ترفض مجتمعاتنا المحافظة تشبُّه الرجال بالنساء، وهو نفس موقف الأخلاق والأعراف والتقاليد والدين، ومن هنا كانت صدمة الجمهور كبيرة حين أطل عليهم الفنان محمد رمضان بلباس يشبه ما ترتديه الراقصات فى الكباريهات، والمؤكد أنه لا يرضى أن يصفه أحد بأنه «امرأة» أو يرتدى ملابس امرأة، وقد عبّر بنفسه عن رفضه لذلك فى مقطع فيديو نشره بعد حفله الثانى فى مهرجان «كوتشيلا» الموسيقى بالولايات المتحدة الأسبوع الماضى. لكننى أتساءل: إن كان الزى المستوحى من بدلة الرقص الشرقى التى ارتداها رمضان ليس من ملابس النساء، فماذا عساه أن يكون؟! يحتاج الأمر إلى نظرة متأنية فى تصرفات بعض فنانى اليوم، خصوصًا أولئك الذين يحظون بشعبية ولهم تأثير كبير فى الشباب، مثل محمد رمضان وأحمد سعد الذى أحدث ضجة واسعة بظهوره بإطلالة صادمة فى حفل بموسم جدة الترفيهى فى السعودية قبل نحو عامين، حيث ارتدى «قرطًا» فى أذنيه، وسُترة بلا أكمام تحتها قميص شفاف من الشبك، والأمر ذاته أقدم عليه الفنان عمرو دياب الذى سبقه إلى ارتداء «قرط» فى أذنه، قبل أن يطل علينا مؤخرًا مرتديًا شنطة «كروس» حريمى. وهذه الإطلالات الغريبة العجيبة التى يتشبه فيها الفنانون الرجال بالنساء هى موضة انتشرت بين نجوم البوب الغربيين، لكن هل هذه الممارسات مقبولة أصلًا فى الغرب؟ هناك أدلة كثيرة على أن المجتمعات الغربية ذاتها كانت ترفض هذه التصرفات، التى تكرّس لمسألة الخلط الجندرى، وأن ما وصلت إليه هذه المجتمعات جاء بعد صراع امتد لسنوات من أجل تقبُّل هذه الفكرة «المنحدرة»، ولم يكن الأمر «تحررًا سلسًا» كما قد يعتقد حتى أنصار هذا العبث، فالمجتمع الأمريكى مثلًا رفض «الرجال المتأنثين» فى سبعينيات القرن الماضى، وليس أدل على ذلك ما أثاره الفنان البريطانى الشهير ديفيد بوى عام 1972، حين أشعل الجدل بظهوره على غلاف ألبومه «The Man Who Sold the World» مرتديًا فستانًا، ووقتها هاجمته الصحافة فى بلده بعنف، ووصفته مجلة «Rolling Stone» بأنه «صادم وغير مقبول». أما المغنى الأمريكى برنس «Prince» الذى لا يقل شهرة، فكان معروفًا بأسلوبه الأندروجينى (الذى يجمع بين الذكورة والأنوثة)، حيث بدأ فى أوائل الثمانينيات بارتداء ملابس غامضة جندريًا، ووصفه النقاد وقتذاك بأنه «خطر على القيم الأمريكية»، ما دفعه لاحقًا إلى تعديل صورته لأن الجمهور لم يكن مستعدًا لتقبل إطلالته الخنثوية. المؤسف أن فى مجتمعنا منْ يدافعون عن لباس محمد رمضان، وللأسف بعضهم محسوب على جماعة «المثقفين»، ومنهم الكاتبة والمخرجة فاطمة المعدول، التى سجّلت رأيها على حسابها بموقع «فيسبوك» ودافعت عن «نمبر وان» قائلة: «محمد رمضان ممثل، يعنى ولا مدرس ولا محامى ولا صاحب رسالة.. ممثل يعنى ممكن يلبس ست وممكن يلبس بدلة رقص وممكن يلبس ملك أو شيخ وضابط وشحات، وهو بيقدِّم عرض، يعنى (شو)، يعنى فرجة، يعنى بهرجة وإبهار». واختتمت كلامها برسالة لمنتقديه: «حضرتك مانبهرتش، ماتبسطش، عادى أنت حُر، وهو ميت حُر وعشرة». والحقيقة أننى لم أجد مبررًا لسقطة رمضان أعجب مما ساقته السيدة «المعدول»، وكأن المنوط بهم الحفاظ على أخلاقنا وعاداتنا وتقاليدنا وديننا هم فقط المدرسون والمحامون! ولا دور لصنّاع الفن فى ذلك، وإن افترضنا صحة كلام «المعدول»، وهو لُب الخطأ وعين «المعوج»، فلا يجوز لنا بالمنطق المغلوط ذاته أن نحاكم أى ممثل يظهر علينا غدًا فى فيلم بورنو، فقط لأنه يقدم «شو» وبهرجة وإبهار ولأنه ليس مدرسًا أو محاميًا!! عمومًا، إذا أردنا أن نتعرّف على الفخامة، فعلينا أن ننظر إلى نجوم وكواكب الزمن الجميل، أمثال عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش ومحمد عبدالوهاب ومحمد فوزى، فهؤلاء لم يكونوا بحاجة لارتداء ملابس النساء أو استفزاز الجمهور ليثبتوا أنهم «نجوم مودرن». كانوا يصعدون المسرح وهم يرتدون البدلات الأنيقة من دون أى مبالغة ويحرص الواحد منهم على إظهار هيبته وشخصيته الراقية المتزنة حتى فى أغانى العشق والغرام، ولم يسعَ أىٌ منهم إلى المساس بصورته كفنان «رجل»، فالفنان مؤثر اجتماعى يقلده الشباب فى أقواله وأفعاله، والفن رسالة وليس إثارة، والموهبة الحقيقية لا تحتاج إلى صدم المشاهدين لكى تثبت وجودها. كلمة أخيرة إلى كل فنان يبحث عن الشهرة والترند.. الفنان الحقيقى هو منْ يقدّم فنه بأناقة وكرامة، وفنك هو طريقك إلى الجماهير ووسيلتك المضمونة والوحيدة للخلود فى الوجدان. وإلى محمد رمضان أقول: أنت فنان موهوب ولديك شعبية كبيرة، حاول أن تحافظ عليها بحرصك على تقديم كل جميل، فلا تضيِّع الفنان الذى بداخلك بإطلالات نصف عارية وحمّالات صدر «مشخلعة» تخجل أن تلبسها أى امرأة محترمة.. لا تكابر واعتذِر.