في خطوة غير مسبوقة تعكس عمق التوتر بين مؤسسات التعليم العالي الأمريكية والبيت الأبيض، وقّع أكثر من 150 من رؤساء الجامعات والكليات الأمريكية بيانًا مشتركًا ينتقد بشدة ما وصفوه ب"التدخل الحكومي غير المسبوق والتدخل السياسي" في مؤسسات التعليم العالي، في حين يأتي هذا البيان في وقت تتصاعد فيه الحملة التي تشنها إدارة الرئيس دونالد ترامب ضد قطاع التعليم العالي، وبعد ساعات فقط من رفع جامعة هارفارد دعوى قضائية ضد الحكومة الأمريكية بسبب تهديدات بقطع التمويل. تحالف أكاديمي غير مسبوق وفقًا لما نشرته صحيفة الجارديان البريطانية، يُعد هذا البيان المشترك الذي نُشر صباح الثلاثاء من قبل الرابطة الأمريكية للكليات والجامعات (AAC&U) أقوى مؤشر حتى الآن على أن المؤسسات التعليمية الأمريكية تشكل جبهة موحدة ضد ما اعتبروه هجومًا استثنائيًا من الحكومة على استقلاليتها. وقد ضم البيان توقيعات قادة مؤسسات تعليمية متنوعة تشمل رؤساء جامعات هارفارد وبرينستون وبراون من جامعات رابطة آيفي الشهيرة، وقادة جامعات حكومية كبرى، ورؤساء كليات الفنون الحرة الصغيرة، بالإضافة إلى قيادات عدد من الجمعيات العلمية المرموقة. أكد الموقعون في بيانهم أنهم يتحدثون "بصوت واحد" ويدعون إلى "مشاركة بناءة" مع الإدارة الأمريكية، مشيرين إلى انفتاحهم على "الإصلاح البناء" وعدم معارضتهم للرقابة الحكومية المشروعة، لكنهم يعارضون بشدة "التدخل الحكومي غير المبرر في حياة من يتعلمون ويعيشون ويعملون في حرمهم الجامعي". الصراع القانوني جاءت دعوى جامعة هارفارد القضائية بعد إعلان إدارة ترامب تجميد 2.3 مليار دولار من التمويل الفيدرالي، وتهديد الرئيس دونالد ترامب بإلغاء وضعها المُعفى من الضرائب، بزعم فشل الجامعة في حماية الطلاب اليهود من الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين. وتشير الجارديان إلى أن الدعوى القضائية والبيان المشترك، إذا أُخِذا معًا، يمثلان استجابة أكثر حزمًا من الجامعات بعد ما بدا في البداية نهجًا مترددًا. وفي الأسبوع الماضي، أصدرت جامعة هارفارد أقوى توبيخ حتى الآن لمطالب الإدارة، حيث أطلق رئيسها آلان غاربر مواجهة مع البيت الأبيض قائلاً إن الجامعة لن "تتخلى عن استقلاليتها أو تتنازل عن حقوقها الدستورية". وفي حين كانت دعوى هارفارد القضائية الأولى من قبل جامعة، فإن جمعيات التعليم العالي والمنظمات التي تمثل هيئة التدريس قد رفعت تحديات قانونية أخرى بشأن التخفيضات المالية. استراتيجية إدارة ترامب وفقًا للين باسكويريلا، رئيسة الرابطة الأمريكية للكليات والجامعات، فقد جاءت الإدانة المشتركة بعد اجتماع ضم أكثر من 100 من قادة الجامعات دعت إليه الرابطة والأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم الأسبوع الماضي "للتجمع والتحدث في هذه اللحظة الخطيرة". وأوضحت باسكويريلا سبب تأخر الاستجابة الجماعية قائلة: "كُتب الكثير عن استراتيجية 'إغراق المنطقة' المستخدمة في الهجمات الحالية على التعليم العالي، وهي استراتيجية مصممة لإرهاق قادة الحرم الجامعي بوابل مستمر من التوجيهات والأوامر التنفيذية وإعلانات السياسة التي تجعل من المستحيل الرد على كل شيء دفعة واحدة". وأضافت أن قادة الجامعات "كان عليهم التعامل مع الكثير خلال الأشهر القليلة الماضية، وهم مقيدون بمجالس الإدارة، وبدوائر متعددة غالبًا ما تطلب منهم القيام بأمور تتعارض مع بعضها البعض"، مشيرة إلى أن هناك "اتفاقًا واسع النطاق" بين مختلف المؤسسات الأكاديمية حول الحاجة إلى اتخاذ موقف جماعي في هذه المرحلة. الإجراءات الحكومية المتصاعدة ضد الجامعات أصدرت إدارة ترامب سلسلة من الإجراءات الموجهة ضد الجامعات التي وصفها اليمين بأنها "العدو" - بعضها تحت ستار مكافحة معاداة السامية المزعومة في الحرم الجامعي، والبعض الآخر في إطار جهد صريح للقضاء على مبادرات التنوع والشمول. وتشير المصادر إلى أن مليارات الدولارات من التمويل الفيدرالي مهددة ما لم تمتثل الجامعات لمطالب وصفها البيان بأنها متطرفة، مثل إزالة الأقسام الأكاديمية من سيطرة هيئة التدريس، و"تدقيق" وجهات نظر الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، والتعاون مع السلطات الفيدرالية في استهداف الطلاب الدوليين للاحتجاز والترحيل. وإلى جانب إجراءاتها ضد هارفارد، هددت الإدارة الأمريكية بقطع الملايين من الدولارات - وفي بعض الحالات نفذت التهديد - من جامعات كورنيل ونورث وسترن وبراون وكولومبيا وبرينستون وجامعة بنسلفانيا. وتنوه الصحيفة البريطانية إلى أن الإجراءات المتخذة ضد هذه المؤسسات تقوض بالفعل البحث الأكاديمي وتضعف الشراكات طويلة الأمد بين الحكومة الفيدرالية والجامعات، وتساهم في خلق أجواء من القمع، كما يشير الموقعون على البيان. مواقف متباينة قبلت جامعة كولومبيا إلى حد كبير متطلبات الإدارة لاستعادة التمويل، بما في ذلك وضع قسم أكاديمي تحت إشراف خارجي، في حين اختارت جامعات أخرى مسار المقاومة. وكتب الموقعون على البيان المشترك: "تشترك كلياتنا وجامعاتنا في الالتزام بالعمل كمراكز للاستفسار المفتوح حيث، في سعيهم وراء الحقيقة، يتمتع أعضاء هيئة التدريس والطلاب والموظفون بحرية تبادل الأفكار والآراء عبر مجموعة كاملة من وجهات النظر دون خوف من الانتقام أو الرقابة أو الترحيل". وينظم أعضاء هيئة التدريس في بعض الجامعات أنفسهم لحماية بعضهم البعض، حيث وقع العديد من أعضاء تحالف Big Ten Academic Alliance، وهو اتحاد لبعض أكبر الجامعات الحكومية في البلاد، على قرار لإنشاء "ميثاق دفاع متبادل"، في محاولة لتوحيد الجهود ضد ما يرونه تهديدًا للحريات الأكاديمية.