بسم الأب والابن والروح القدس إله واحد، آمين. بعد مسيرة روحية عميقة خلال زمن الصوم الأربعينى المقدس، نجتمع بقلوب مؤمنة لنحتفل بجوهر إيماننا المسيح قام. فى هذه الليلة النورانيّة، يسطع فجر القيامة ليضيء دروب عالمنا، وتبتهج الكنيسة عروس المسيح، لأن يسوع الفادي، الذى اختبر كأس الآلام وقبل الموت بإرادته لخلاصنا، قد قهر الموت وقام منتصرًا، حيًا إلى أبد الآبدين. إن قيامة المسيح ليست مجرد ذكرى لحدث مضى، بل هى حقيقة حيّة نابضة بالقوة الإلهيّة، قوة تتجدّد فى حياتنا كلّ يوم، إنّها الانتصار الأسمى للحياة على براثن الموت، وانتصار النور الساطع على الظلام، والرجاء الوضاء على اليأس. من هذا الانتصار العظيم نستمد معنى وجودنا العميق، ونتأسس على صخرة رجائنا الثابت، ولكن أيّها الأحباء، يتردّد فى أذهاننا سؤال هام: أين يُولد هذا الرجاء؟ وكيف يترعرع وينمو فى حياتنا ؟ أولا: قيامة المسيح منبع الرجاء وشهادة للحياة إننا نعيش فى زمن يموج بالتحدّيات والصعاب، زمن تعصف به الأزمات والحروب وتتسلل إليه الشكوك لتزعزع يقيننا، قد يبدو الرجاء فى خضم هذه الأحداث هشا وقابلا للكسر، إلا أن قيامة المسيح، تأتى لتنير بصيرتنا وتؤكد لنا أن الرجاء المسيحى ليس مجرد أمنية عابرة، بل هو يقين راسخ، ضارب بجذوره فى أمانة الله المطلقة. ما هو الرجاء ؟ الرجاء هو تلك الفضيلة الإلهيّة التى تملأ قلوبنا بالشوق إلى ملكوت السماوات، إنه رغبتنا العميقة فى بلوغ السعادة الحقيقية، واضعين ثقتنا الكاملة فى وعود المسيح الصادقة، ومستندين لا إلى قوتنا الذاتيّة ،الزائلة، بل إلى معونة نعمة الروح القدس (التعليم المسيحى للكنيسة الكاثوليكية، 7181). إن فضيلة الرجاء الحيّة تحمينا من فتور العزيمة وتساندنا فى لحظات التخلى والوحدة، وتُضفى على نفوسنا السكينة، إنّ الدافع النبيل للرجاء يطرد الأنانية من قلوبنا، ويقودنا بثبات نحو سعادة المحبّة الباذلة (التعليم المسيحى للكنيسة الكاثوليكية، 8181) المسيح القائم هو رجاؤنا الحيّ و«الفصح المجيد» هو اللحظة الفارقة التى يقلب فيها الله منطق البشر فمن قلب الموت تنبثق الحياة، ومن عمق الألم يُولد الخلاص. أيها الإخوة والأخوات الأحباء «لا تدعوا الوقت يسرق منكم خصصوا وقتاً ثمينا لمحبّة الشريك، ولنمو الأبناء الروحى والعاطفي، وللصلاة العائليّة التى تربط القلوب بالله، وللإفخارستيا المقدسة التى تغذى أرواحنا، وللخدمة المتواضعة التى تشهد لمسيح. خصّصوا وقتًا لتكونوا حاضرين بقلوبكم وعقولكم لمن هم فى ضيق وحاجة كونوا بنائين لجماعات حية ومضيافة تعكس نور المسيح الحي». فى تفاصيل حياتنا اليوميّة البسيطة، يُولد الرجاء ويُختبرعندما تستيقظ الأم باكرًا لترعى أبناءها بحنان عندما يعمل الأب بتفانٍ ليُؤمن لأسرته حياة كريمة، عندما يتفوق الأبناء فى دراستهم ويسعون للخير، عندما يبتسم الجدّ بحكمة ومحبة للجيل الجديد، عندما نتبادل الغفران الصادق والمصالحة التى تطهر قلوبنا. يدعونا قداسة البابا فرنسيس ألا نفقد الرجاء بقوله : «المسيح القائم هو رجاؤنا، وبهذا الرجاء ننظر إلى المستقبل ولا نستسلم لليأس»، ففى كلّ عمل خير نقوم به، وكل بذرة محبة نزرعها فى قلوب الآخرين، نشارك فى بناء ملكوت الرجاء الذى وعدنا به المسيح. أخوتى وأخواتي: لنصل معاً من أجل سلام العالم كله لنصل من أجل مصرنا الغالية وشعبها الأصيل وكل القائمين على خدمتها، سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى والمعاونين له، نصلّى لكى تظل مصرنا متماسكة تعيش قيمها الروحيّة ويعمل كلّ فى مكانه من أجل رفعتها وازدهارها. لنصل من أجل الكنيسة وكلّ مؤمنيها وخدامها، حتى تظل شاهدة الرجاء الأمينة لقيامة المسيح، على مثال أمنا العذراء مريم المسيح قام! ومعه، فلنقم نحن أيضًا، ولتقم عائلاتنا معه فى نور قيامته المجيدة، وكل عام وحضراتكم بخير.