المشاوير الصغيرة التي لم تكن تتجاوز أمتارًا قليلة من البيت إلى المدرسة أو السنتر التعليمي؛ الذي أتلقى فيه دروسي، تحولت إلى مسافات شاسعة تقاس بالكيلومترات.. لم تعد قريتي الصغيرة قادرة على استيعاب أحلامي بمستقبل مشرق في دراسة تمنيتها وفي مهنة أحببتها.. اتخذت قراري بالسفر؛ فقرار الغربة؛ أن تعيش بمفردك، تكون حياتك، أفكارك، تنشئ مجتمعًا صغيرًا يحترم وحدتك بعيدًا عن الأسرة، ليس سهلا على الإطلاق؛ سواء لفتاة مغتربة مثلي، أو لأسرتي التي لم تصادف هذه الحالة من قبل.. في النهاية وبعد محاولات عدة وافقت أسرتي فجمعت أغراضي ووضعتها في شنطة سفر، الحقيقة أنني لم أضع ملابسي فحسب، بل كنت أضع ذكرياتي ومستقبلي في تلك الحقيبة.. وضعت حلمي الذي ظل يداعب خيالي لسنوات، وانطلقت نحو المجهول الذي يتجسد في صورة مدينة عملاقة يسكنها ملايين البشر؛ أشبه ببحر متلاطم الأمواج.. وصلت إلى عالمي الجديد بكل تفاصيله المخيفة؛ كانت الخطوة الأولى بالنسبة لي شأني شأن آلاف المغتربات، العثور على سكن مناسب؛ ونضع تحت كلمة مناسب 20 خطًا؛ فيجب أن يكون مناسبًا من حيث الموقع وقريب من مكان عملي، ويجب أن يكون الإيجار متناسب أيضا مع دخلي الشهري، تكون شريكاتي في السكن سلوكياتهن فوق مستوى الشبهات؛ والأهم من ذلك أن يكون السكن نفسه في بيئة آمنة تكفل الراحة النفسية للفتاة المغتربة ولأسرتها.. ورحلة العثور على السكن تبدأ بزيارة الجروبات المخصصة للشقق المفروشة وسكن المغتربات، وهنا شاهدت العجب العُجاب.. عالم آخر مليئ بالغموض والإثارة؛ منه ما هو صادق ومنه ما هو كاذب.. أشخاص جادون يبحثون عن مستأجرين لشققهم وآخرون اتخذوا الجروبات وسيلة للتحرش والنصب؛ من خلال إعلانات لشقق في مواقع متميزة تعتبر قريبة من كل الأماكن وسهل الوصول منها لأي مكان، ويبدأون في نشر صور مغرية جدًا للشقة، التي تظهر نظافتها وفرشها على أعلى مستوى حتى سعرها مغري جدًا لأي بنت ويكون قليلا بالمقارنة بشقق أخرى في أماكن أبعد وأقل في المستوى، لذلك الكل يسيل لعابه على مثل هذه الإعلانات ويجدونها فرصة متتعوضش، ويبدوأن في التواصل مع صاحب الشقة الذي يقدم جميع التسهيلات مثل تحمل مصاريف النظافة والخدمات سواء مياه أو غاز أو كهرباء أو حتى انترنت، تسهيلات تجعل كل بنت تراها فرصة لا تقاوم، فيطلب منهن تحويل مبلغ على سبيل العربون، وحجز الشقة حتى لا تضيع من بين أيديهن، وبعدها فص ملح وذاب.. وأنا شخصيًا كان لي تجربة مع إعلان لشقة في منطقة الدقي، الذي كان السعر مغريًا بالنسبة لي؛ مقارنة بالأسعار التي رأيتها، غير أن الشقة في مكان حيوي وراقي وقريبة من المترو ويفصلها عن عملي مسافة ربع ساعة".. حقيقي شقة لقطة بكل المقاييس.. بدأت التواصل مع صاحبة الإعلان، لكنها أخبرتني أن أتحدث مباشرة مع صاحب السكن، تواصلت معه وأرسل لي صور الغرفة، كانت جميلة جدًا، من فرحتي أرسلتها لإحدى صديقاتي والتي صدمتني عندما أخبرتني أنها شاهدت هذه الصور ولكن في منطقة أخرى غير الدقي، ونتيجة لتخصصىكمحررة حوادث أدركت أن هذا الشخص نصاب، واستطعت كشف كذبه وخداعه، ربما كنت محظوظة لأننى لم أقع في هذا الفخ، لكن هناك أخريات وقعن ضحية لهذه الإعلانات المزيفة، لذلك قررت أن أحكي تجربتي للفتيات حتى لا ينخدعن بالإعلانات المضللة ولا يرسلن أي أموال لأي شخص قبل أن يذهبن لمعاينة المكان.. أحيانًا يكون الموضوع أخطر من مجرد عملية نصب عندما يصل الأمر إلى وقوع جريمة تحرش وابتزاز.