السؤال المهم اليوم هو هل ستتخلى واشنطن فعلا عن ازدواجية معاييرها وتواجه أجندة نتنياهو التخريبية؟ الكاتب الأمريكى اليهودى الشهير توماس فريدمان نشر أول أمس تحليلا مهما فى صحيفة «نيويورك تايمز».. كلماته هزت الصورة التقليدية للتحالف الأمريكي-الإسرائيلى وقال إن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو لم تعد حليفة وصديقة للولايات المتحدة، بل أصبحت تهدد المصالح الأمريكية فى المنطقة!!. فريدمان أشار إلى الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكى دونالد ترامب للشرق الأوسط الأسبوع المقبل وكتب يقول: «إن سفرك إلى هناك ولقاءك بقادة السعودية والإمارات وقطر وعدم وجود خطط لديك لمقابلة نتنياهو فى إسرائيل يوحى لى بأنك بدأت تدرك حقيقة جوهرية: أن هذه الحكومة الإسرائيلية تتصرف بطرق تهدد المصالح الأمريكية الأساسية فى المنطقة. نتنياهو ليس صديقنا». فريدمان يرى أن حكومة نتنياهو الحالية هى الأولى فى تاريخ إسرائيل التى لا تُعطى أولوية للسلام مع العرب، بل تركّز على ضمّ الضفة الغربية وتهجير الفلسطينيين واصفا حكومة نتنياهو «ليست حليفة لأمريكا وتعرض مصالحها للخطر». هذا التحليل الجريء أرى أنه يتقاطع مع تحذيرات مصر المتكررة من أن إسرائيل تحت حكم اليمين المتشدد تحوّلت إلى كيانٍ يهدد الاستقرار الإقليمى عبر سياسات التوسع الاستيطانى والعدوان المتكرر على غزة، ما يضعف ثقة الشعوب العربية فى جدوى السلام مع هذا الكيان. إن معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية التى تُعتبر أحد أندر النماذج الناجحة لحلّ الصراعات فى العالم تواجه منذ حرب غزة خطرًا حقيقيًا فى ظل حكومة إسرائيلية متطرفة تتبنى سياساتٍ تتناقض مع السلام بل تسعى لهدمه.. وهنا نقول كيف يمكن الحفاظ على معاهدة سلامٍ تاريخية مع طرفٍ يُعلن عداءه لمبادئها؟.. المعاهدة التى بذلت مصر والولاياتالمتحدة جهودًا جبارة لتحقيقها واستعادت بموجبها سيناء، لم تكن مجرد لقاءات دبلوماسية عادية، بل كانت عقدًا لتحويل الصراع من مواجهة عسكرية إلى تفاوض سياسى يحقق العدل. لكن حكومة نتنياهو، برؤيتها التوسعية تسعى كل يوم إلى تحويل هذا الإنجاز إلى حبرٍ على ورق وعبر انتهاكاتٍ يومية تذكر الفلسطينيين والعرب بأن السلام مع إسرائيل فى ظل هذه الحكومة هو مجرد هدنة مؤقتة. لطالما أكدت مصر أن سلامها مع إسرائيل ليس نفيًا للحقوق الفلسطينية بل مدخل لحلّ عادل. لقد حولت الحكومة الإسرائيلية الحالية غزة إلى سجن مفتوح ودمرت كل مظاهر الحياة فيها وتعمل على تحويل الضفة الغربية إلى مستوطنات معزولة مما يُهدد الأمن القومى المصرى والعربي. فمشاريع التهجير التى يروج لها نتنياهو وحكومته لن تؤدى إلا إلى تصدير الأزمات إلى سيناء وتفجير بؤر توترٍ جديدة.. لذلك تصر القاهرة على أن إعادة إعمار غزة يجب أن تتم عبر الخطة العربية الإسلامية دون تهجيرٍ أو انتهاكٍ للسيادة الفلسطينية. هذا الموقف ليس مجرد شعار أخلاقى بل حمايةً لمكتسبات السلام الذى تحقق بدماء المصريين وجهودهم الدبلوماسية. فمصر التى ضحّت بأبنائها لتحرير سيناء، لن تقبل بأن يُدفع ثمن سلامها بتهجير الفلسطينيين أو تصفية قضيتهم. فريدمان دعا ترامب فى تحليله إلى مواجهة أجندة نتنياهو التخريبية وقال: «الهيكل الأمنى الأمريكى فى المنطقة يعتمد على تحالفٍ متوازن مع العرب وإسرائيل وليس الاستسلام لليمين الإسرائيلي».. هذه الدعوة تتطابق مع المطالب المصرية بأن يلعب المجتمع الدولى والولاياتالمتحدة تحديدًا دورًا فعّالًا فى إجبار إسرائيل على احترام الشرعية الدولية عبر الوقف الفورى لحرب الإبادة والتجويع فى غزة ووقف الاستيطان، والاعتراف بالدولة الفلسطينية. السؤال المهم اليوم هو هل ستتخلى واشنطن فعلا عن ازدواجية معاييرها؟.. فالدعم الأمريكى غير المشروط لإسرائيل، خاصة تحت ولاية ترامب شجع نتنياهو على المضى فى سياساته التدميرية وتوريط الولاياتالمتحدة فى حرب ضد الحوثيين كلفت أكثر من مليار دولار فى أقل من شهرين دون أن تقضى عليهم!! ..كما يدفع واشنطن لإشعال مواجهة كارثية مع إيران. إن زيارة ترامب المرتقبة إلى الشرق الأوسط والتى تستثنى إسرائيل قد تكون مؤشرًا على تغييرٍ محتمل، لكن نحتاج إلى تحوُّل جذرى فى السياسات، وليس مجرد تكتيكات دبلوماسية وألعاب جديدة.