منذ أيام «2 مايو الجارى» احتفلت إسرائيل بذكرى يوم الاستقلال «اغتصاب فلسطين» وبعد أيام «15 مايو» تحل ذكرى نكبة فلسطين.. 77 عاما من القتل والترويع والحروب، ولم يستسلم الشعب الفلسطينى، ويتصدى لمحاولات تصفية قضيته. ذكرى النكبة حين شُرّد أكثر من 400 ألف فلسطيني، ودُمّرت مئات القرى، وسُرقت أرض، وغُرست إسرائيل فى قلب المنطقة بالقوة والدم والحديد والنار، وكأن اغتصاب وطن وتشريد شعب يمكن أن يُخلّد كإنجاز أخلاقى للدولة الصهيونية، ويمحو عار حروبها ضد الإنسانية. والسؤال الذى يجب أن يُطرح على كل إسرائيلى : إلى متى ستظل آلة الحرب مفتوحة على الشعب الفلسطيني؟ وهل تعتقدون أن مزيدًا من القتل والقمع سيحقق لكم الأمن والاستقرار ويمنحكم شرعية التعايش وسط شعوب ودول المنطقة؟ الواقع يقول غير ذلك، ولغة الدم لا تصنع سلامًا، ولا تؤسس لدولة مستقرة، والدم لا يغسله الدم، بل تبرّده مياه باردة من الحكمة، توقف النزيف وتضمد الجراح، وتفتح طريقًا للحياة الطبيعية، أما الانتقام وسياسات البطش، واستراتيجية العقاب الجماعي، فلا تؤدى إلا إلى مزيد من الأحقاد، وتغذّى دوائر الكراهية التى تحيط بإسرائيل من كل الجهات. أثبتت التجارب المرة، منذ 1948 أن الشعب الفلسطينى لن يتنازل عن حقه فى أرضه ووطنه ودولته المستقلة، وكل يوم يولد فلسطينى جديد، وفى عروقه تسرى ذاكرة الدم وفى وجدانه الإصرار على الحرية والمقاومة، فما زرعته إسرائيل من عنف وظلم، سوف تجنيه جيلا بعد جيل. وبدأت نذر التصعيد تتكثف مع اقتراب الذكرى، فحملات الاعتقال لم تقض على المقاومة، والغارات الجوية على غزة أوقعت شهداء، وتستعد الساحات فى الضفة والقطاع والداخل المحتل ومخيمات الشتات والعواصم العربية والغربية، لإحياء ذكرى النكبة بفعاليات تُسمع العالم من جديد صوت القضية الفلسطينية، الذى حاول البعض طمسه. ويبقى السؤال: هل تستطيع إسرائيل أن تضمن بقاءها وأمنها واستقرارها بالقوة وحدها؟، وهل يمكن لاحتلال أن يتحول إلى كيان طبيعى مقبول، دون الاعتراف بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطينى؟. صحيح أن الحلم الفلسطينى من إقامة الدولة المستقلة ذات السيادة الكاملة وعاصمتها القدسالشرقية، أصبح المطالبة بوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية، وهذا التراجع المؤلم يعكس حجم التحديات وشراسة الواقع المفروض على الأرض. فما كان يُطرح فى المحافل الدولية بوصفه «الحل العادل» تحول اليوم إلى مطالب دنيا لا ترقى حتى لحدود الكرامة الإنسانية، أصبح الصوت الفلسطينى يصرخ من تحت الركام، طلبًا للغذاء والدواء والنجاة من آلة الحرب. ورغم هذا الانحدار المؤقت فى سقف الطموحات، تبقى القضية الفلسطينية حيّة لا تموت، لأن وراءها شعبا لا ينكسر، شعبا يواجه الحصار بالكرامة والموت بالأمل، ويجدد العهد مع قضيته فى كل لحظة صمود.