منذ فترة ليست بالقليلة، يُشنُّ هجومٌ حادٌ على التعليم وعلى القائمين على العملية التعليمية فى جميع وسائل الإعلام. والغريب حقًا أن فئات عديدة فى المجتمع، من أولياء أمور، وطلاب، وإعلاميين ورجال سياسة واقتصاد بل وتربويين، يهاجمون المنظومة التعليمية. والكل يردد نفس الاتهامات التى تتمثل فى أن التعليم فى مصر فاشل ولاتوجد له أهداف أو رؤية واضحة ولا حتى تخطيط استراتيجى جيد لضبط العملية التعليمية. وعلى الرغم من اعتراضى على تجاوز البعض فى كيل الاتهامات لنظام التعليم المصرى بشكل مبالغ فيه، والذى وصل إلى حد مناداة البعض بإغلاق المدارس والاكتفاء بالتعليم المنزلى! إلا أننى اتفق مع وجود ارتباك عام فى المشهد التربوى، ولكنِّى اختلف فى تحديد الأسباب، فما يظهر على الساحة التعليمية من فوضى وعدم انضباط على جميع الأصعدة، لا يرجع إلى عدم وجود أهداف أو خطط استراتيجية، فللوزارة رؤية وأهداف واضحة ومعلنة. أما بالنسبة للتخطيط الاستراتيجى، فنحن لدينا خطط استراتيجية لتطوير وإصلاح التعليم منذ 1987 وحتى الخطة الاستراتيجية الطموحة 2014- 2030! ولكن هل تم وضع القوى المجتمعية من أصحاب المصالح والمستثمريين فى التعليم، و أولياء الأمور فى الاعتبار كأحد معوقات الإصلاح عند وضع الخطط الاسترتيجية؟ هذه هى القضية التى أود إلقاء الضوء عليها والتى للأسف يعتبرها البعض مشكلة ثانوية. مما لاشك فيه أن عملية بناء خطة استراتيجية لتطوير أو إصلاح أداء قطاع كبير كقطاع التعليم عملية تستوجب اتخاذ الكثير من الإجراءات والتخطيط الواعي، بل و تتطلب أن يوضع فى الاعتبار التأثير المتبادل بين البنية الاجتماعية والنظام التعليمى والأفكار السائدة فى المجتمع. جدير بالذِكر أن من يراجع جميع الخطط السابقة والخطة المستقبلية الحالية نجد أنها لم تتضمن خطوات لمواجهة بعض التحديات المتمثلة فى جماعات الضغط التى تظهر كنتيجة لرفض القوى المجتمعية لبعض الخطوات الإصلاحية فى التعليم، والمتتبع الجيد لمحاولات الإصلاح فى كثير من القضايا التعليمية يجد أن المقاومة المجتمعية كانت السبب الرئيسى فى الفشل، فلقد نجحت القوى المجتمعية فى كثير من المواقف فى تشكيل جماعات ضاغطة على الحكومة للتراجع عن كثير من القرارات التى كانت تسعى لتعديل بعض السلبيات فى المنظومة التعليمية، والأمثلة كثيرة بداية من الجهود التى بُذِلت لإلغاء الكتاب الخارجى وتجريم الدروس الخصوصية، مرورًا بتحجيم المدارس الدولية ووصولا إلى محاولة إغلاق مراكز الدروس الخصوصية، وإضافة درجات لإجبار طلاب الثانوية العامة على الحضور وغيرها الكثير وفى كل هذه القرارت كانت القوى المجتمعية هى العائق فى التطبيق، وبالنظر للُبِّ هذه المقاومة، نرى جُزءا أصيلا من هذه القوى يتمثل فى أصحاب المصالح والمستفيدين والمستثمرين فى هذه المجالات، وهو أمرٌ منطقى ومفهوم، ولكن ما يدهشك حقًا أن أكثر المعارضين كانوا من أولياء