ترميم 80 ألف ورقة و5 آلاف «مطبوع» وخرائط تاريخية «ذاكرة الأزهر» بخير .. ونتعاون مع وزارة الاتصالات ومكتبة الإسكندرية «بانوراما التراث».. رحلة افتراضية تُجسد ألف عام من عراقة الأزهر توفير أحدث نظم الرقمنة.. وقاعتين لضعاف السمع والبصر تحقيق: إسراء عبدالمعطي عمران كنوز معرفية نفيسة توثق عظمة التاريخ الإسلامى فى واحدة من أقدم وأهم المكتبات فى العالم والتى تفوح منها رائحة كُتب قديمة ومصاحف نادرة ومخطوطات عتيقة أغنت العقول بها وشهدت على الحضارة الإسلامية بمختلف عصورها، والتى ما زالت مرجعًا لا غنى عنه للباحثين وعلماء التراث، ويتجلى فى جنباتها عطاء علماء الأزهر الشريف ورواد الفكر الإسلامي، من مشارق الأرض ومغاربها. «اللواء الإسلامي» حاورت د. مجدى حامد مهران رئيس الإدارة المركزية لمكتبة الأزهر لنلقى الضوء على الدور الريادى الذى لعبته المكتبة فى الحفاظ على التراث العربى والإسلامي، ونستعرض رؤيته المستقبلية لخطة التطوير والرقمنة، ونتعرف أكثر على أقسامها وخدماتها المتعددة التى تقدمها للجمهور. ● فى البداية.. حدثنا عن أهمية مكتبة الأزهر وملامح تاريخها العريق؟ ●● تُعد مكتبة الأزهر من أبرز المكتبات فى مصر والعالم، لما تحمله من تاريخ عريق يرتبط بالجامع الأزهر، أحد أقدم وأهم المؤسسات العلمية والدينية.. فمنذ نشأتها، لعبت المكتبة دورًا محوريًا كمركز إشعاع ثقافى وحضاري، حافظةً فى طياتها تاريخ أمة وثروة معرفية لا تُقدَّر بثمن. وظفرت مكتبة الأزهر على مرّ العصور بعدد كبير من المخطوطات والمطبوعات النادرة التى لا نظير لها، جمعتها من مختلف أروقة الأزهر ومكتبات المساجد الكبرى، وتحتوى على نصف مليون كتاب فى 60 فنًا من فنون المعرفة، من الدين واللغة والتاريخ، إلى الفلك والفلسفة والطب ، وتتميز بتنوعها الزمني، حيث تضم تراثًا يعود إلى العصور المملوكية والعثمانية، وصولًا إلى العصر الحديث. وتعود جذور المكتبة إلى ما أشار إليه المؤرخون عن وجود مكتبة قديمة داخل الجامع الأزهر تعود إلى ما قبل عام 517 ه (1123م)، وكان نظام «الأروقة» أحد النظم المميزة التى اتّبعها الأزهر لتسكين الطلبة وفقًا لاختلاف أجناسهم ومذاهبهم، ومن أشهر هذه الأروقة: رواق المغاربة، الأطراق، الشوام، والصعايدة، حتى بلغ عددها 29 رواقًا. وفى عام 1314 ه (1897م)، قرر مجلس إدارة الأزهر، بناءً على توصية من الإمام محمد عبده، مفتى الديار المصرية آنذاك، إنشاء مكتبة رسمية تضم الكتب المتفرقة فى الأرواق والمكتبات الفرعية داخل المساجد الكبرى، تحت سقف واحد، وقد لاقت الفكرة دعمًا واسعًا من أعضاء المجلس الأعلى للأزهر، وعلى رأسهم الشيخ حسونة النواوي، شيخ الأزهر فى ذلك الوقت، الذى اختار للمكتبة موقعها، فى حين قام الإمام عبده بإقناع أهل الأروقة بضم ما لديهم من كتب ومخطوطات إلى هذه المكتبة الجديدة، حفاظًا عليها ولتعميم الاستفادة منها. ● متحف المخطوطات يحتوى على مقتنيات نادرة.. فما أبرز المخطوطات به؟ ●● تزخر مكتبة الأزهر الشريف فى مقرها الجديد بمتحف للمخطوطات الإسلامية، تم تصميمه وفقًا لأحدث المعايير الدولية، ليكون مركزًا يوثق ثروة معرفية قلّ نظيرها، وتضم المكتبة نحو 50 ألف مخطوطة، تعود إلى قرون مضت، أبرزها مصحف مكتوب بالخط الكوفى على رق الغزال، يعود إلى القرن الرابع الهجري، ويُعد من أقدم النسخ فى العالم الإسلامي، ولعل أحدثها يعود للقرن الثانى عشر الهجري. المتحف يضم نوادر لا تقدر بثمن، تغطى مختلف فروع المعرفة الإسلامية، ومن أبرز هذه المخطوطات (قطعتان من مخطوطتين من مصحف شريف يعودان لعام 456 ه، ومجموعة رسان للإمام السيوطى بخط يده و16 رسالة، ومخطوطة «هداية أولى البصائر والإبصار إلى معرفة أجزاء الليل والنهار» للمؤلف السجاعي، وتعد من أبرز المخطوطات التاريخية حيث تهدف إلى تعليم فاقدى البصر كيفية معرفة الأوقات، ومخطوطة «حياة الحيوان» للديري، ومخطوطة «غريب الحديث» لابن سلام، ويعد هذا الكتاب علما من علوم الحديث الذى وصفه مؤلفه أنه استغرق أربعين سنة لجمعه ويمثل خلاصة عمره، و»حسن المحاضرة» للسيوطى ويعد من أهم المخطوطات فى علم التاريخ، و»عمدة الطالبين» لابن الوزير بخط مؤرخ فى عام 603 ه، و»معجم ما استعجم من أسماء البلاد» فى علم الجغرافيا، إضافة إلى مخطوطة «الكشاف» للزمخشري). كما تضم مكتبة الأزهر بين رفوفها مجموعة نادرة من المطبوعات التى تُعد من أثمن ما طُبع فى العالم الإسلامي، ومن أبرز هذه النوادر: ( «القانون فى الطب» لابن سينا – أحد أهم المراجع الطبية فى التاريخ الإسلامى والعالمي، و»المجموعة الكاملية» ليوسف كمال وهو مرجع مهم فى فن التاريخ، و»القول الصريح فى علم التشريح»). ● ما قصة مخطوطة «عجائب وغرائب الموجودات» للقزويني؟ ●● تُعد مخطوطة «عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات» للعالم القزوينى من أبرز الكنوز البصرية التى يضمها متحف مخطوطات مكتبة الأزهر الشريف، وتتميّز هذه المخطوطة الفريدة بما تحويه من رسوم ملونة لا تزال تحتفظ بوضوح ألوانها رغم مضى مئات السنين على إنجازها، ما يعكس براعة الإنسان المسلم وإيمانه بدور الصورة فى توصيل المعلومة وترسيخها فى الذهن. وتُعد المخطوطة أشهر مؤلف إسلامى تناول علم الكوزموغرافيا (وصف الكون)، إذ تحتوى على أكثر من 400 منمنمة ولوحة تخطيطية للكواكب والعوالم السماوية، ما يجعلها مرجعًا نادرًا يعكس التقدُّم العلمى والبصرى الذى بلغه المسلمون فى العصور الوسطى. ● وماذا عن المصحف الشريف المرسوم باليد فى 19 صفحة؟ ●● يُعد هذا المصحف الشريف من التحف الفنية النادرة، إذ يحمل على صفحاته الأولى مجموعة من النقوش البديعة التى تُقرأ من اليمين واليسار، تتوسطها الشهادة: "لا إله إلا الله محمد رسول الله". وقد أبدع الرسام لطفى فى تنفيذ زخارفه عام 1313 ه، ليضفى على المصحف طابعًا فنيًا فريدًا. وما يميّز هذا المصحف بشكل خاص هو اختصاره فى 19 صفحة فقط، جُمِع فيها القرآن الكريم بأسلوب فنى مختصر ومتكامل، ما يجعله مثالًا نادرًا على جماليات المصاحف الإسلامية ذات التصميم الفنى المبتكر. ● يؤدى قسم الترميم دورا مهما فى حفظ المقتنيات.. وما أهم المخطوطات التى تم ترميمها؟ ●● تعمل إدارة الترميم بمكتبة الأزهرى الشريف دورًا مهمًا فى حفظ وصيانة التراث الإسلامى والعلمى والثقافى إذ أنها أحد أهم الإدارة الموجودة بالمكتبة كونها المنوط بها بإعادة الحياة مرة أخرى للمقتنيات التالفة والمتهالكة من خلال مراحل الترميم المتتالية، حيث قامت إدارة الترميم منذ نشأتها بترميم أكثر من 80 ألف ورقة، وحوالى خمسة آلاف كتاب مطبوع، بالإضافة إلى تجليد 2500 مخطوطة و11 ألف كتاب مطبوع. ومن أهم المخطوطات التى قمنا بترميمها