فرحت الطفلة الصغيرة برؤية عربة صغيرة مزركشة يجرها حصان «حنطور». قالت لأمها فى تشبث: أريد أن أركب الحنطور يا ماما. ذهبت الأم إلى صاحب الحنطور وتفاوضت معه على سعر النصف ساعة، وبعد هات وخذ فى السعر اتفقا. ركبت البنت والأم والسعادة تغمرهما وهما تتجولان بين أعظم آثار الدنيا «أهرامات الجيزة».. مرت الدقائق الأولى هادئة، رائعة، حلقت الطفلة الصغيرة فى سماء أحلامها، سبح خيالها فى فضاء هذا المشهد الخلاب، احست قلبها ينبض بإحساس الزهو والنشوة. هذا ما بناه أجدادنا المصريون القدماء، هذا ما أذهل العالم كله، كيف وصلت أفكارهم إلى هذا البناء الشامخ؟ كيف نفذوا تلك الأهرامات بهذه الدقة، وتلك الحسابات الهندسية والجيولوجية التى جعلتها تصمد أمام العواصف والرياح، الزلازل والتقلبات المناخية على مدى سبعة آلاف سنة ولا تزال؟ كان الحوار يدور فى عقل الصغيرة بينما تداعب نسمات الخريف الطرية وجهها، فجأة اخترق سمعها صوت مفزع لطرقعة مدوية، انتبهت فى رعب، وأمسكت بقوة فى ثياب أمها، التفتت الأم إلى سائق الحنطور لتجده ينهال على الحصان بالكرباج، يوسعه ضربا مبرحا، صرخت الأم وطلبت من الرجل أن يتوقف عن ضرب الحصان بهذه الطريقة الوحشية، قال الرجل فى بلادة إحساس: هم بيدلعوا، ما بيمشوش غير كده! أصرت الأم على أن يوقف الحنطور وينزلها هى وابنتها، قال الرجل: أنا مش حارجع لك الفلوس، دى خلاص اتدفعت. ردت عليه بحدة وغضب: مش عايزه فلوس، عايزه أنزل حالا عشان أبلغ عنك شرطة الآثار على اللى أنت بتعمله فى كائن حى، ربنا وصانا بمعاملته معاملة كريمة، مش نضربه ونستعبده ونهينه. ضحك الرجل بسخرية، وقال كأنه يرى مشهدا فى التليفزيون: والله قلبك حنين قوى يا مدام بس ما ينفعش فى الشغل! أعادت الأم طلبها بإلحاح فأوقف الرجل الحنطور، نزلت هى وطفلتها التى انخرطت فى البكاء بسبب ذلك المشهد الوحشى الذى عاشته. نظرت الأم والبنت إلى الحصان وهما يغادران المكان، كان جسده ينزف دما، والقطرات الحمراء تتوالى مع سيره لتصنع خطا يحكى المأساة ويوثقها على الأرض. هذه القصة حدثت بالفعل، كنت أنا وابنتى بطلتيها، تذكرت كل أحداثها وأنا أرى وأقرأ وأطالع ما يحدث فى مشروع تطوير هضبة الهرم. التنظيم، النظافة، التحديث، التكنولوجيا، الحمامات الآدمية النظيفة، الكافيتريات التى تليق بالمكان ورواده من سائحين ومصريين، تخصيص مكان ثابت للحناطير والجِمال، وتسجيل مخالفات موجعة لمن يكسر اللوائح ولا يخضع للنظام الجديد. فرحت من قلبى بهذا المشروع الذى طال انتظاره للحفاظ على إرث الأجداد العظيم.. أهرامات الجيزة «إحدى عجائب الدنيا السبع». شكرا من القلب لمَن فكر، ومَن نفَّذ.