فى مظاهر من الأبهة والفخر، أحيت روسيا الذكرى ال 80 للنصر على ألمانيا النازية فى الحرب العالمية الثانية.. ويأتى الاحتفال الذى تقيمه موسكو سنويًا، بشكل مختلف هذه المرة. فمنذ اندلاع الحرب فى أوكرانيا فى فبراير 2022، كانت الاحتفالات مناسبات لحشد الهمم لمواصلة الحرب واستعراض قدرة البلاد على تحييد العقوبات الغربية وكذلك إحباط مساعى عزلها سياسيًا على الصعيد الدولى عقابًا لها على قتالها فى أوكرانيا.. وبالتالى فكانت مناسبات لاستعراض مقاومة البلاد عسكريًا «فى أوكرانيا» وسياسيًا «على الصعيد الدولى». اقرأ أيضًا | الخاسرون 9 الفائزون :أمريكا.. إعادة ضبط دفة السياسة الخارجية لواشنطن لكن الأمر مختلف هذه المرة ففى احتفالات هذا العام، أمكن لمس نشوة الانتصار بالفعل.. فلا شك أنه بعد 3 سنوات من القتال، ورغم إمدادات عسكرية واقتصادية غربية لأوكرانيا بما يقرب من 250 مليار دولار، فقد انتصرت روسيا، وانعكس الابتهاج بهذا الانتصار فى مظاهر القوة والفخر التى سادت الاستعراضات العسكرية والأجواء العامة للاحتفال. لم تنتصر روسيا فقط باحتفاظها بمواقع الروس شرق أوكرانيا، لا سيما إقليمى دونيتسك ولوجانسك، لكن انتصارها كان أيضًا فى مقاومة اقتصادها للعقوبات، ومقاومة عزلها سياسيًا على الصعيد الدولى، بحيث إن الغرب بدا، فى هذه الحرب وفى دعمه كييف، هو المعزول عن العالم. ويقاس الانتصار أيضًا بالنتائج التى ربما لم تكن روسيا تستهدفها أو تخطط لها من الأصل. أهم الننائج التى أدت إليها الحرب فى أوكرانيا وصبت فى الصالح الروسى هو تفتت الكتلة الغربية وانهيار الثقة والتحالف تدريجيًا، بين أطرافها. وكذلك بداية التشكيك فى وجوب الاعتماد على الدولار كعملة احتياط عالمية، وكذلك انهيار الهيمنة الأمريكية، بمعنى خسارة مناطق شاسعة لنفوذها، لصالح نظام دولى متعدد الأقطاب، يحترم الصعود الروسى. جاءت احتفالات هذا العام، فى وقت تجاوز التفاهم الروسى الأمريكى فيه الملف الأوكرانى، ليظهر عن بُعد تنسيق يتعلق بملفات أخرى. وانعكس هذا فى تصريحات قوية للرئيس الأمريكى دونالد ترامب بثنائه على الرئيس الروسى فلاديمير بوتين كرجل يريد السلام، وذلك فى أعقاب أكثر من لقاء جمع مبعوثه ستيف ويتكوف ببوتين. هذه التصريحات تتعدد دلالاتها ، فمن ناحية تؤشر لمسار متوقع من «المصالحة الأمريكية - الروسية»، ومن ناحية أخرى، فهى دليل على التحدى الشخصى من ترامب لأقرانه الأوروبيين. ربما يرى الأوروبيون حاليًا أن بوتين بات له صديق فى أمريكا. وهو ما يمثل لهم ذعرًا أمنيًا لا يؤدى إلى لمزيد من الزخم لدعوات ليس فقط الاستقلال الدفاعى عن الولاياتالمتحدة، بل السياسى أيضًا. ومع ذلك، فهذا الحشد الأوروبى وراء مسائل الدفاع يهدف فى مضمونه إلى ردع روسيا، وليس الهجوم عليها. بمعنى أن الأوروبيين فى إتفاقهم ذلك يتحسبون من قوة روسيا ويهدفون لردعها، لكن دون أن يكون ذلك الحشد العسكرى حافزًا لهم على استفزاز هذه القوة الروسية.. وهو اعتراف ضمنى بالصعود القوى لروسيا لمسار القوة العظمى، وكان أيضًا منعكسًا فى أجواء الاحتفال.