كان أبو حيان التوحيدي يقول دائما إن الإنسان أشكل عليه الإنسان أي أن الإنسان كائن مؤشكل بطبعه ليس من اليسير أن تفهمه أو تصل إلى مراميه وعلى مذهب أبي حيان يحق لنا هذه الأيام القول إن عملية ضبط الفتوى بين المؤسسات الدينية أصبحت هي المؤشكل الأكبر بحيث لا نستطيع أن نصل فيها إلى قرار حازم جازم لا يقبل التأويل أو الممالأة. خلال الأيام الماضية تمت مناقشة مشروع قانون تنظيم الإفتاء أمام لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب وهناك اتجاه عام لدعم صدور القانون بحسب د. أسامة الأزهري وزير الأوقاف الذي وافق على مقترح وكيل الأزهر د. محمد الضويني بتشكيل لجان للفتوى بعد صدور القانون تضم أعضاء من الأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف يكون مقرها مساجد وزارة الأوقاف لتحقيق التنسيق والتعاون المشترك وهو توجه يسعى لاعتماد قانون يتوافق مع العصر، ولكنه لا يجمع بين المؤسسات الدينية في كيان إفتائي واحد في ظل حاجة مجتمعية لازمة لتنظيم الفتاوى التي باتت تشهد انفلاتا شديدًا من غير المختصين، أو من المختصين غير المؤهلين، مما يهدد أمن الوطن ووسطية المؤسسة الأزهرية التي تنافح عن وجودها وسط نواهش الميديا وسموم التغريب والعولمة التي تحيط بنا من كل جانب شهدت مناقشة مشروع قانون تنظيم الإفتاء، حضور كوكبة من رءوس المؤسسات الدينية والقانونية، وينص المشروع المقترح على أن كل من يستجد له عمل، أو يستمر في عمله، بلجان الفتوى الخاصة لدى وزارة الأوقاف يلزمه اجتياز برنامج تدريبي من إعداد الأزهر الشريف وتحت إشرافه في مجال الإفتاء: كما ينص على أن تكون المرجعية في الفتوى حال التعارض إلى الأزهر الشريف ممثلا في هيئة كبار العلماء. بعد هذه المناقشات التي تسعى إلى تنظيم الفتوى والإفتاء، ساحت، جهات الفتوى بين دار الإفتاء المصرية والفتوى الإلكترونية بالأزهر الشريف وهيئة كبار العلماء، والآن وزارة الأوقاف و ساخت اقدام المستفتي بين هذه الجهات الثلاث فلا شك أن لكل واحدة من هذه الهيئات تنظيما إداريا خاصا بها، وتشكيلا عقليا مغايرا لكل فرد من أفرادها، وإن كانوا جميعا من خريجي الأزهر: فالواقع يقول إن رقعة المفتين أصبحت بحجم الخريجين ولا أعتقد أن هذا ما تسعى إليه المؤسسة الدينية أو ما تريده المستقبلها الإفتائي : لأن المنطق يقول إن كل الفتاوى لا بد أن تقتصر على مكان واحد وهو دار الإفتاء، فتكون هي وحدها التي تملك هذا الحق، ولا بأس أن تنضم إليها تبعية كل جهة أخرى تشارك في الإفتاء وأن تتم توسعة عملها ومدها بالكفاءات من الجهات الأزهرية الأخرى.. ولهذا فإنني أقولها بصراحة إنني لست متفائلا بتوسيع دائرة حق الفتوى بين المؤسسات الدينية: لأنه يخلط بين الدور الدعوي والإفتائي وصحيح أن الإفتاء جزء من الدعوة ولكنه ليس إنشاء لفتوى جديدة بقدر ما هو إعادة لحكم سابق إن تشابهت الحالات وإن كانت الحالة جديدة فعلى المستفتي اللجوء للمصدر الأول للفتوى : وإلا فما الذي صنعناه إن كنا قد أعطينا حق الإفتاء لكل خريجي الأزهر، وكيف نضبط، غير المحكوم في جهة واحدة ؟!