في السنوات الأخيرة، كانت الولاياتالمتحدة في قلب الشبكة الاقتصادية العالمية، تقود التجارة والتمويل وتحظى بثقة جميع الأطراف. واليوم، ومع تصاعد التوترات التجارية، والرسوم الجمركية التي تتسارع بشكل غير محسوب، يتساقط ركن من أركان هذا الاستقرار، فما كان يُنظر إليه في السابق كإجراء غير ضروري أو تجريبي أصبح الآن قنبلة موقوتة تهدد العوائد الاقتصادية المستقرة. تتوالى التقلبات الاقتصادية في أسواق الأسهم والسندات الأمريكية، ويبدو أن الأمور لا تتحسن وفقًا لمجلة «ذا أتلانتيك» الأمريكية ربما أصبح هذا الأمر مألوفًا، خاصة للذين عايشوا إدارة ترامب في سنواتها الأولى، إلا أن ما يحدث الآن يتجاوز تلك الفترات التي شهدت تقلبات "طفيفة". ولعل الأكثر إثارة للدهشة هو تراجع الثقة في سندات الخزانة الأمريكية، التي كانت تُعد "أداة الأمان" في أوقات الأزمة، ومع زيادة العوائد على السندات، يفرّ المستثمرون بشكل غير تقليدي نحو خيارات أخرى، متجنبين الاستثمار في أداة كانت تعد ذات يوم الأساس الأكثر أمانًا للاستثمار العالمي. بينما يضغط ترامب على زر الفوضى الاقتصادية، فإن الخوف الحقيقي يكمن في أن العالم سيجد نفسه أمام مرحلة جديدة من الاضطراب الاقتصادي، مرحلة تتجاوز تأثيرات إدارة ترامب في الداخل، لتضرب الاقتصاد العالمي بأسره، وما كان يُعتقد أنه استقرار دائم أصبح اليوم في مهب الريح. أمريكا تتباهى بغطرسة اقتصادية لطالما اعتبرت أمريكا رمزا للهيمنة الاقتصادية العالمية، دولة تسير بثقة على طريق الرفاهية والنفوذ. لكن مع صعود الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب إلى السلطة، بدأ العالم يشهد تحولًا في هذا الوضع الذي طالما بدا مستقرًا، حيث كانت أمريكا دومًا المحرك الرئيس للنمو التجاري العالمي، لكن ذلك أصبح بعيد المنال، كما أشار الصحفي تيج باريخ من صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية في وقت سابق من هذا الأسبوع. رغم كونها أكبر اقتصاد في العالم، إلا أن ما يزيد قليلا عن 13% من واردات العالم تتدفق إلى أراضيها حتى نهاية عام 2024، وكلما اتخذت أمريكا خطوات للانعزال، بدأ العالم في البحث عن مسارات تجارية أخرى، مما يهدد وضعها التقليدي كداعم رئيسي ل الاقتصاد العالمي. الاقتصاد الأمريكي يترنح تشير التحليلات الاقتصادية إلى أن الولاياتالمتحدة، في حالة إغلاق أبوابها التجارية في 2025، قد تشهد تدهورًا شديدًا في قدرتها على المنافسة العالمية، وفي غضون عام، يتوقع أن يتعافى نحو 41% من شركاء أمريكا التجاريين من التأثيرات السلبية لتوقف الصادرات الأمريكية، ومع حلول عام 2029، ستستعيد 100 من أصل 144 دولة شراكتها التجارية بالكامل. وتكشف هذه الأرقام حجم التحول الذي سيشهده العالم، حيث تبحث الدول عن طرق جديدة للتعاون بعيدًا عن التأثير الأمريكي. اقرأ أيضًا: صدمات الرسوم الأمريكية تدفع بريطانيا لتسريع تحالفاتها الاقتصادية الهيمنة الاقتصادية الأمريكية مهددة لطالما استندت الهيمنة الاقتصادية الأمريكية على 3 أركان رئيسية: التحالفات الدولية، والثقة في الدين الأمريكي، واستقلالية الاحتياطي الفيدرالي. لكن، مع إدارة ترامب، بدأ أحد هذه الأركان في التصدع، كما أشار الخبير الاقتصادي إرني تيديشي، فقد استغرقت هذه العوامل عقودًا لبنائها، لكن إدارة ترامب قد تتسبب في تدميرها في غضون سنوات قليلة، مما سيستغرق عقودًا أخرى لإعادة البناء، إذا تمكنت السياسات الأمريكية من تعافي الاقتصاد. العالم يتقدم رغم رسوم ترامب وفي الوقت الذي تحاول فيه الولاياتالمتحدة تعزيز حصتها من السوق، تتسارع تحركات العالم لإيجاد بدائل، ففي الأيام الأخيرة فقط، أطلق الاتحاد الأوروبي والإمارات محادثات حول اتفاقية التجارة الحرة، وكذلك مع أستراليا والمملكة المتحدة والهند. واستأنف الصين واليابان وكوريا الجنوبية أيضًا محادثاتهم التجارية بعد خمس سنوات من التوقف، ورغم رسوم ترامب الجمركية، يمضي العالم ببساطة قدمًا، وأمريكا تجد نفسها أكثر عزلة. أزمة الثقة في الهيكل الاقتصادي العالمي وفقًا لمجلة «ذا أتلانتيك» الأمريكية، ترامب ليس فقط من يتحمل المسؤولية عن الوضع الراهن، بل يشترك معه الكونجرس في هذا المسار المقلق. واستخدام ترامب لسلطات الطوارئ في فرض التعريفات الجمركية، رغم أنها كانت مخصصة لأزمات استثنائية، يثير تساؤلات كبيرة حول مستقبل الاقتصاد الأمريكي، فقد أشار خبير الاقتصاد الأمريكي لينسيكوم إلى ضرورة وجود جهة حكومية تستطيع تقييد هذه السلطات التي تهدد تدمير الثروة الأمريكية. وفيما قد يعتقد البعض أن فترة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب كانت مجرد مرحلة غير متوقعة في تاريخ السياسة الأمريكية، لكن الواقع أن تأثيره سيظل ممتدًا طويلًا، بحسب «ذا أتلانتيك» الأمريكية.