بينما يتسارع قطار التغيير فى كل الملفات، نحن شهود على دولة تسابق الزمن وجيل يكتب تجربته الخاصة وسط عالم شديد الارتباك وملفات شديدة التعقيد بحكم الزمن والمسكنات، ويظل إصلاح التعليم أحد أكثر التحديات التى تواجه الدولة المصرية، بالتأكيد لن تنجو عملية الإصلاح دون مقاومة خاصة إذا كان التغيير جذريًّا، سواء كانت المقاومة من أصحاب المصالح أو من مؤسسات «متربحة» من أوضاع مستقرة منذ عقود لم يقترب منها مسؤول بحسم ما جرى خلال شهور من العام الدراسى الحالى بحل أزمة الكثافة الطلابية، وتحقيق معدلات الحضور القياسية، ومواجهة العجز فى المعلمين، تظهر ملامح عملية إصلاح تاريخية نشهدها لأول مرة، رافقها هجوم ضارٍ من أصحاب المصالح الذين يرون فى الإصلاحات تهديدًا لمكاسبهم، بدءًا من السناتر والدروس الخصوصية وصولًا إلى الكتب الخارجية، أحد الإنجازات الكبرى التى تطرقت إليها تصريحات وزير التربية والتعليم محمد عبداللطيف كانت الحد من أزمة الكثافة الطلابية التى تسببت فى مشاكل تعليمية كبيرة على مدار العقود الماضية ويؤكد الوزير: «بعد 30 عامًا من معاناة الكثافة، تمكنا من حل الأزمة فى 60 ألف مدرسة ما عدا 22 مدرسة، لتصبح الكثافة فى تلك المدارس أقل من 50 طالبًا فى الفصل» هذه الخطوة، التى تُعتبر إنجازًا ملموسًا فى القطاع التعليمي، تُسهم بشكل كبير فى تحسين جودة التعليم وتقليل الضغط على الطلاب والمعلمين على حد سواء،لكن، وللأسف، مع هذا الإنجاز الكبير، بدأت المقاومة تظهر بشكل مكثف من جهات متعددة فالسناتر، التى كانت تُعتبر شريكًا غير رسمى تسلب المدرسة دورها وتفرض نفسها على العملية التعليمية، وجدت نفسها مهددة بشكل غير مباشر بعد أن بدأت الفصول الدراسية تستوعب عددًا معقولًا من الطلاب وتعرضت الدروس الخصوصية التى كانت تشكل مورد رزق ضخم لأصحابها، لضربة اقتصادية حيث إن نظام التعليم الرسمى أصبح أكثر قدرة على استيعاب الطلاب وتقديم تعليم نوعي. هذه التحولات الجذرية دفعت بالعديد من أصحاب المصالح إلى شن حملات إعلامية ضد الوزير ومحاولات تشويه الإصلاحات التى بدأ تنفيذها. لكن التغيير فى وزارة التربية والتعليم لم يكن فقط مواجهة مع أصحاب المصالح، بل كان أيضًا اختبارًا لمصداقية النظام فى مواجهة التحديات السياسية ومن أبرز التحديات التى شهدتها الوزارة كانت حملات التشويه التى استهدفت الوزير شخصيًا، من خلال الشائعات والافتراءات التى لا أساس لها من الصحة، أشهرها الحادث المأساوى الذى انتشرت حوله شائعة مفادها أن الوزير تعمد تعنيف أحد الأشخاص حتى وفاته، بينما كانت الحقيقة أن الوزير كان قد سلم عليه فقط، وهو ما أثار موجة من الجدل الإعلامى حول هذا الحادث الذى لم يكن له علاقة بالوزير سوى أن السلام كان هو نقطة التفاعل الوحيدة، تحول إلى حادثة مفبركة تم استخدامها فى محاولات تشويه صورة الوزير والضغط عليه من قبل القوى التى شعرت أن الإصلاحات تهدد مصالحها. إن هذه الحملات الإعلامية هى محاولة للتأثير على الرأى العام، وإبعاد الأنظار عن الإصلاحات الحقيقية التى تتم فى الوزارة فى نهاية المطاف، المتربحون من ترويج الشائعات يشنون هجومًا متواصلاً ضد الوزير، لا يبحثون عن الحقيقة بل عن الحفاظ على مصالحهم الخاصة. هؤلاء الذين يعترضون على التغيير غالبًا ما يكونون المستفيد الأكبر من النظام القديم.. ومع محاولات الوزارة للتطوير، تأتى المقاومة أكثر من أى وقت مضى، حيث يهاجم هؤلاء الإصلاحات لأنهم يعلمون أن انتهاء الكتب الخارجية والدروس الخصوصية يعنى ضرب مصالحهم وتفكيك منظومة لطالما تحكمت فى مصير التعليم والطلاب. فى ظل هذه الظروف، تظل الإصلاحات التعليمية ضرورة لا يمكن التراجع عنها فهى الآن استراتيجية دولة ولا عزاء لأصحاب المصالح، لكن مع مرور الوقت، سيُدرك الجميع أن إصلاح التعليم هو المستقبل الوحيد الذى سيُحقق مصلحة الوطن والشعب.