أهدانى صديقى وزميلى عبد القادر شُهيِّب كتابه الجديد الصادر ضمن سلسلة اقرأ من دار المعارف، وهى سلسلة قديمة تربينا عليها. ويرأس تحريرها الصديق سعيد عبده مصطفى. والكتاب تتصدره كلمة للدكتور طه حسين قال فيها: - إن الذين عنوا لإنشاء هذه السلسلة ونشرها لم يفكروا إلا فى شىء واحد من حيث هى ثقافة، لا يريدون إلا أن يقرأ أبناء الشعوب العربية وأن ينتفعوا وأن تدعوهم هذه القراءة إلى الاستزادة من الثقافة والطموح إلى حياة عقلية أرقى وأخصب من الحياة العقلية التى نحياها. أما المؤلف فيُهدى كتابه إلي: - كل الزملاء الذين يتطلعون لإصلاح صحافتنا واسترداد نفوذها مصرياً وريادتها العربية. وهو إهداء مهم يستحق من الكتابة عنه يجعلنا لا نصل إلى الكتاب نفسه. والمؤلف ينطلق من موقف وطنى مبدئى يقول فيه: - إذا كنا نطمع فى جمهورية جديدة ونتطلع لبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة فلا مناص أمامنا سوى أن ننقذ صحافتنا ونُعالج مشاكلها وننهض بها لتقوم بدورها فى إنجاز ما نطمح فيه. فكما أن قوة الدولة فى قوة اقتصادها فإنها أيضاً فى قوة صحافتها. ويعترف المؤلف بأنه اعتمد فى إعداد كتابه على شيئين، الأول: مشاهداته الخاصة المستمرة والتى لا تتوقف وهو يتابع بشكل يومى إصداراتنا الصحفية المختلفة. والأمر الثاني: تجاربه الخاصة التى تنوعت لأنه عمل فى كل أنواع الصحافة القومية والخاصة والحزبية. ينطلق بنا المؤلف لدراسة صحافتنا الراهنة فى هذه السنوات الصعبة. إن الصديق المؤلف يبدأ هموم صحافتنا ومشاكلها منذ أواخر حُكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك. وما جاء بعده من تطوراتٍ لاحقة كلنا عاصرناها. لكنه يتوقف فى الفصل الثالث أمام حرب الإخوان ضد الصحفيين. ويقول أنه فى السادس والعشرين من يونيو 2013 كان مدعواً من منتدى حوار الثقافات الذى ترعاه الهئية الإنجيلية للتحدث فى ندوة بأسوان مع الصديقة أمينة شفيق عن المواطنة. ويكتُب عما فعله الإخوان بالصحافة، فمنذ أن تولوا الحُكم فتحوا نيران أسلحتهم الإعلامية ضد الصحافة والصحفيين. بل لعلهم شرعوا فى هذا الهجوم قبل أن يتولوا الحكم رسمياً. بعد تنحى مبارك مباشرة كانوا يرون أن لهم ثأراً قديماً مع الصحافة التى كانت تتعامل معهم باعتبارهم أعضاء جماعة محظورة. فقد وجدوا أن الفرصة باتت مواتية للانتقام من الصحافة وفرض هيمنتهم عليها. ولذلك رتَّبوا تقديم بلاغات ضد الرؤساء السابقين للمؤسسات القومية الكبيرة تتهمهم بإهدار المال العام. ويحدد أسماء: مكرم محمد أحمد، ومحفوظ الأنصاري، ورجب البنا، لأنهم استمروا فى مناصبهم بعد الخامسة والستين، بينما يحظر القانون ذلك. ونصل إلى ما قبل الختام بزيارة المؤلف للفريق أحمد شفيق فى منزله بعد استقالته فى نهاية مارس 2011، كان يريد أن يسأله لماذا استقال؟ وربما نشر المؤلف الإجابة فى كتابه المهم: 500 يوم من حكم الجنرالات. ويعترف أنه إن كانت متعة الصحفى المهنية هى الحصول على المعلومات، فإن المتعة الثانينة هى متعة نشرها وسبق الغير بها، وهذا يحتاج لمناخٍ يُشجِّع حرية الرأى والتعبير. ويجعل السلطة التنفيذية وموظفيها لا يتدخلون بتوجيهاتهم لمنع النشر إلا بأمرٍ قضائي. ويحكى المؤلف عن الآثار التى حدثت لصحافتنا بعد 2011، ويشير إلى الأمراض التى لحقت بها. ويؤكد أن الصحفيين عليهم مسئولية للارتقاء بالمهنة. والالتزام بالمعايير المهنية. وعلى الدولة أن توفر لهم المعلومات وحرية الرأى والتعبير والنشر. هذا هو الواقع على المستوى النظري، ولكن العمل فيه وفق شروطه ربما يبدو أمراً صعباً، إن لم يكن مستحيلاً. إن ما كتبه عبد القادر شُهيِّب فى هذا الكتاب بكل صدق وأمانة لما جرى للصحافة المصرية بعد يناير 2011 يتطلب منه أمران، الأول أن يجمع هذه الأجزاء الصغيرة فى كتب كبيرة تحتمل أجزاءاً طويلة من الحكاية. الأمر الثانى والأهم أن يُكمل الحكاية حتى الآن. صحيح إنه لم يعد مسئولاً ولكنه يكتب بصدق فى أكثر من صحيفة ومجلة. وهو يرى أن حلول مشكلة المهنة سهل، ومن الممكن أن يقوم به أبناء العمل الصحفى فى بر مصر. المهم أن تتوفر النية وأن توجد جهة ترعى الأمر مثل المجلس الأعلى للإعلام التى يرأسها بكفاءة وأمانة وموضوعية الزميل والصديق عبد الصادق الشوربجي.