، الحاويات المتطورة تشكيل فرق تدخل سريع لحالات الطوارئ تعزيز الإنتاج الذاتى داخل ورشنا المركزية، لتصنيع ملابس العمل، صناديق القمامة، معدات الصيانة وغيرها، مما يقلل الأعباء المالية ويزيد الكفاءة. حدثنا عن دور القطاع الخاص فى المنظومة الجديدة؟ اعتمدنا نظامًا جديدًا دون إبرام عقود إضافية، حيث تم الاتفاق مع شركتين وطنيتين: شركة «إنفروماستر» لنظافة المنطقة الشرقية شركة «ارتقاء» لنظافة المنطقة الغربية بينما الهيئة تتولى منطقتى الشمال والجنوب ويقوم هذا النظام على التكامل بين القطاعين العام والخاص، والاستفادة من التقنيات الحديثة، مع إشراك المواطنين عبر تطبيقات ذكية وبرامج توعية مجتمعية. ما الرسالة التى تود توجيهها للمواطنين؟ نحن نعمل من أجل نظافة العاصمة، لكن مسئولية النظافة مشتركة. تعاون المواطن معنا بالإبلاغ عن المخالفات، والالتزام بمواعيد وأماكن إلقاء القمامة، يحدث فرقًا كبيرًا. منظومة النظافة فى القاهرة فى طريقها للتطور الكامل، وهدفنا أن يشعر كل مواطن بالفارق فى الشارع، وبجودة الحياة. ما أهم استراتيجية اعتمدتها هيئة نظافة القاهرة لتحقيق تطور ملموس فى الأداء؟ أهم استراتيجية لدينا هى الاعتماد الذاتى والاكتفاء الذاتي، حيث قمنا بإنشاء ورش إنتاجية خاصة داخل الهيئة تنتج جميع متطلبات العمل. ما نوع هذه المتطلبات التى تصنعها الورش داخل الهيئة؟ الورش تصنع ملابس عمال النظافة، وصناديق القمامة، والأثاث المكتبى المستخدم فى مكاتب الهيئة، بالإضافة إلى البرجولات الخشبية، الأسوار الحديدية، واللوحات الإرشادية والتجميلية حتى المشاتل عندنا 5 مشاتل رئيسية لاستخدامها فى التجميل وكمان بنبيع منها للجمهور. وهل كان يتم توفير هذه الاحتياجات من خارج الهيئة سابقًا؟ نعم، سابقًا كنا نستعين بشركات خارجية لتوفير هذه المواد، مما كان يكلف ميزانية الدولة أموالًا كبيرة، أما الآن فكل شيء يُنتج داخل الهيئة، مما يقلل التكاليف ويزيد من الكفاءة. ماذا عن صيانة المعدات؟ كيف تديرون ذلك؟ لدينا ورش متخصصة لصيانة جميع أنواع المعدات الثقيلة والخفيفة مثل اللوادر والأوناش وسيارات النظافة، حيث نقوم بإجراء كافة أعمال الصيانة بداية من الأعطال البسيطة حتى الإصلاحات الكبرى داخل الهيئة دون الحاجة للاستعانة بخدمات خارجية. كيف يؤثر هذا النهج على منظومة العمل؟ هذا النظام يضمن استدامة العمل، يقلل من التكاليف، ويحافظ على كفاءة المعدات والموارد، ويضمن جودة الخدمات التى تقدمها الهيئة للمواطنين يوميًا يعتقد البعض أن دور الهيئة يقتصر فقط على النظافة، لكن اسم الهيئة يشير أيضًا إلى التجميل والإنارة.. كيف تفسر ذلك؟ بالفعل، دور الهيئة لا يقتصر على رفع القمامة فقط، بل يمتد إلى تجميل العاصمة ورفع كفاءتها الشكلية والحضارية. اسم الهيئة يتضمن النظافة والتجميل والإنارة، وبالتالى نحن مسئولون عن كل ما يتعلق بالمظهر الجمالى لشوارع وأحياء القاهرة. ما طبيعة أعمال التجميل التى تقومون بها تحديدًا؟ أى موقع بنُبلّغ عنه، سواء من المواطنين أو من خلال التوجيهات الرسمية، وكان به بؤرة قمامة أو مكان مهمل، لا نكتفى فقط برفع المخلفات، لكن بنقوم بتحويله إلى مساحة جمالية: ممكن تكون حديقة صغيرة، مشتل، أو متنزه للأهالي، بحسب طبيعة الموقع. هل تعتمدون على جهات خارجية فى تنفيذ هذه الأعمال؟ لا، إحنا بنعتمد على أنفسنا بالكامل. عندنا خمسة مشاتل رئيسية تابعة للهيئة، من بينها المشتل الرئيسى الكبير فى البراجيل، واللى بيعتبر من أكبر وأهم المشاتل اللى بنعتمد عليها فى توفير النباتات والأشجار والزهور. وما الذى يشمل تصميم هذه المساحات الجمالية؟ بنقوم بكل شيء داخل الهيئة: الزراعات، تركيب البرجولات الخشبية، الأسوار الحديدية، اللافتات الإرشادية والتجميلية. كل المكونات دى بنصنعها داخل ورشنا الإنتاجية من البداية للنهاية، وده بيوفر علينا وقتا وتكلفة، وفى نفس الوقت بيضمن إن الشكل النهائى يكون متكاملا ويليق بالعاصمة. هل يقتصر التجميل على الأماكن المهملة فقط؟ لا، إحنا بنتعامل كمان مع المحاور الجديدة اللى بيتم إنشاؤها، سواء فى زراعتها أو فى تجميلها بالأسوار أو اللافتات، وده جزء من تعاوننا مع باقى أجهزة الدولة، لأن مظهر العاصمة لازم يكون على أعلى مستوى. البعض يشتكى من قلة عدد صناديق القمامة فى بعض المناطق.. ما تعليقكم؟ الحقيقة إن هذا الانطباع غير صحيح. المشكلة اللى بنواجهها فعليًا هى أن فى بعض المواطنين بيشتكوا حتى لما بنحط صناديق القمامة! كيف يحدث ذلك؟ بمجرد ما بنركّب صناديق قمامة فى بعض المناطق، خاصة فى الأماكن الحيوية أو اللى فيها حركة كبيرة، بييجى وقت الذروة، وتكون الصناديق ممتلئة بشكل مؤقت، فنلاقى ناس بتصوّر المشهد وتبعت شكاوى، وتقول إن وجود الصندوق هو سبب الزحام أو المظهر غير الحضاري، رغم إن الصندوق جزء من الحل مش المشكلة. هل هناك نقص فعلى فى أعداد الصناديق المتوافرة؟ إطلاقًا، إحنا بالفعل عملنا طفرة فى تصنيع صناديق القمامة داخل الهيئة، خصوصًا بعد ما بدأنا الإنتاج الذاتي. صنعنا أكتر من 300 صندوق كبير الحجم مؤخرًا فقط لمنطقتين، وده إنجاز كبير. وكيف تتعاملون مع البلاغات التى تطلب صناديق فى مناطق معينة؟ بمجرد ما بيجيلنا أى طلب رسمى أو بلاغ من المواطنين بخصوص وضع صناديق قمامة، الفرق بتنزل فورًا وبتنفذ. ما عندناش مشكلة فى التوفير أو الاستجابة، لكن بنحتاج كمان تعاونا ووعيا مجتمعيا معانا علشان المنظومة تنجح ختامًا... يبقى أن ما يجرى خلف الكواليس من عمل يومى ضخم ومستمر فى هيئة نظافة وتجميل وإنارة القاهرة، هو جهد لا يراه كثيرون، لكنه يصنع الفرق الحقيقى فى حياة ملايين المواطنين. الهيئة لا ترفع القمامة فقط، بل تبنى منظومة نظافة متكاملة، حديثة، ومستدامة. المشاتل .. رئات خضراء فى قلب القاهرة إنتاج نباتات تتحمل ظروف تغيرات المناخ القاسية ربما لا يعلم كثيرون أن هيئة نظافة وتجميل القاهرة لا تكتفى بجمع المخلفات وتجميل الميادين، بل تمتد مسئولياتها لتشمل كل مساحة خضراء تراها العين فى الشوارع والمحاور الرئيسية. تلك المسطحات المزروعة التى أُنشئت فى مواقع كانت يومًا ما بؤرًا للقمامة أو خرابات، لم تأتِ من مشاتل خاصة أو شركات توريد، بل من مشاتل الهيئة ذاتها. تمتلك الهيئة خمسة مشاتل رئيسية، ويُعد مشتل البراجيل أحد أكبر وأهم هذه المشاتل، حيث لا يُنتج فقط لتجميل المدينة، بل بدأ أيضًا فى بيع النباتات للمواطنين بأسعار رمزية، دعمًا لنشر ثقافة الزراعة والتشجير بين سكان العاصمة. فى قلب البراجيل، وعلى مساحة واسعة من الأفدنة، يعمل العشرات من الفنيين والبستانيين تحت إشراف مهندسين زراعيين، لإنتاج آلاف الشتلات من الأشجار والنباتات التى تُوزّع على الأحياء والميادين والطرق الرئيسية. ويقول المهندس هشام عبد الرازق، رئيس الإدارة المركزية للتجميل، إن دور المشتل لا يقتصر على زراعة الزهور، بل يشمل إنتاج الأشجار المعمرة والنباتات المقاومة لظروف المناخ القاسية فى القاهرة، مثل التيكوما، الجهنمية، النخيل، اللبخ وغيرها. ويضيف أن المشتل يعمل وفق خطط موسمية تشمل إنتاج نباتات صيفية