الفن التشكيلى مجموعة متنوعة من الإبداعات البصرية التى تعكس ثقافات وحضارات الشعوب، ولكل مبدع تجربة تحمل بصمته الخاصة التى تترجمها أعماله.. «مصر هبة النيل».. مقولة شهيرة للمؤرخ اليونانى «هيرودوت»، وهناك العديد من القصص والأساطير ترتبط بنهر النيل لعل أهمها والأكثر شيوعًا أسطورة «عروس النيل» التى تعود إلى حكم الملك زوسر أحد ملوك الأسرة الثالثة، وقد ظهر آنذاك جفاف النيل، وطلب الملك رأى أحد الكهنة.. والذى رد: أن النيل فى حالة غضب شديد لأنه يريد الزواج من فتاة جميلة، لذا قرر الملك إحضار جميع الفتايات الجميلات، وتم اختيار أجملهن لكى يتم تقديمها قربانًا للنيل «إله الخير» كما كان يطلق عليه، حيث تقوم الفتاة بعد الاحتفال بها بإلقاء نفسها فى النيل وكل أملها أن تلقى حبيبها «إله الخير» فى العالم الآخر..، وأصبحت تلك الأسطورة تروج لعلاقة المصريين بنهر النيل كنوع من الوفاء بفضل النيل عليهم. اقرأ أيضًا | ثقافة المنوفية تنظم معرضًا للفنون التشكيلية احتفالا بأعياد الشرطة سحر النيل لا شك أن نهر النيل له تأثير كبير على الشعراء والكتاب والفنانين، فهناك من كتب أبياتًا عن النيل مثل أحمد شوقى، وإبراهيم ناجى، فضلًا عن العديد من الروايات التى تتحدث عنه كمصدر للحياة مثل «ثرثرة فوق النيل» لنجيب محفوظ، أما الفن التشكيلى فقد سطر تاريخًا من خلال رسم لوحات تعكس قيمة وسحر هذا النهر العظيم، بداية من لوحات المستشرقين التى تغزّل أصحابها فى جمال نهر النيل وحتى وقتنا الحالى.. الذى مازال التشكيليون يجدون المتعة فى تجسيده فى لوحاتهم. الفنان عادل مصطفى أستاذ التصوير بكلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية يقدم لنا رؤيته وإحساسه تجاه نهر النيل من خلال معرضه المقام بقاعة الزمالك بعنوان «أحباب النيل»، حيث رسم مجموعة لوحات رومانسية تعكس أثر هذا النهر فى قلوب محبيه، وكيف نشأت الحضارات على ضفافه، كما كان شاهدًا على العديد من قصص الحب، فضلًا عن اللقاءات المنفردة والمناجاة التى تدور بين الأشخاص والنيل كأنه صديق فى حياتنا لا نملّ من النظر إليه وقضاء معظم الأوقات بجانبه. شمس الأصيل استمد عادل مصطفى فكرة معرضه من أغنية أم كلثوم «شمس الأصيل» الذى كتب كلماتها بيرم التونسى حيث قال: ذهبت خوص النخيل يانيل.. تحفة ومتصوّرة فى صحبتك ياجميل، والناى على الشط غنّى والقدوة بتميل على هٌبوب الهوا لما يمر عليل.. يانيل أنا واللى أحبه نشبهك فى صفاك.. من هنا جسد عادل عدة لوحات مبهجة تعكس رؤيته وأحاسيسه تجاه هذا النهر العملاق الذى يعد محور حياتنا. أحباب النيل هذه لوحة تلخص الأسم الذى أطلق على المعرض، وربما هى الأنسب أن تكون البطل وتحمل عنوانه.. «أحباب النيل».. اللوحة مرسومة بألوان الزيت مع ورق ذهب وفضة على كانفس فى مساحة 3x2م، وتلخص حالة العشق لنهر النيل، حيث اهتم الفنان أن ينشر البهجة فى أركان اللوحة من خلال مجموعة الألوان المتنوعة ما بين الأحمر والأصفر والأخضر والبنفسجى، والتى تظهر فى مجموعة المراكب والورود والأشجار وملابس الجالسين من الفتايات والفتيان على أحد المراسى على نهر النيل، فهذا ركن يجلس فيه عاشقان فى حالة من التأمل والسكون وكأنهما فى حوار صامت مع مياه النيل الساكنة، وهناك على الجانب الآخر تجلس فتاة بجوار صديقتها، وهذه فتاة تجلس بمفردها فى حالة من الشرود الذهنى والتأمل، وهناك على مرمى البصر يتحرك قارب ببطىء وهو يحمل فتى وفتاة، وقارب آخر يجلس على أطرافه شاب من جهة وآخر من الجهة الأخرى، الكل يشترك فى فعل واحد وهو السكون والتأمل، الجميع يناجى ويحاور ويحدق فى النيل، وكأن هناك علاقة مودة وحب تربطهم جميعًا بهذا الشريان. أسرار محبيه اختار الفنان هذا الكادر ليعكس قدر هذا النهر فى قلوب محبيه وتجمعهم حوله ومشاعره الفياضة تجاهه، الخطوط والظل والنور تؤكد أننا أمام فنان يحمل فى قلبه مشاعر دافئة وبساطة وتأمل ليسبح بنا فى عالمه الخاص الملئ بالرومانسية والبهجة.. حيث المساحات الخضراء التى تشع بالأمل والتفائل.. فضلًا عن انعكاس ألوان الزهور والأشجار فى مياه نهر النيل وكأنها تميل معه يمينًا ويسارًا، والطريف أن شخوص عادل مصطفى تشبه العرائس الخشبية التى تعود بنا إلى الطفولة البريئة، فالفتى عنده يرتدى جلبابًا وطربوشًا أحمر، والفتاة ترتدى جلابية زاهية اللون مزرقشة، وشعرها طويل بضفيرة واحدة..«أحباب النيل» .. معرض يعكس عشق الفنان لنهر النيل الذى سيظل حاملًا أسرار محبيه.