منذ سنوات والمجتمع المصري يشهد تغيرات سريعة على كل المستويات، لكن قليل من القرارات لها وقع الزلزال كما هو الحال مع قانون الإيجار الجديد، فبين ما يُطرح كحل لأزمة الإسكان، وبين الواقع الاجتماعي الصادم، تتكشف لنا حقائق مريرة لا يمكن تجاهلها. لقد تحول حق السكن من أبسط حقوق المواطن إلى مصدر قلق دائم.. الأسر التي كانت تتطلع إلى الاستقرار وبناء حياة، باتت تواجه كابوس الترحيل والتنقل كل عام أو عامين، نتيجةً لعقود الإيجار الجديدة التي تخضع لتجديد دوري مشروط برضا المالك وارتفاع الأسعار، وهذا ليس مجرد انتقال جغرافي، بل زلزال نفسي واجتماعي يهز أركان الأسرة. نقل الأثاث بشكل دوري، إنفاق متكرر على الانتقال، تآكل الأثاث، وتغير البيئة الاجتماعية، كلها عوامل تستنزف الأسر مادياً ومعنوياً.. الأطفال يفقدون أصدقاءهم، النساء يعشن في قلق، والرجال يواجهون ضغوطاً لا تنتهي؛ أليس هذا الخلل هو البيئة المثالية لانفجار المشكلات النفسية وارتفاع نسب الطلاق؟. ثم هناك الجانب الأعمق.. ذلك الانتماء الوطني الذي لا يُبنى فقط على النشيد والعلم، بل على إحساس المواطن أن له مكاناً ثابتاً في وطنه، كيف ينتمي الفرد لوطن لا يشعر فيه بالأمان السكني؟ كيف يزدهر شعور المواطنة بينما كل شيء حوله مهدد بالتغيير القسري؟. القضية لم تعد فقط «حق مالك»؛ بل أصبحت «مصير وطن».. إن قانون الإيجار الجديد بصيغته الحالية يخلق طبقة من المهددين بالإقصاء السكني، ويزرع خللاً في بنية المجتمع، ويهدد الاستقرار الأسري والنفسي، ويزيد من معدلات التفكك والاغتراب الداخلي. الآن، ونحن نبحث عن حلول لأزماتنا، لا بد من التوقف أمام هذه القضية،نحتاج إلى قانون متوازن لا يظلم المالك، لكنه أيضاً لا يدمر المستأجر. نحتاج إلى رؤية إنسانية قبل أن تكون قانونية.. فالأوطان لا تُبنى بالحسابات فقط، بل بالعدالة الاجتماعية أيضاً. رسالة إلى السادة أعضاء البرلمان السكن ليس مجرد جدران.. بل هو حياة واستقرار وانتماء، ونحن اليوم أمام قانون الإيجار الجديد، الذي – رغم نواياه – بدأ يهزّ أساسات الأسرة المصرية، ويهدد استقرارها الاجتماعي والنفسي. عندما تُجبر الأسر على الانتقال كل عام أو عامين بسبب ارتفاع الإيجارات، لا يُهدر فقط الأثاث والمال، بل يُهدر الاستقرار، وتنقطع علاقات الجيرة، ويضعف الانتماء للمكان، وربما للوطن. هذا القلق المستمر من الطرد أو العجز عن الدفع أصبح سببًا في ضغوط نفسية حادة، وزيادة الخلافات الزوجية، وصولًا إلى تفكك الأسر وارتفاع نسب الطلاق. نحن لا نطلب سوى التوازن.. نريد قانونًا يضمن للمالك حقه، ويحفظ للمستأجر كرامته واستقراره، فقانون لا يراعي البعد الاجتماعي، هو قانون يُفرّق لا يُجمّع، ويهدّ لا يبني. أسئلة مشروعة قانون الإيجار الجديد.. عدالة أم استغلال؟ هل الإيجار الجديد هو علاقة متبادلة بين مؤجر ومستأجر؟ أم أنه في حقيقته علاقة عبودية واستغلال؟ ما هي ضوابط هذا القانون؟ وهل تخدم مصالح الدولة أم تتصادم معها؟ وهل يؤثر قانون الإيجار الجديد على كيان الأسرة المصرية واستقرارها؟ لقد أصبح قانون الإيجار الجديد محدد المدة بسنة أو سنتين، مما يهدد استقرار معظم الأسر المصرية.. فأصبح أصحاب الأملاك يتحكمون في مصائر الأسر والعلاقات، لا لشيء إلا بدافع الجشع. لنرجع قليلاً إلى البداية.. قديماً، كان قانون الإيجار القديم يمنح المستأجر حق البقاء لفترة طويلة، وكان المؤجر يتقاضى مقابلاً معقولاً، مع وجود رضا متبادل. أما الآن، فقد أصبح الإيجار الجديد يفرض أسعاراً باهظة دون رضا المستأجر؛ لأن القوانين الجديدة جعلت قيمة العين المؤجرة مساوية لقيمة البيع تقريباً، بل إن بعض المستأجرين في قانون الإيجار القديم بعد وفاتهم، يترك أبناؤهم العقار وكأنه إرث وملكية خاصة. لكن المؤجر اليوم يشعر بالظلم؛ لأن قيمة المكان لم تعد تساوي بأي حال من الأحوال قيمة الإيجار المدفوع، مما أوجد فجوة كبيرة بين الطرفين. هل نحن أمام قانون يحفظ الحقوق أم يعيد إنتاج أشكال جديدة من الظلم الاجتماعي؟ المطلوب اليوم هو حواراً مجتمعياً عادلاً، يعيد التوازن بين مصلحة المالك وكرامة المستأجر، بعيداً عن الاستغلال والتجبر.