العمق أم الإبهار؟.. ذلك السؤال فرض نفسه على عقب طرح تجربة فيلم "المشروع X".. دون شك يشكل الفيلم نقلة نوعية في السينما المصرية من حيث استخدام التقنيات الحديثة، بتعدد عناصر الإبهار الحديثة من تصوير وأكشن ومؤثرات بصرية، والتي تشكل عوامل الجذب لدى القطاع الأكبر من جمهور الشباب الذي يمثل القوة المؤثرة في شُباك التذاكر، والداعم الاقتصادي الأول لصناعة السينما، وأيضا من حيث الفكرة التي يدور حولها الفيلم وطرحه لسؤال مهم لازالت اجابته مجهولة حتى اليوم حول سر بناء الأهرامات، وهو "هل الهرم الأكبر بنى كمجرد مقبرة أم لأغراض أخرى سرية؟"، وصحيح أن الفيلم حقق طفرة كبيرة في إيرادات شباك التذاكر، لكن في إطار رحلة المغامرات المدهشة، وأفتقد إلى لحظات العمق في بناء شخصياته، والملمح الدرامي للأبطال مهم، ولدينا محاكاة كثيرة لأفلام مثل سلسلة "أنديانا جونز" بطولة هاريسون فورد، حيث دور عالم الآثار والمغامر الدكتور هنري "إنديانا" جونز، وهي من إخراج ستيفن سبيلبرج وجورج لوكاس. كانت هناك دائما بجوار الأكشن علاقات متشابكة للبطل بجانب المغامرة والبحث عن الكنز أو إجابة السؤال المطروح . في فيلم "المشروع إكس"، نعم هناك أداء تمثيلي جيد لكريم عبدالعزيز وإياد نصار وأحمد غزى، ذلك الثلاثي الذي يملك قدرات تمثيلية هائلة، وهناك صورة خارجية مبهرة بتقنيات وفقا للتصوير الخارجي المتعدد من القاهرة إلى الفاتيكان وحتى أعماق البحار، في تجربة جريئة تحسب للمخرج بيتر ميمي، لكن السيناريو الذي كتبه ميمي أيضا لم يكن على نفس الدرجة من القوة لشراء روح الحبكة، وقد ركّز بشكل مبالغ فيه على مشاهد الحركة والمطاردات على حساب تطور الشخصيات وأصالتها والحبكة الدرامية، كما لم يوفر مساحة حقيقية لتألق النجوم بشكل أعمق بأبعادها النفسية. يصطدم البطل "يوسف الجمال" عالم المصريات بعقبات تتنوع بين الطبيعة القاسية والمؤامرات الغامضة، حيث يفقد زوجته ويواجه جهة مُعادية لما يقومون به من أبحاث تتعلق بالهرم، ويدخل مستشفى للأمراض العقلية بتهمة قتل زوجته، لكن نغوص في ملامح مهمة لتلك الشخصية وأبعادها الاجتماعية . اقرأ أيضا: «المشروع X» ينفرد بصدارة إيرادات شباك التذاكر في السينما، يبقى العمق والبراعة في الإبهار عاملين مهمين، لكنهما يخدمان غرضين مختلفين، يشير العمق إلى فهم الأبعاد المختلفة في الفيلم، مما يخلق إحساسًا بالمساحة والتعدد في مفاهيم الأفكار، أما البراعة في الإبهار، فتتعلق بالتأثير البصري العام ووضوح الصورة، والذي يتحقق غالبًا من خلال المفردات الفنية الخاصة . نعم يُعد العمق في السيناريو أمرًا بالغ الأهمية لخلق شعور بالواقعية والانغماس في عالم الفيلم، ويتحقق ذلك من خلال تقنيات مثل الرسوخ في عوالم الشخصيات والتركيز فيما وراء اللقطة والمشهد لعيش الجمهور في منطقة تفكير أخرى يحاول الفيلم ترسيخها. وخلق شعور بالمنظور والعلاقات المكانية والزمانية في رحلة شخوصة، لجذب انتباه المشاهد مع خلق صورة جذابة بصريًا. في النهاية، يتكامل العمق والإبهار لخلق تجربة سينمائية حقيقية، فالفيلم ذو العمق القوي يخلق شعورًا بالواقعية والانغماس، بينما تجعله الصورة الرائعة أكثر جاذبية بصريًا. تارانتينو الذي عرفت أعماله منتهى التشويق واجهت انتقادات بأنها تفتقر إلى العمق، وزعم النقاد أن تارانتينو غالبًا ما يعطي الأولوية للأسلوب على الجوهر، مع التركيز على الحوار والعنف والإشارات إلى الثقافة الشعبية بدلاً من استكشاف الموضوعات المعقدة أو تطوير الشخصية، وكذلك بأن أساليبه المستخدمة مكررة، مثل الانتقام والنمطية بالقصص، وقد يقلل من استكشاف السرد بشكل أعمق، ولجوءه إلى العنف كوسيلة ترفيه، حيث تشتهر أفلام تارانتينو بعنفها الذي يشعر بعض المشاهدين بأنه يطغى على أي عمق موضوعي محتمل، مما يقلل من شأن القضايا الخطيرة إلى مجرد مشهد. في نهاية المطاف، أرى أنه يبقى افتقار أفلام تارانتينو للعمق مسألة تحتاج تفسير لدى البعض، بينما هناك مشاهدين يُقدّرون أسلوبها وقيمتها الترفيهية، بينما يسعى آخرون إلى استكشاف أعمق للموضوعات، وغالبًا ما يكشف التفاعل مع أفلامه عن طبقات من المعاني التي قد تُثير نقاشًا وتحليلًا عميقين، وأنا أميل لتلك الرؤية التي جمعت طرفي المعادلة المفقودة إلى حد ما في فيلم بيتر ميمي .