مصحفين يعود تاريخهما للعصر المملوكى كانا فى حالة تحجر نتيجة العثور عليهما أثناء تواجدهما فى المياه الجوفية بالجامع الأزهر قبل أن تقوم إدارة الترميم بمعالجتها وترميمهما وإعادتهما لحالتهما الطبيعية، وكذلك مصحف كامل مكتوب على 15 لوحة كما قامت الإدارة بترميم عدد من الخرائط التاريخية، وبعد الانتقال للمقر الجديد تضع إدارة الترميم خطة كاملة لترميم وصيانة مقتنياتها بالشكل الأمثل والذى يليق بمكانة الازهر الشريف. ● حدثنا عن مراحل تطوير وتحديث المكتبة ؟ والدعم الإماراتى لها؟ ●● مع تزايد حجم مقتنيات مكتبة الأزهر وخطورة تعرّض المخطوطات للسرقة، برزت الحاجة الملحّة إلى توفير بيئة أكثر أمانًا لحفظ هذا التراث، حيث شهدت المكتبة تطورًا فى كل المجالات.. ففى عام 1994، تم نقل المكتبة إلى مقرها الجديد داخل حرم المشيخة بطريق «صلاح سالم – الدراسة»، فى مبنى حديث مكوّن من 14 طابقًا، مزوّد بالوسائل اللازمة للحفظ والصيانة ويشمل 28 قاعة من بينها 21 قاعة بحث منفرد، وأربع قاعات إطلاع، وقاعة إلكترونية، وقاعة لضعاف السمع، وقاعة لضعاف البصر. وفى إطار اهتمام د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، بالتراث العلمى والثقافي، جاء مشروع إنشاء مبنى جديد للمكتبة بالتعاون مع دولة الإمارات الشقيقة فى عام 2013، وتم تجهيز المبنى بأحدث الأنظمة العلمية والفنية، بما فى ذلك معامل الرقمنة والترميم، ويهدف لتحويل المخطوطات التى تقتنيها مكتبة الأزهر من الشكل الورقى إلى الإلكترونى مع توفير تقنية تأمين عالية، حيث زود بأحدث الأجهزة المعملية وقاعات اطلاع حديثة، كما تضم المكتبة متحفًا لعرض المخطوطات النادرة التى تتميز بها مكتبة الأزهر. واستمرارًا فى تطوير الخدمات الثقافية والمعرفية، تم افتتاح فرع جديد للمكتبة فى محافظة الأقصر، بمنطقة القرنة، عام 2015، ليكون مركزًا يخدم أبناء صعيد مصر ويوسّع من دائرة الاستفادة من هذا الكنز المعرفي. ● ماذا عن الخدمات التى تقدّمها المكتبة؟ ●● تقدم المكتبة مجموعة متميزة من الخدمات التى تلبى احتياجات جمهورها من القرّاء والباحثين وطلاب العلم، وتتلخص فى 12 خدمة وهي: (خدمة الاطلاع الداخلي، وخدمة النسخ الإلكترونى والتصوير الورقي، وخدمة تصوير بعض المخطوطات للباحثين فى الأروقة أو من ذوى الاحتياجات الخاصة، وخدمة الاطلاع الإلكترونى الداخلي، وخدمة الإعارة الداخلية والخارجية لبعض الكتب المعاصرة، وخدمة البحث المنفرد). كما تشمل الخدمات أيضًا: (خدمة فهارس وأوعية المعلومات الورقية والإلكترونية، وخدمة الاطلاع الإلكترونى على المخطوطات، الوثائق، أوائل المطبوعات، والخرائط، وخدمة الإحاطة الجارية لتزويد الباحثين بالمستجدات العلمية، وخدمة إتاحة قاعات البحث الفردى والاجتماعات، بالإضافة إلى غرف مخصصة لدراسة وتحقيق المخطوطات، وخدمة البحث والاطلاع لضعاف البصر، من خلال أجهزة برايل ونسخ الملفات الصوتية أو الرقمية، وخدمة الرد على الاستفسارات). ● ما أوجه التعاون مع المؤسسات الأخرى والأنشطة والفعاليات التى تشارك فيها المكتبة؟ ●● تشارك المكتبة فى العديد من الأنشطة والفعاليات منها المشاركة فى المعارض مثل (معرض القاهرة الدولى للكتاب – معرض الإسكندرية للكتاب – معرض الكويت الدولى للقرآن الكريم)، بالإضافة إلى العديد من الفعاليات منها (ملتقى الخط العربى – احتفاليات الجمعية العربية للعلوم والثقافة والتنمية – مؤتمرات (مؤتمر الجمعية المصرية للكتاب – مؤتمر الاتحاد العربى للمكتبات)، وأسفرت هذه التوصيات على مد جذور التعاون بين مكتبة الأزهر والجمعية المصرية للمكتبات. وهناك شراكة بين مكتبة الأزهر والعديد من الجهات، منها بروتوكولات تعاون بين مكتبة الأزهر والمكتبة المركزية لجامعة الأزهر، وأيضًا بين مكتبة الأزهر وكلية أصول الدين وقطاع المعاهد الأزهرية، إلى جانب التعاون بين مكتبات مصر العامة، والتنسيق مع بعض المؤسسات ومراكز المعلومات. ● وماذا عن «بانوراما التراث»؟ ●● تقدّم مكتبة الأزهر الشريف لزوار جناح الأزهر بمعرض الكتاب كل عام رحلة افتراضية متميزة عبر «بانوراما التراث»، تُسلّط الضوء على تاريخ الأزهر العريق الممتد لأكثر من ألف عام. وسُميت «بانوراما التراث» بهذا الاسم لأنها توثق مواقف الأزهر التاريخية، وسير شيوخه، وإنجازاتهم، إضافة إلى عرض التطور المعمارى للجامع الأزهر والمعاهد الدينية، والذاكرة الصحفية المرتبطة به، ويرتكز محتواها على ستة محاور رئيسية: العمارة والتعليم، الدور الوطني، الشيوخ، الشخصيات الخالدة، البعثات، والتراث المعماري. كما تستعرض البانوراما تطور التعليم داخل الأزهر، منذ أولى حلقات الدرس فى عام 365 ه، وصولًا إلى بعثاته العالمية وقوانينه التعليمية، وتوثق الدور الوطنى الذى أداه علماء الأزهر عبر العصور، إلى جانب عرض صور نادرة، ومؤلفات، وتسجيلات إذاعية وتلفزيونية ووثائق تُجسّد عظمة الأزهر فى الماضى والحاضر. ● عكفت المكتبة مؤخرا على تنفيذ مشروع ذاكرة الأزهر.. فما ملامح هذا المشروع وأهدافه؟ ●● مشروع «ذاكرة الأزهر الشريف» التى تبناه بعض أبناء الأزهر المخلصين، يهدف إلى تعريف العالم بتاريخ الأزهر وتراثه، ولاقت الفكرة ترحيبًا من الإمام الأكبر أحمد الطيب، ووزارة الاتصالات، وشاركت فى ذلك المشروع مكتبة الإسكندرية (مركز التوثيق الحضارى والطبيعي). وبالنسبة لأهداف المشروع هى استدعاء عظمة الأزهر وإبراز تاريخه المجيد، ودور الأزهر فى التقريب بين المسلمين فى مختلف أنحاء العالم، وإبراز جهود علماء الأزهر فى مختلف المواقف العلمية والثقافية والاجتماعية والوطنية.. أما مخرجاته فهم ثلاث مخرجات رئيسية: الأول وهو بانوراما ذاكرة الأزهر: تشمل العروض، مختارات من المخطوطات، والمعمار، والعلماء، والثانى وهو موقع إلكترونى تفاعلي: يتيح محتوى المشروع عالميًا، أما الثالث وهو طباعة كتابين: الأزهر المنارة والعمارة، ومختارات من ذاكرة الأزهر. ● كيف تتعاملون مع رواد المكتبة؟ وما الرسالة التى تقدمها لهم؟ ●● المكتبة تعمل دائمًا على تذليل أى عقبات يمكن أن تواجه الطلاب أو الباحثين، إذ تقوم المكتبة بتقديم الدعم الكامل لهم، وتوفر كافة متطلباتهم وفى حالة توافر أوعية معلومات يحتاجها الباحث تقوم المكتبة بتلبية هذا الوعاء فى أقرب وقت وتوجيههم إلى مكتبات تتيح هذا الوعاء إن أمكن. ونصيحتى لأبنائكم العاملين فى مجال التراث والمخطوطات والبحث العلمى إنه لابد أن تتوفر لديهم حب الاطلاع والتطوير فمجالنا هذا تزداد نظرياته وخواصه العلمية يوماً تلو الآخر.. ولذا لا بد أن يتميز العاملين والباحثين فى مجالنا بكثرة الاطلاع والممارسة العملية والتطبيقية لكافة النظريات والتحديثات التى تطرأ مستقبلاً على هذا المجال.