الأمور، رغم أن هذه القرارات كانت من أجل أبنائهم أو حمايتهم، هم أنفسهم، من الاستغلال، فكما وقف أصحاب المصالح والمستثمرين رافضين إلغاء الكتاب الخارجى وتجريم الدروس الخصوصية، وقف أولياء الأمور أيضًا، وسوف يقفون، رافضين معترضين على فرض درجات لضمان حضور طلاب الثانوية العامة للمدرسة و إغلاق مراكز الدروس الخصوصية، ولا يرجع سبب المقاومة لرغبة أولياء الأمور فى حصول أبنائهم على درجات مرتفعة فقط، بل لأنها تحولت إلى ما يشبه العُرف الجماعى المتفق عليه بين جميع الأُسر المصرية باختلاف مستوياتهم الاجتماعية، ولا أنسى فى إحدى زياراتى لمرحلة رياض أطفال، فوجئت بتبرير طفلة لغيابها (عندى حصة بعد نهاية اليوم الدراسى فبغيب علشان أروح الدرس مرتاحة!!) لا أعتقد أن طفلة الروضة فى حاجة للحصول على مجموع، إذن القضية هنا قضية وعى مجتمعي، وثقافة شعب، ولِمَ لا؟ فآباء اليوم هم طلاب الأمس الذين تربوا على الدروس الخصوصية والكتب الخارجية التى أصبحت ظاهرة منذ تسعينيات القرن العشرين، والحقيقة أننا لا نُحمِّل المسئولية لأولياء الأمور خصوصًا أنهم هُم أنفسهم ضحية السياسات التعليمية الخاطئة. كما أن الحكومات ظلت تتعامل مع مراكز الدروس الخصوصية بمنطق التوك توك، فهو منتشر فى كل مكان و الكل يستخدمه وتسمح الحكومة باستيراده، ولكن وزارة الداخلية تعتبره غير موجود وترفض ترخيصه فمعظم مراكز الدروس الخصوصية مرخصة تحت مسميات مختلفة وجميع أبناء الوزراء والسياسيين والاقتصاديين والتربويين ورجال الأمن يترددون عليها، بل إنها أصبحت بديلا للمدرسة، حتى فى المدارس الدولية حيث تقوم بعض المدارس بتوزيع جدول الحصص على طلاب EGC متضمن محاضرات فى مراكز الدروس نظرًا لعدم تفرغ المدرسين للحضور للمدرسة. كل هذا والحكومة لا تعترف بأعطاء تراخيص لهذه المراكز ولم تأمر بإغلاقها! إلى أن تحولت إلى جزء لا يتجزأ من العملية التعليمية ليس فقط لطلاب المرحلة الثانوية بل امتدت إلى طلاب المرحلة الإعدادية والابتدائية، إن إهمال الدور التوعوى لوزارة التربية والتعليم فى الخطط الاستراتيجية وفى أى خطة لإصلاح التعليم أدى إلى تحول أولياء الأمور والطلاب «وهى القوى المجتمعية المستهدفة» من جزء من التغيير إلى أهم رافد من مقاومة التغيير. من داعم للإصلاح إلى جزء من مقاومة الإصلاح. لقد اتخذت وزارة التربية والتعليم لمواجهة مراكز الدروس الخصوصية ،و إضافة درجات لضمان حضور طلاب الثانوية العامة، نفس الأسلوب الذى أثبت فشله عدة مرات وهو صدور قرارات وزارية لفرضها على الجميع دون مراعاة البعد الاجتماعى. إن إدراك أهمية الوعى الإيجابى للمجتمع تجاه إصلاح منظومة التعليم و تغيير النظرة النمطية للهدف من التعليم هو أمرٌ شديد الأهمية لضمان النجاح. وعندها نستطيع مواجهة القوى الضاغطة من المستفيدين والمتربحين من تدهور النظام التعليمى. لمزيد من مقالات د. بثينة عبد الرؤوف رمضان