أعادت إدارة دونالد ترامب الثانية تعريف اللعبة الجيوسياسية العالمية، حيث تحولت الرسوم الجمركية من أداة تنظيمية تقليدية إلى سلاح ضغط سياسي قوي. الرسوم الجمركية هي إحدى أدوات الضغط التي يستخدمها ترامب لترهيب الدول اقتصاديًا، وأصبحت الحروب التجارية جزءًا من استراتيجية فرض النفوذ، ما دفع الحلفاء والخصوم لإعادة تقييم مواقفهم بما يتماشى مع مصالح البيت الأبيض، ومن خلال هذه السياسة، باتت التوترات الاقتصادية تُترجم بشكل مباشر إلى تحولات استراتيجية، ما يجعل المعركة الاقتصادية ساحة جديدة للهيمنة والتأثير على مستوى العالم. عند التعرض لضغوط ترامب، اختارت الدول استراتيجيات متنوعة، بعضها كان ناجحًا والبعض الآخر أضر بمصالحها، بعض القادة واجهوا التهديدات عبر مفاوضات هادئة، بينما رد آخرون بتدابير مضادة مثل فرض الرسوم الجمركية على المنتجات الأمريكية، وفقًا لمجلة «أتلانتيك» الأمريكية. هل تنجح سياسة ترامب الاقتصادية؟ في 26 يناير الماضي، أطلق الرئيس الكولومبي جوستافو بيترو تحديًا علنيًا لواشنطن، معلنًا إعادة طائرتين عسكريتين أمريكيتين محملتين بالمُرحَّلين، ومؤكدًا أن بلاده لن تتسامح مع معاملتهم كمجرمين، رد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهديدات بفرض الرسوم الجمركية، لكن بيترو لم يتراجع، ملوحًا بتعريفات مماثلة، وفي النهاية، حصل على ضمانات إنسانية لمواطنيه. اقرأ أيضًا: ترامب: مصر والأردن رفضا تهجير الفلسطينيين من غزة بحسب «أتلانتيك»، ترامب، رغم صخبه، يفضل تجنب الصراعات المباشرة، خاصة عندما يواجه خصمًا جريئًا، ويعزى ذلك إلى أن الاتفاقات غالبًا تُبرم خلف الكواليس بينما تستمر تصريحات ترامب النارية في العلن، ومع ذلك، لو فرضت الولاياتالمتحدة رسومًا جمركية بنسبة 50%، لكان الاقتصاد الكولومبي قد تلقى ضربة قاسية. «الحل الوسط».. التفاوض أم تجنب المواجهة؟ اختارت دول مثل المكسيكوبنما والدنمارك نهجًا مختلفًا، عبر تقديم تنازلات مدروسة بدلًا من المواجهة المباشرة، بعد تهديد ترامب بفرض الرسوم الجمركية على المنتجات المكسيكية، أعلنت رئيسة المكسيك تعزيز الحدود بقوات إضافية لمنع تهريب المخدرات، مقابل التزام أمريكي غير واضح بوقف تهريب الأسلحة، بنما ألغت اتفاقًا مع الصين، والدنمارك عرضت توسيع الوجود الأمريكي في جزيرة جرينلاند. أما ترامب، فإنه يُفضل الصفقات السريعة التي تمنحه انتصارًا سياسيًا دون مجهود كبير، وعندما يشعر بأنه خرج رابحًا، قد يتراجع عن تصعيده، ومع ذلك، المشكلة تكمن في أن تقديم تنازلات قد يغريه بالمزيد من الضغوط، ما يضع هذه الدول في دائرة لا تنتهي من الابتزاز الاقتصادي، خاصة عبر سلاح الرسوم الجمركية. وبعد تهديدات ترامب الفعلية بفرض الرسوم الجمركية على كندا، لم تتأخر أوتاوا في الرد، حيث أعلن رئيس وزرائها عن تعريفات انتقامية استهدفت منتجات حساسة سياسيًا، مثل بوربون كنتاكي وعصير البرتقال من فلوريدا، خاصة أن كندا تمتلك أوراق قوة كونها شريكًا تجاريًا رئيسيًا للولايات المتحدة، ما يجعل تهديداتها ذات تأثير حقيقي، لكن مع استقالة رئيس وزرائها جاستن ترودو. اقرأ أيضًا: «واشنطن بوست»: خطط ترامب حول غزة ستكون مدمرة ومحفوفة بالمخاطر ومن جهة أخرى، لم تكن الصين والاتحاد الأوروبي بحاجة إلى ردود متسرعة على تهديدات ترامب الجمركية، بينما أكدت بكين أنها "ستتخذ إجراءات مضادة لحماية مصالحها"، كما اختار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لهجة حذرة، مشددًا على أن أوروبا "يجب أن تُفرض احترامها"، في إشارة غير مباشرة إلى استعداد القارة العجوز لاتخاذ إجراءات انتقامية عند الضرورة. ورغم أن ترامب يفضل التهديدات الواضحة، إلا أن أسلوب الرد الصامت قد يكون أكثر فاعلية، خاصة مع دول لديها نفوذ اقتصادي حقيقي، لكن إن شعر بأن هذه التهديدات مجرد كلمات، فقد يرى فيها دعوة لمزيد من الضغط، وهو ما قد يفتح الباب أمام تصعيد تجاري جديد بدلًا من تهدئة التوترات.