جاءت استضافة سلطنة عُمان الأسبوع الماضي، اجتماعات الطاولة المستديرة ال13 للصين حول الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، في إطار دعمها المتواصل لجهود التعاون الدولي، وترسيخ مكانتها كونها منصة رئيسية للحوار الاقتصادي على المستويين الإقليمي والعالمي. مع تعزيز الشراكات الدولية، وإبراز أهمية التكامل الاقتصادي العربي، وتحفيز الاستثمار، في ظل الحاجة المتزايدة إلى آليات تجارية عادلة وشاملة، تعكس تطلعات الشعوب نحو نمو مستدام وشراكة متوازنة، تهدف لدعم الحوار البنّاء وتعزيز التعاون في إطار النظام التجاري المتعدد الأطراف. اكتسبت هذه الاستضافة أهمية كبيرة لإنعقاد هذه الدورة بالتزامن مع الذكرى ال25 لانضمام سلطنة عُمان إلى منظمة التجارة العالمية، التي تعتبر محطة بارزة وانخراط فعّال في الاقتصاد العالمي، حيث عملت عُمان خلال هذه السنوات على تعزيز بيئة الأعمال، وتطوير الإطار التشريعي بما يتوافق مع معايير منظمة التجارة العالمية، ولم تكتفِ عُمان بالانضمام إلى المنظمة، بل كانت من الدول الفاعلة التي أسهمت في تطوير العمل داخل المنظمة، وقدمت الدعم الفني للعديد من الدول، خصوصًا الدول العربية، في مساعيها للانضمام. وقد أسهمت عُمان بفعالية في دعم انضمام كل من جمهورية سيشل الأفريقية واتحاد جزر القمر لمنظمة التجارة العالمية، وذلك من خلال تقديم الدعم الفني والمالي وقيادة مجموعات العمل المعنية، وهو ما يعكس التزام سلطنة عُمان بمبادئ التعاون الدولي والتنمية المشتركة. المؤكد أن البيئة الاستثمارية في سلطنة عُمان قد شهدت تضاعفًا ملحوظًا خلال الأعوام ال 25 الماضية منذ الانضمام إلى المنظمة؛ حيث تجاوز حجم الاستثمارات حاليًّا 30 مليار دولار. كما تنوّعت الاستثمارات لتشمل قطاعات متعددة مثل: الغذاء، والخدمات اللوجستية، والنفط والغاز، إضافة إلى مجالات أخرى تسهم في جذب الاستثمارات من مختلف دول العالم. ومن المؤمل أن تسهم هذه الاجتماعات في تعميق التعاون العربي والدولي ضمن إطار منظمة التجارة العالمية، إلى جانب تعزيز مكانة سلطنة عمان كوجهة رئيسية للحوار الاقتصادي والدبلوماسية التجارية على الصعيدين الإقليمي والدولي. المؤكد أن الطاولة المستديرة الصينية ال13 مثلت فرصة لبحث سبل دعم الدول النامية بما فيها الدول العربية في تسريع انضمامها إلى النظام التجاري متعدد الأطراف، وتحقيق الاستفادة القصوى منه، وهو أمر تعمل سلطنة عُمان جاهدة على تحقيقه. فالصين منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية دأبت على دعم النظام وتعزيزه مدركة التحديات التي تواجه الدول الأقل نموًا، وقدّمت لها الدعم عبر برامج متخصصة أبرزها "برنامج الصين" الذي ساعد دولًا مثل اليمن وجزر القمر على الانضمام للمنظمة واكتساب المهارات اللازمة للتكيّف مع قواعدها. إذ تطبّق الصين سياسة تعددية أطراف حقيقية، وتدعم اندماج الدول العربية بشكل أعمق في النظام التجاري العالمي، وساهمت على مدى العقود الثلاثة الماضية في تسهيل التجارة الدولية. وفي ضوء ما طرحته أمريكا من إجراءات مثل "الرسوم الجمركية المتبادلة" تمسكت الصين بالقواعد الدولية ومبادئ العدالة التجارية، وتواصل توسيع انفتاحها الاقتصادي، حيث منحت إعفاءً كاملًا من الرسوم الجمركية لجميع الدول الأقل نموًا التي تقيم معها علاقات دبلوماسية، كما أنها ماضية في مواءمة سياساتها الاقتصادية مع المعايير الدولية الحديثة لا سيما في مجالات الاستثمار والتجارة الإلكترونية. تُعد اجتماعات الطاولة المستديرة منصة سنوية رفيعة المستوى تجمع ممثلي حكومات الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية والدول في طور الانضمام، وتهدف إلى مناقشة سبل اندماج الأعضاء الجدد في النظام التجاري