بين الحليف الظاهر والخصم الخفي، كان اللقاء الأخير بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، فصل غامض في سردية السلطة العالمية.. يُروى بلغة المصالح. ترامب، الذي بنى لنفسه صورة الزعيم الأمريكي "الاستثنائي" الذي يتجاوز المسار التقليدي، لم يظهر نفس الحزم الذي أظهره أمام حلفاء واشنطن الأوروبيين أو خصومها التقليديين عندما تعلق الأمر ببوتين. بل على العكس، تكررت مواقف نادرة وقف فيها أمام العالم وهو يختبئ تحت جناح الكرملين، وكأن بوتين ليس مجرد قائد آخر، بل شريك في رؤية أوسع لعالم جديد يعاد تشكيله.. عالم لا يُدار بالقواعد القديمة.. بل يتم تدبيره من خلال الصفقات.. والنفوذ.. وحتى الرموز القوية. في 2022، حمّل ترامب أوكرانيا مسؤولية الحرب الروسية الأوكرانية، وحتى بعد عودته الأخيرة إلى الحكم في 20 يناير 2025، لم يُظهر دونالد ترامب أي موقف حاسم تجاه فلاديمير بوتين، بل واصل سياسة غامضة تتراوح بين محاولة التفاوض، وتجنّب المواجهة المباشرة لإنهاء الحرب الروسيةالأوكرانية التي لطالما وعد بإنهائها قبل فوزه بالانتخابات الأمريكية السابقة، وفقًا لمجلة «ذا أتلانتيك» الأمريكية. ورغم حديثه أحيانًا عن محاسبة روسيا أو فرض عقوبات، لا أحد في البيت الأبيض يعرف ما ينوي ترامب فعله فعليًا، حتى أقرب مستشاريه عاجزون عن توقع قراراته، وسط محاولات مترددة لوضع استراتيجيات دون ضمانات تنفيذ. وتستعرض «بوابة أخبار اليوم» في هذا التقرير تحليلا معمقًا للعلاقة المتشابكة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، وتأثيرها على مستقبل الحرب الروسية الأوكرانية وإعادة تشكيل موازين القوى العالمية. اقرأ أيضًا| تفاصيل من خلف الكواليس.. ترامب يكشف خطط ولايته الثانية في مقابلة مع مجلة «ذا أتلانتيك» ترامب وبوتين.. تحالف غامض يُربك موازين القوة بحسب المجلة الأمريكية ذاتها، لم يكن دونالد ترامب يومًا رئيسًا تقليديًا.. بدايةً من تصرفاته، وتصريحاته، وحتى ردود أفعاله دائمًا ما تخرج عن المألوف، ومع ذلك، هناك نمط ثابت في سلوكه السياسي، يتمثل في: عدائية ظاهرة تجاه الحلفاء، ومواقف ناعمة، بل ومتعاطفة أحيانًا، تجاه فلاديمير بوتين خاصةً. وكل ذلك يُثير سؤالًا كبيرًا.. هل علاقة ترامب ببوتين مجرد تقارب مصالح؟ أم أنها امتداد لرؤية مختلفة تُعيد صياغة موقع أمريكا في العالم؟؟ تقارب اقتصادي أو تنازلات سياسية؟ منذ عودته إلى البيت الأبيض، أبدى ترامب اهتمامًا بإبرام صفقات في مجالات الطاقة والمعادن مع روسيا، حيث تحدث اثنان من المسؤولين عن أن ترامب يتحدث منذ أشهر بإيجابية عن إبرام صفقات في مجال الطاقة والمعادن مع بوتين. لكن هذا التوجه يُثير تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الصفقات الاقتصادية تأتي على حساب المواقف السياسية، خاصةً فيما يتعلق بملف إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية. بحسب المجلة ذاتها، خطة السلام المقترحة لإنهاء الحرب، أصرّ ترامب على قدرته على إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية بسهولة، وأثبت استعداده للاستجابة للمطالب الروسية لتحقيق ذلك. ورغم دعم أوكرانيا للمبادرة الأمريكية في مارس/آذار لوقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا، ورفض روسيا لها، إلا أن ترامب ألمح مرارًا إلى أن التعامل مع موسكو في المفاوضات سيكون أسهل على واشنطن من كييف. في أواخر فبراير/شباط، وبخ ترامب (مع نائبه جي دي فانس) الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي في المكتب البيضاوي، معلنًا أنه "لا يملك الأوراق"، وبعد بضعة أسابيع، طرح خطة سلام مقترحة تميل إلى موسكو، وفقًا لمجلة «ذا أتلانتيك» الأمريكية. وفي هذه الخطة، ستحصل أوكرانيا على وعود أمنية غامضة فقط من الغرب، ولن يُسمح لها بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي «الناتو»، وستحتفظ روسيا بمعظم الأراضي التي يُزعم انها سيطرت عليها منذ عام 2022 في ميدان الحرب الروسية الأوكرانية. كما ستعترف الولاياتالمتحدة بالسيطرة الروسية على شبه جزيرة القرم، شبه الجزيرة الأوكرانية التي ضمها بوتين بشكل غير قانوني قبل عقد من الزمان، وربما تحد من إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا. لكن رفض زيلينسكي هذه المطالب رفضا قاطعا، وفي الأسبوع الماضي هددت الولاياتالمتحدة بالانسحاب من محادثات السلام. اقرأ أيضًا| في أربعة نماذج.. أسرار فوضى ترامب تتكشف وتفتح صندوق رئاسته المغلق ردود فعل متباينة داخل الإدارة الأمريكية داخل البيت الأبيض، لا يملك مستشارو الرئيس أي فكرة عما سيختاره، وفقًا لما أُخبر به أربعة