شهدت إدارة ترامب الأولى نهجًا صارمًا تجاه الحوثيين، حيث صنفت الجماعة كمنظمة إرهابية، واتبعت سياسة المواجهة المباشرة عبر دعم التحالف العربى بقيادة السعودية، وتقديم الغطاء السياسى والعسكرى للضربات الجوية التى استهدفت مواقع قيادية حوثية. غير أن تأثير هذه الضربات ظل محدودًا، إذ تمكن الحوثيون من تطوير قدراتهم العسكرية، خاصة فى مجال الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، مما مكنهم من توسيع دائرة استهدافاتهم داخل اليمن وخارجه. اقرأ أيضًا | ترامب يدعم القطاع العسكري الأمريكي بتريليون دولار وعلى خلفية الهجمات الكثيرة التى شنها الحوثيون على عدة أطراف فى المنطقة، قرر الرئيس ترامب فور توليه ولايته الثانية إدراج حركة الحوثى اليمنية على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، مشيرا إلى أن أنشطة الحوثيين تهدد أمن المدنيين والموظفين الأمريكيين فى الشرق الأوسط، وسلامة أقرب شركائهم بالمنطقة، واستقرار التجارة البحرية العالمية. وقد دخلت الساحة اليمنية فصلا جديدا من الصراع، بعد أن وجهت الولاياتالمتحدة سلسلة من الضربات العسكرية التى بدأتها فى 15 مارس 2025 وتستمر حتى اللحظة، ونفذت خلالها عشرات الغارات الجوية على مناطق سيطرة الحوثيين فى اليمن واستهدفت بعض قادة الحركة.. وتزايد المؤشرات عن تصعيد محتمل بين الولاياتالمتحدةوإيران بعد أن منح ترامب طهران مُدة شهرين للتوصل إلى اتفاق نووى جديد. وهو ما يطرح تساؤلا حول الضربات الأمريكية ضد الحوثيين فى اليمن باعتبارها تحركا أمريكيا لوضع نهاية للحرب التى اندلعت فى قطاع غزة فى 7 أكتوبر 2023، أم رغبة فى تحرك عسكرى أمريكى أوسع يستهدف إيران ومن تبقى من وكلائها حول المنطقة؟ استأنف الحوثيون هجماتهم ضد السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل فى البحر الأحمر وخليج عدن فى 11 مارس 2025، وفى 18 من الشهر نفسه، أطلق الحوثيون للمرة الأولى منذ دخول المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار فى قطاع غزة فى 19 يناير، هجوماً بصاروخ ضد جنوب إسرائيل فى 18 مارس 2025، تلاه اعتراض إسرائيل خمسة صواريخ خلال الفترة 20-25 مارس 2025. من جهة أخرى، وسّعت إدارة ترامب من قائمة الهجمات ونطاقاتها لتطال البنى التحتية والقادة الحوثيين، وبشكل عام تُشير الضربات الأمريكية إلى الدروس المُستفادة من الحرب الإسرائيلية مع حزب الله، والتى أوضحت الكيفية التى يُمكن بها القضاء أو تحجيم المنظمات والفصائل المسلحة غير النظامية، عبر الاستهداف الكثيف لسلسلة القيادة، ومناطق تخزين السلاح، لا سيما أن الجيش الأمريكى استهدف قائد الأمن الخاص لعبدالملك الحوثى، وقائد البحرية فى المنظمة منصور السعدى، إضافة إلى كبير خبراء الصواريخ فى الجماعة، وعدد من القادة العسكريين البارزين. إلى جانب أن الهجوم الأمريكى جاء مدعوماً بنشاط استخباراتى واسع تُشارك به طائرات تجسس أمريكية وبريطانية وأنظمة استطلاع ومُراقبة جوية متقدمة، ويبدو أن ذلك التصور هو ما دفع ترامب فى 19 يناير إلى التوعد بالقضاء على الحوثيين بشكل تام، وقد يُشير ذلك إلى أن الضربات الأمريكية قد تستهدف قادة حوثيين ومسئولين كبار فى هيكل قيادة المنظمة. تأتى الضربات التى يشنها الجيش الأمريكى ضد الحوثيين، لفصل الحوثيين عن إيران، وليس فقط فصل الحوثيين عن الساحة الرئيسية للحرب فى قطاع غزة، خاصة وأنّ ترامب يربط بشكل وثيق بين تصرفات الحوثيين وإيران، ويُحمل إيران المسئولية المباشرة عنهم وعن هجماتهم، كما اعتمد على تهديدات عسكرية مباشرة ضد إيران، وشدّد على أنّ أى تصعيد من الحوثيين هو نتيجة مباشرة للتدخل الإيرانى، وستُحمّل إيران المسئولية وستواجه عواقب وخيمة. يأتى ضرب الحوثيين بعد تحجيم قُوة حزب الله اللبنانى، وتقليص دوره فى الساحة السياسية اللبنانية، وفصله عن مُعادلة «وحدة الساحات» الإيرانية، ورُبما تُدرك إيران أنّ استهداف قادة الحوثيين وبنيتهم التحتية، لن ينعكس فقط على فصلهم عن «وحدة الساحات» بل أيضا فى قوتهم فى الساحة اليمنية، خاصة وأنّ استمرار الضربات وتعميق تأثيرها يضع اليمن فى سيناريو مُشابه لما حدث فى سوريا، مع استعداد الجيش اليمنى والحكومة الشرعية للتحرك لاستعادة سيادتها على مناطق سيطرة الحوثيين فى اليمن خاصة وان الضربات الأمريكية تضع ضمن أهدافها حرمان الحوثيين من القدرة على إغلاق باب المندب أو إحداث إضراب واسع فيه. وأخيراً، من المتوقع أن تستمر الضربات الجوية الأمريكية كأداة ضغط، وبشكل عام، يُشير ذلك التحرك إلى دخول الحلول العسكرية على طاولة الخيارات بعدما كان مجرد تهديد وتلويح، ولكن ضمن استراتيجية أوسع تدمج بين الضغط العسكرى، والحصار الاقتصادى، والمساعى الدبلوماسية. وعلى المدى الطويل، سيظل الحل السياسى هو المسار الأكثر ترجيحًا، خاصة مع تزايد الضغوط الدولية لإنهاء النزاع فى اليمن، والتغيرات الإقليمية التى قد تسهم فى احتواء جماح الحوثيين عبر اتفاقات أوسع تشمل إيران كداعم رئيسى لهم.