انعقاد منتدى قادة السياسات المصرى الأمريكى بالقاهرة أمس جاء فى وقته.. ليرد على ما تردد بأن أمريكا تسعى لحصار مصر اقتصاديا مثلما حدث أيام الرئيس جمال عبدالناصر.. وعنوانه: القاهرةوواشنطن حريصتان على إبقاء خطوط التعاون بين البلدين. المنتدى الذى جمع مسئولين رفيعى المستوى من الجانبين المصرى والأمريكي، وكبار المستثمرين من القطاع الخاص، لم يكن مجرد حدث اقتصادى بروتوكولي، بل رسائل استراتيجية عميقة، سواء فى الملفات السياسية أو الاستثمارية أو على مستوى التوازنات الجيوسياسية. ورغم الخلافات فى بعض الملفات خصوصا القضية الفلسطينية والأوضاع فى غزة، أثبت المنتدى أن المصالح الاقتصادية لا تزال تمثل أرضية صلبة يمكن البناء عليها، والولايات المتحدة لا تزال من أكبر المستثمرين فى مصر، خصوصًا فى مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا، وهو ما تسعى مصر للحفاظ عليه رغم التحديات. من منظور مصري، يمثل المنتدى فرصة لعرض النجاحات فى برنامج الإصلاح الاقتصادي، وجذب استثمارات جديدة تخفف من ضغوط الدين ونقص العملة الأجنبية، ومصر قدّمت نفسها كشريك إقليمى مستقر، وبوابة استراتيجية للاستثمار فى إفريقيا والشرق الأوسط، وهى رسالة مصرية مهمة للجانب الأمريكي. ومن المنظور الأمريكي، فقد أكد المنتدى التزام مصر بخطوط التعاون الاستراتيجى فى ظل عالم يتغير بسرعة، واشنطن لا تريد لمصر أن تبتعد كثيرًا عن فلكها، لكنها تدرك أن الاستقلالية التى تسعى إليها القاهرة ليست نزعة عدائية، بل ضرورة جيوسياسية فى عالم متعدد الأقطاب. والرسالة الأهم : لم يعد ممكنا حصار مصر اقتصاديًا، لأنها دولة تعرف كيف تدير علاقاتها، وتصيغ مواقفها بما يخدم أمنها القومى ومصالح شعبها، دون أن تنعزل عن محيطها أو تتخلى عن دورها التاريخي، وكما كانت دائمًا قوية بإرادتها مستقلة بقرارها ومؤثرة بحضورها. ومعنى الرسالة : الاقتصاد المصرى رغم ما يواجهه من تحديات، يملك من المقومات ما يكفى للصمود والمناورة، من قناة السويس التى ما زالت تشكّل شريانًا حيويًا للتجارة العالمية رغم اضطرابات البحر الأحمر إلى ثرواتها الطبيعية وأسواقها الكبيرة، وصولًا إلى قدرتها على التحول إلى مركز إقليمى للطاقة، وتعاونها مع مؤسسات دولية وشركائها فى الخليج وأوروبا وآسيا، يجعل منها لاعبًا لا يمكن تهميشه أو فرض العزلة عليه. وسياسيا : تنتهج مصر منذ سنوات سياسة خارجية تقوم على مبدأ الاتزان وتحقيق التوازن بين المصالح الوطنية والانفتاح على العالم، بهدف إعادة ضبط الإيقاع الإقليمى عبر دعم الحلول السياسية، ورفض منطق إشعال الأزمات أو التورط فى استقطابات حادة تعمّق الانقسام. وتتحرك مصر إقليميًا لفك الحصار السياسى والاقتصادى عن عدد من الدول التى تعانى من النزاعات والضغوط، ما يضعها فى موقع القيادة لا التبعية، فهى لا تنتظر الدعم بل تبادر بالمساهمة فى حل الأزمات، وتدفع باتجاه السلام العادل والشامل بدلًا من تأجيج الصراعات .