التطور المذهل في وسائل الإعلام "مقروءة - مسموعة - مرئية" في ظل التطور التكنولوجي وضعنا أمام مشكلة كبيرة، بل خطيرة كما وصفها العديد من المختصين في مجال الإعلام، وهي "بيع ساعات الهواء" في بعض القنوات، والذي تسبب في ظهور الدخلاء على مهنة مقدمي البرامج وتقديم محتوى لا يليق بإعلامنا المصري.. ولأهمية الموضوع "أخبار النجوم" استطلعت أراء المسئولين عن تنظيم الإعلام، وخبراء متخصصين في هذا المجال، للتعرف على مدى تأثير ذلك على المجتمع، وهل سياسة بيع الهواء نهج إعلامي مطلوب أم مرفوض؟.. ومتى تنتهي هذه الظاهرة؟.. البداية كانت مع أيمن عدلي، رئيس لجنة التدريب والتثقيف بنقابة الإعلاميين، الذي أكد أن النقابة سوف تتخذ خطوات جادة بالتنسيق مع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لضبط معايير الظهور الإعلامي على الشاشات، ومواجهة ظاهرة "بيع الهواء" التي باتت تشكل خطرًا على المهنة والمجتمع. وأشار "عدلي" إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد تطبيق اشتراطات واضحة لظهور الإعلاميين على الفضائيات، أولها الخضوع لدورات تدريبية معتمدة، والتأكد من المؤهلات الأكاديمية المناسبة، مؤكدًا أن النقابة ستعمل على استبعاد من يسعى للظهور فقط من أجل "الترند" دون امتلاك الكفاءة أو الإلتزام بأخلاقيات المهنة. وأضاف أن من غير المقبول أن يتحدث بعض الأشخاص في موضوعات تتعلق بصحة المواطن أو قضايا سياسية وعسكرية دون علم أو اختصاص، خاصة مع انتشار الترويج لمنتجات طبية وهمية تضر بالمجتمع، مشدداً على أن النقابة لن تتهاون مع هذه التجاوزات. واختتم تصريحه بالتأكيد على أن الدولة المصرية تحقق إنجازات كبيرة تتطلب إعلامًا وطنيًا واعيًا، يقوده إعلاميون محترفون على دراية بواقع بلدهم، ويساهمون في رفع الوعي المجتمعي، لا في تضليله أو المتاجرة بهمومه. "جريمة" د. حسام فاروق، الإعلامي وأستاذ الاتصال السياسي، يقول: "عملية بيع مساحات من البث في عدد من الفضائيات مقابل مبلغ مالي دون النظر إلى محتوى ما يقدم، جريمة يجب أن يعاقب عليها القانون، وهذا لأسباب عديدة، منها أن ملاك بعض الفضائيات يتعاملون مع القناة كما لو كانت ملكه بشكل مطلق يتصرف بها كما يشاء، وهذا خطأ فادح، لأن القناة تبث على (النايل سات) أو أي قمر صناعي آخر، وبالتالي تدخل كل البيوت من غير استئذان، وليس منزلك تتصرف فيه كما تشاء، بل أحيانا أشاهد أناس على الشاشة تتحدث في أي قضايا دون علم وتخصص، ولا أعلم كيف مروا من أمام الكاميرا، وهم لا يملكون لغة أو مظهر، وأتمنى وجود تشريع يجرم ذلك، لأن المسألة تحكمها ضوابط مهنية، فإذا أردت الظهور على الشاشة يجب أن تكون لغتك صحيحة وعلى مستوى معين من التعليم والثقافة، وتنجح في اختبار الكاميرا". ويضيف: "السبب وراء هذه الكارثة يرجع إلى بداية منح التراخيص، لأنه يجب أن يكون هناك شروط للتعاقد على القمر الصناعي، أهمها الإلتزام بالضوابط والمعايير الإعلامية". "درجة تانية" د. سهير عثمان عبد الحليم، الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة، توضح: "دعونا نتفق في البداية أن موضوع بيع وشراء الهواء منتشر بشكل كبير في قنوات الدرجة الثانية وليست القنوات الكبيرة المعروفة، التي لو لجأت لهذا يكون في نطاق ضيق جدا بهدف الدعاية لمنتج أو شخص أو فكرة معينة، مع الإلتزام بميثاق الشرف الإعلامي، أما عن القنوات الدرجة الثانية، فتلجأ لبيع الهواء لجلب نسب مشاهدة وأموال للقناة، وبالتالي لا يفرق معهم فكرة الكفاءة ولا المحتوى المقدم ولا شكل مقدم البرنامج ولا دراسته، ما يتسبب في ظهور وجوه غير مقبولة شكلا وموضوعا، وبث أفكار سامة في المجتمع، بالإضافة