مسؤولين في الإدارة، تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة المداولات الداخلية، حتى قد بدأ كبار المساعدين بوضع خطط لمعاقبة روسيا على تباطؤها في عملية السلام - بما في ذلك التشاور مع مسؤولي وزارة الخزانة الأمريكية بشأن فرض عقوبات جديدة - ولكن ما إذا كانت هذه المقترحات ستُنفذ أم لا، لا يزال لغزًا حتى بالنسبة لمن يعملون مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب. فيما قلّل لي، مستشارٌ خارجيٌ مُقربٌ من ترامب من أهمية كلماته القاسية في نهاية الأسبوع، مُشيرًا إلى أنها صدرت بعد ساعاتٍ من اجتماع زيلينسكي في الفاتيكان. وقال: "لطالما تأثّر ترامب بآخر ما سمعه، وسيزول هذا التأثر حالما يُخاطبه شخصٌ آخر". أوروبا.. بين القلق والتحرك المستقل أثارت تحركات ترامب قلقًا كبيرًا في العواصم الأوروبية، حيث شعر القادة بأنهم مُستبعدون من المفاوضات التي قد تُعيد رسم خريطة الأمن في القارة. وفي بيان مشترك، أكدت سبع دول أوروبية والمفوضية الأوروبية أنه "لن يكون هناك سلام عادل ودائم في أوكرانيا دون مشاركة الأوروبيين". وهذا القلق دفع أوروبا إلى التفكير في تعزيز قدراتها الدفاعية بشكل مستقل، حيث أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، عن مقترحات لزيادة الإنفاق الدفاعي للاتحاد الأوروبي، مما قد يجمع ما يصل إلى 800 مليار يورو (848 مليار دولار). ويتضح أن العلاقة بين ترامب وبوتين تظهر مدى تعقيد السياسة الدولية في الوقت الراهن، حيث تتداخل المصالح الاقتصادية مع التوازنات الجيوسياسية. ومع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، تبقى الأسئلة مفتوحة حول مستقبل التحالفات الدولية ودور الولاياتالمتحدة في النظام العالمي الجديد. البيت الأبيض: ترامب لم يَخَف من بوتين بل فاوضه بطريقته رأى مسؤولون داخل البيت الأبيض أن رفض ترامب مواجهة بوتين علنًا لم يكن ضعفًا، بل تكتيك تفاوضي محسوب. أحدهم قال بوضوح: "الأفعال أبلغ من الأقوال"، واستدل على ذلك بإجراءات ترامب في ولايته الأولى بين فرض عقوبات صارمة على موسكو، والتصدي لمشروع "نورد ستريم 2"، وتقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا، لكن الصورة لم تكن وردية بالكامل؛ فترامب أمر بتجميد جزء من تلك المساعدات، في محاولة فاشلة للضغط على كييف لفتح تحقيق ضد الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، وهو ما أدى لاحقًا إلى عزله رسميًا في الكونجرس. اقرأ أيضًا| بين مقصلة البرلمان الأوكراني وصفقة واشنطن.. زيلينسكي يواجه أخطر تحدياته المتحدثة باسم البيت الأبيض: فكرة خضوعه لبوتين.. «عبث» سخرت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، من الانتقادات التي تصفه بالضعف أمام روسيا، قائلة: "فكرة أن ترامب لم يقف في وجه بوتين أو أي أحد آخر هي محض هراء". وأكدت ليفيت، أن قوة شخصية ترامب كانت كفيلة بدفع الأزمة نحو الحلول التفاوضية، لا التصعيد. ماضٍ طويل من الإعجاب.. والشكوك لم تبدأ الشكوك حول علاقة ترامب ببوتين في البيت الأبيض، بل سبقتها سنوات من الإعجاب المعلن. ففي عام 2013، وأثناء التحضير لمسابقة ملكة جمال الكون في موسكو، تساءل ترامب علنًا: "هل سيصبح بوتين صديقي المقرّب؟". وخلال حملته الانتخابية عام 2016، كانت الروابط مع روسيا كافية لتُطلق تحقيقًا واسعًا قاده روبرت مولر، وأسفر التحقيق عن اتهامات ل34 شخصًا وثلاث شركات روسية، لكنه لم يجد أدلة كافية لاتهام حملة ترامب بالتآمر الإجرامي. الجمهوريون يتصدّون لروسيا.. وترامب يهادنها في فترة حكم ترامب الأولى، ضغطت شخصيات بارزة مثل بولتون وبومبيو، ومعهما نواب جمهوريون، لفرض عقوبات قاسية على روسيا بعد تدخلها في انتخابات 2016. لكن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب أضعف هذه الإجراءات بنفسه، وأثار صدمة في مؤتمر صحفي مشترك مع بوتين في هلسنكي عام 2018، حين انحاز علنًا لكلام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، رافضًا ما أكدته وكالات استخباراته. مسرحية «أوساكا»| ضحكة بوتين.. ورسالة ترامب الساخرة في قمة مجموعة العشرين باليابان عام 2019، حاول مستشارو ترامب منعه من تكرار "موقف هلسنكي"، لكن دون جدوى. وعندما سأله أحد الصحفيين إن كان سيوجه تحذيرًا لبوتين من التدخل مجددًا، قال ترامب: "بالتأكيد سأفعل"، ثم التفت نحو بوتين مبتسمًا، وأشار إليه مازحًا: "لا تتدخل في الانتخابات الأمريكية، من فضلك.. لا تتدخل في الانتخابات"، ثم ضحك بوتين، وترك ترامب خلفه علامات استفهام جديدة. اقرأ أيضًا| من أوكرانيا لغزة إلى الصين.. ما الذي تغير في أول 100 يوم من حكم ترامب؟