في زحام المسؤوليات الكبرى، حيث تنشغل العقول بالتحديات الدينية والاجتماعية، وتثقل الكتفين قضايا الأمة، يبقى للقلوب النبيلة مساحتها الرحبة لتغرس بذور الخير في التفاصيل الصغيرة التي تصنع الفارق الحقيقي. قصة لا تشبه سواها، بدأت ككثير من القصص التي تمر على مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، حيث يعمل فريق من العلماء والدعاة على إصلاح ذات البين بين الأزواج، والسعي إلى لمّ شمل الأسر المهددة بالتفكك. وفي إحدى هذه الحالات، نجح المركز بعد جهد طويل في إعادة التفاهم بين زوج وزوجته، واتفق الطرفان على العودة إلى عش الزوجية برضى ومحبة. غير أن الطريق إلى السلام لم يكن مفروشًا بالورود، إذ اصطدمت فرحة الصلح بعقبة مفاجئة: الأب رفض عودة ابنته إلى بيت زوجها، رغم رضاها الكامل واستعدادها للعودة. كان من الممكن أن يُغلَق الملف عند هذا الحد، ويُترك الزوجان في مهب الريح، لكن في أروقة الأزهر، حيث لا تُقاس القضايا بأهميتها الظاهرة، بل بأثرها الإنساني، حدث ما لم يكن متوقعًا. يوم الجمعة، في الوقت الذي ينشغل فيه الناس بالراحة والعبادة، بلغ الأمر إلى الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب. لم يتردد لحظة. أمسك هاتفه، واتصل بنفسه بالأب المعترض، حاملاً إليه صوت العقل والحكمة، ومُذكِّرًا إياه بأن الرحمة هي جوهر الشريعة، وأن لمّ الشمل خير من الشقاق. "شيخ الأزهر اتصل بنفسه" — هكذا قال الدكتور أسامة الحديدي، مدير مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، وهو يسرد تفاصيل القصة في برنامج "الستات مايعرفوش يكدبوا" على فضائية "سي بي سي"، مضيفًا أن تدخّل الإمام الأكبر لم يكن مجرد إجراء إداري، بل موقف إنساني عميق أنهى الأزمة من جذورها. انتهت القصة بعودة الزوجة إلى بيتها، وعاد معها الدفء والطمأنينة إلى منزل كاد أن تبتلعه الرياح، فقط لأن رجلاً في مقام شيخ الأزهر لم يتعالَ على همّ بسيط في ظاهره، لكنه كبير في أثره، وأثبت أن القيادة الحقيقية ليست فقط في المواقف الكبرى، بل في الالتفات للتفاصيل التي تمس قلوب الناس. هكذا، وبرسالة واحدة من قلب كبير، صنع الإمام الأكبر فارقًا لا يُنسى في حياة أسرة، وأضاف سطرًا جديدًا في سجل الأزهر الذي لم يغب يومًا عن قضايا الناس، مهما صغرت.