أحمد عبد اللطيف ثمة أسباب كثيرة لحب الكاتب البيروفى ماريو بارجس يوسا والحزن على رحيله (فى 13 أبريل الماضي)، أهمها على الإطلاق ما أهدانا به من أدب رفيع وكسره لتابوهات أدبية شكّلت جوهر مشروعه الكتابي، وفتحت لنا أفقًا لرؤية العالم والإنسان بمنظور مجهرى نتعرّف فيه على ذواتنا المهجورة والمختبئة ونواجه به شططنا وهواجسنا. وفوق كل ذلك كان "مايسترو التكنيك" الذى لا يصح لكاتب أن يتجاوزه وثمة أسباب أخرى تدعو للتأمل والتمرد عليه، أهمها مواقفه السياسية واختياراته الأيديولوجية التى دعم فيها أحزاب اليمين وكان معبّرًا عنها ومنظرًا لها، سواء داخل إسبانيا أو فى قارته اللاتينية. غير أن ثمة فضيلة يجب أن نتعلّمها منه: قدرته على قول ما يريد مهما كان الثمن، حتى لو بدا تناقضات، حتى لو بدا ضد المعسكر الذى ننتمى إليه ونتعاطف معه. نحن هنا أمام يوسا المثير للجدل كصورة كلية، فى أدبه اخترق تابوهات الإيروسية ورسم صورة كاريكاتورية للديكتاتور وفصص مكونات الحكم الشمولي، وفى حياته اختار كل ما أراد بما فى ذلك زواجه فى سن التاسعة والسبعين، وكتابته الدورية لمقالات كان يعلم مسبقًا أنها ستجر عليه الانتقادات العنيفة. فى كل ذلك اختار أن يحترم نفسه ككاتب، أن يحترم قلمه وكلمته. نقول ذلك حتى لو كانت الكلمة موجهة ضد مصالحنا، نحن العرب أو نحن الفقراء. اليوم نودّع كاتبًا حقق شهرته ودخل التاريخ من قبل حصوله على نوبل، وسيظل اسمه فى لوحة الشرف لزمن طويل. ذلك أنه أخلص لمشروعه الكتابى كما لم يخلص أحد، وصدّق أن الفن لا يحتاج إلى موهبة فحسب، وإنما إلى اجتهاد. هنا ملف عنه، فى تلويحة وداع أخيرة.