التجاوزات على الهواء". وتضيف: "يجب على الهيئة الوطنية للإعلام اتخاذ قرارات صارمة في هذا السياق، أهمها أن تكون هذه القنوات تابعة للهيئة، وتكوين لجنة مختصة لعمل اختبارات لكل من يريد الظهور على الشاشة". من جانبها تقول د. هويدا مصطفى، عميدة كلية الإعلام جامعة القاهرة الأسبق: "ظاهرة شراء الهواء لها جوانب سلبية عديدة، لأنها لا تخضع لأي ضوابط وقواعد وإشراف من القناة، بحيث يتم التأكد من المحتوى المقدم لأنه غالبا ما يكون متعلق بالجانب الصحي، وبناء عليه تكون الإشكالية هنا أن المحتوى يهتم فقط بالدعاية وتحقيق الربح المادي، ولا يراعي مصالح ومتطلبات حماية المشاهد من أي معلومات مضللة أو منتجات غير مصرح بها من وزارة الصحة، ويتم الترويج لها من خلال خداع المشاهد، لأنها تقدم دعاية مستترة وليس إعلان مباشر، وبالتالي تأثيرها السلبي أقوى، خاصة إذا تعلق الأمر بأطباء وشخصيات مواقعهم تضفي عليهم مصداقية وثقة فيما يقدموه من محتوى". وتضيف: "هذه الظاهرة لدينا للآسف لا تخضع لقواعد مثلما يحدث في القنوات الأجنبية تحت مسمى البرامج المكفولة التي تكون صريحة في الإعلان عن جهة التمويل، مع خضوعها لضوابط ومعايير تضعها القناة قبل أن يتم إذاعتها، أو تقبل برعاية البرنامج، ويكتفي فيها باسم الجهة الراعية في بداية ونهاية البرنامج، مع فحص لمضمونها قبل البث للتحقق من صدق المضمون، ومن وجود التصاريح من الجهات المعنية في حالة المستلزمات الطبية، ولا توجد ظاهرة شراء كامل للهواء بدون ضوابط". "حالة تردي" "تأجير أو شراء الهواء على القنوات التليفزيونية، وأحياناً على المحطات الإذاعية أحد المؤشرات التي تدل على حالة التردي التي وصل لها الإعلام"، بهذه الكلمات تحدث د. محمود خليل، الأستاذ بكلية الإعلام والكاتب الصحفي، عن موضوع بيع ساعات الهواء في بعض القنوات، مضيفا: "أفهم أن تكون هناك برامج معينة يتم إنتاجها برعاية جهات إعلانية معينة، كما يحدث في كل تجارب المحطات التليفزيونية التجارية في كل دول العالم، أما بيع الهواء لكل من يملك مبلغاً من المال ليصب جهالاته أو ثرثراته أو إعلاناته أو دعاياته على الهواء دون قيد أو شرط، فهو أمر مرفوض بكل المقاييس، وكثير من حالات شراء الهواء في القنوات التليفزيونية يكون أبطالها أطباء، أو من يزعمون أنهم أطباء، ويقدمون ما يدعون أنه اختراعات طبية أو أدوية قادرة على الشفاء، أو يقدمون عياداتهم ومراكزهم الطبية للجمهور بهدف زيادة الإقبال على ما تقدمه من خدمات، والملاحظ أن أغلب الأطباء يعتمدون على عامل الوهم أو الإيهام في إقناع الجمهور بمنتجاتهم الطبية، أو عامل التخويف والإرعاب لدفع المواطن إلى اللجوء لعياداته أو مركزه الطبي، أحدهم على سبيل المثال يتحدث عن قياس ضغط العين وأن الأجهزة المسئولة عن ذلك لا توجد إلا في مراكز معدودة منها المركز الذي يمتلكه، ويختتم الدعاية للمركز بأن إهمال قياس ضغط العين قد يؤدي إلى نمو مياه زرقاء على العين تتسبب في عمى صاحبها!". وأشار: "من المهم أن يتدخل المجلس الأعلى للإعلام لوضع ضوابط على مسألة تأجير الهواء، وتفهم أن اللجوء لهذا الإجراء في تليفزيونات العالم يرتبط في الأغلب بالحملات الانتخابية، حيث تمنح القوانين المتنافسين في الانتخابات الحق في تأجير الهواء التليفزيوني لمدة معينة وبضوابط محددة، ولابد أن يعتمد المجلس وكذلك الهيئة الوطنية للإعلام على مراكز رصد تتبع القنوات التي تتيح شراء الهواء بلا ضوابط أو معايير واضحة، وترسل لها تحذيرا بضرورة الإلتزام بالضوابط، وتتخذ ضدها إجراءات حاسمة في حالة الإصرار على الإضرار بمصالح الجمهور". اقرأ أيضا: قنوات بتبيع « الهوا ».. والمشاهد هو الضحية