متعدد الأطراف القائم على القواعد. وفي سياق متصل، يعزز التعاون الاقتصادي والاستثمارات المشتركة ويعزز من فعالية الدبلوماسية الاقتصادية، دشنت سلطنة عُمان مكتبها التجاري في واشنطن، إذ يهدف المكتب التجاري العُماني في الولاياتالمتحدة الأميركية إلى دعم الصادرات العُمانية إلى السوق الأميركي، وتعزيز استيراد السلع الأمريكية عالية الجودة، وجذب الاستثمارات الأميركية إلى سلطنة عُمان، وتمكين الشركات العُمانية من التوسع في الأسواق الأميركية وتعزيز الشراكات التجارية. كما يقوم المكتب بدور محوري في تنسيق الوفود التجارية، وتنظيم لقاءات الأعمال، وتقديم النصح والاستشارات في شأن الاستفادة من اتفاقية التجارة الحرة بين سلطنة عُمان والولاياتالمتحدة الأميركية، وتوفير تقارير اقتصادية تُسهم في دعم اتخاذ القرارات في مجال التصدير للمنتجات العمانية ودعم الاستثمارات المتبادلة. ووفقاً للدراسات الاقتصادية الدولية، يُعد تدشين هذا المكتب التجاري أحد المخرجات البارزة للحوار الاستراتيجي بين سلطنة عُمان والولاياتالمتحدة الأميركية، ويسهم في تعزيز وتوسيع التبادل التجاري والاقتصادي بين البلدين في إطار تعزيز وتنمية العلاقات التجارية المشتركة. ولا شك أن إنشاء المكتب يأتي ضمن خطة توسع لمكاتب التمثيل الخارجي لسلطنة عُمان في عدد من الأسواق المستهدفة، لتعزيز حضور سلطنة عُمان على الساحة الدولية وتكثيف جهود الترويج الاستثماري والتجاري، خاصة أن السوق الأميركي يُعدّ أحد أهم الأسواق التجارية لسلطنة عُمان، خاصة في ظلّ اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين البلدين، والتي تفتح المجال أمام مزيد من التسهيلات التجارية والفرص الاستثمارية النوعية، وسيسهم هذا المكتب في رفع فاعلية الوصول إلى البيانات والفرص التجارية، وتتطلع عُمان إلى أن يسهم هذا التمثيل الخارجي في تمكين الشركات العُمانية من الدخول في سلاسل القيمة العالمية، وتعزيز التكامل الاقتصادي مع شركاء عالميين في مختلف القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية. كما سيُسهم المكتب في تسهيل حركة التجارة البينية وتوفير المعلومات والبيانات الاقتصادية التي تُساعد على اتخاذ قرارات مدروسة، إلى جانب دوره في التنسيق مع الجهات المعنية لمعالجة التحديات التي قد تواجه المصدرين والمستثمرين العُمانيين، سواء من حيث المتطلبات الفنية أو الإجراءات التنظيمية في إطار توجه الغرفة نحو توسيع قاعدة التنويع الاقتصادي بما ينسجم مع توجهات رؤية "عُمان 2040"، الهادفة إلى تمكين قطاع خاص قادر على قيادة اقتصاد تنافسي ومندمج مع الاقتصاد العالمي، قائم على الابتكار، وتعزيز الكفاءة التنافسية، واستثمار الفرص الواعدة في الأسواق الخارجية. يُعد افتتاح المكتب التجاري العُماني في الولاياتالمتحدة الأميركية خطوة نوعية لتوفير أدوات عملية تُمكّن القطاع الخاص العُماني من التوسع في الأسواق الدولية، خاصة السوق الأميركي الذي يُعد من أكبر الأسواق وأكثرها تنافسية على مستوى العالم، فالمكتب لا يقتصر دوره على تعزيز الصادرات أو جذب الاستثمارات فحسب، بل يمثل منصة استراتيجية تُعزز الحضور العُماني في المحافل الاقتصادية العالمية، وتفتح آفاقاً جديدة للشركات التجارية العُمانية الأميركية. إجمالي القول أن عُمان تواصل تنفيذ استراتيجيتها الاقتصادية الفعالة في التواجد في الأسواق الإقليمية والعالمية ودعم جهود المؤسسات الاقتصادية الدولية من جانب، والبحث عن البدائل الأخرى التي تعمل على تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية مع الدول الكبرى ولعل تدشينها مكتبها التجاري في الولاياتالمتحدةالأمريكية خير دليل على نهجها الفعال الهادف نحو تحقيق مستهدفات الرؤية المستقبلية 2040.