وشتوية، ويُستخدم فيه السماد العضوى الناتج عن مخلفات الهيئة ضمن خطة للاستدامة البيئية، كما بدأ الاعتماد على أنظمة رى حديثة لترشيد المياه. أما أبرز التحديات، فهى التغيرات المناخية ونقص وعى بعض المواطنين الذين يعتدون على المسطحات الخضراء أو يُهملونها، ما يُهدد جهود التشجير. واختتم حديثه قائلًا: نزرع الأمل قبل أن نزرع النبات، ونتمنى أن يكون المواطنون شركاء حقيقيين فى الحفاظ على هذا الجمال. فى الشوارع بحثًا عن مخلفات قابلة للبيع، ما يؤدى إلى تشويه المنظر العام وإعادة نشر القمامة مرة أخرى. وتقوم الهيئة بالتنسيق مع شرطة المرافق لمواجهة هذه الظاهرة، إضافة إلى التوعية المجتمعية بأهمية التخلص الآمن من المخلفات. الورش منظومة صناعية كاملة تلبى احتياجات الهيئة :تصنيع الصناديق والزى وصيانة دورية للمعدات فى قلب القاهرة القديمة، وتحديدًا بمنطقة الدراسة، تقع ورش الإنتاج بهيئة نظافة وتجميل القاهرة، التى تُعد واحدة من أهم المكونات الداعمة لمنظومة النظافة والتجميل فى العاصمة. ورش ضخمة تمتد على مساحة 12 فدانًا، تضم داخلها ما يشبه مدينة صناعية متكاملة تُدار بأيادٍ مصرية خالصة. المهندس خالد سلامة، مدير عام الورش الإنتاجية، كشف عن تفاصيل الدور الكبير الذى تقوم به الورش، والتى لا يعرف عنها الكثيرون، رغم تأثيرها الحيوى فى الشارع القاهري. تضم الورش نحو 17 قسمًا فنيًا متخصصًا، من الحدادة واللحام والنجارة، إلى الكهرباء والسمكرة والمسبك. كما تحتوى على قسم لصيانة المعدات الثقيلة وأقسام لتجهيز زيّ العمال بالكامل، بداية من التفصيل وحتى الطباعة. «الورش دى بتشتغل 24 ساعة، وبنصلح وننتج كل حاجة الهيئة محتجاها»، يقول سلامة، مؤكدًا أن الورش تُدار بكفاءة عالية، ويعمل بها يوميًا ما بين 380 إلى 400 عامل وفني. التصنيع المحلي أحد أبرز إنجازات الورش يتمثل فى تصنيع صناديق القمامة التى كانت تستوردها الهيئة من الخارج بتكلفة تصل إلى 18 ألف جنيه للصندوق الواحد. «دلوقتى بننتجها محليًا بنفس الجودة، وبتكلفة أقل بكتير»، يقول سلامة، مؤكدًا أن التصنيع المحلى ساهم فى خفض ميزانية الهيئة بشكل كبير. صيانة فورية الورش ليست فقط مركزًا للإنتاج، بل أيضًا لإعادة التدوير والصيانة. يتم إصلاح المعدات القديمة وإعادة استخدامها، مما يمنع تعطيل العمل فى الشارع، ويوفر نفقات الاستبدال المستمر. «إحنا بنصلح عربيات النظافة، المعدات، والماكينات فى نفس اليوم، ومفيش حاجة بتوقف». يقول مدير الورش بفخر. الزى الرسمى بأياد مصرية وفى خطوة داعمة للهوية والاقتصاد المحلي، تقوم الورش بإنتاج زى عمال النظافة داخليًا، بما فى ذلك الطباعة والتطريز وتصميم اللوجوهات، ما يجعل العاملين يظهرون بمظهر موحد ومنظم. لا تكتفى الورش بالإنتاج، بل تُعد مركزًا لتأهيل وتدريب العمال الجدد. أى عامل جديد بيتدرّب هنا لحد ما يبقى جاهز للشغل فى الشارع أو الورش، يقول سلامة، مضيفًا أن الهيئة تعتمد على سياسة الإحلال والتطوير دون توقف. الاكتفاء الذاتي يسعى فريق الورش إلى تحقيق الاكتفاء الذاتى الكامل من كل احتياجات الهيئة، مع دعم مشروعات محافظة القاهرة الأخرى، لتكون الورش نموذجًا فى التكامل والاستدامة على مستوى الجهاز الإدارى للدولة. فى وقت تبحث فيه الدولة عن حلول اقتصادية فعالة ومستدامة، تبرز ورش هيئة نظافة وتجميل القاهرة كنموذج يُحتذى به فى الاعتماد على الذات، وتحقيق التوازن بين الكفاءة والتكلفة. هى الجبهة غير المرئية التى تساهم يوميًا فى بقاء العاصمة جميلة ونظيفة دون أن يراها أحد.