بعد أن كانت معضلة هدنة غزة هى الضمانات الأمريكية التى طلبتها حماس من أمريكا بالانتقال إلى المرحلة الثانية لاتفاق الهدنة السابق الذى تهربت إسرائيل من تنفيذه أضحت المعضلة الآن طلب إسرائيل أن تتخلى حماس عن سلاحها لتوافق على وقف إطلاق النار فى غزة !.. فقد تقدمت حكومة نتانياهو باقتراح جديد لهدنة تمتد إلى سبعة أو ثمانية أسابيع يتم خلالها الإفراج عن نصف المحتجزين الإسرائيليين الأحياء فى غزة خلال الأيام الأولى للهدنة، والنصف الآخر فى أيامها الأخيرة مقابل الإفراج عن أعداد من الأسرى الفلسطينيين وعودة تدفق المساعدات الإغاثية لأهالى القطاع والبدء من مفاوضات المرحلة الثانية فى اليوم الثالث من الهدنة.. وتضمن الاقتراح الإسرائيلى لأول مرة طلبًا بنزع سلاح حماس.. ورغم أن الوفد المفاوض لحماس الذى زار القاهرة مؤخرًا طلب مهلة زمنية مدتها 48 ساعة لبحث ودراسة الاقتراح الإسرائيلى الجديد الذى تتكتم عليه حكومة نتانياهو حتى الآن، إلا أن حماس سارعت بإعلان رفضها الحاسم للتخلى عن سلاحها مؤكدة أن هذا السلاح خط أحمر!. وإذا كانت إدارة ترامب تتعجل التوصل إلى صفقة جديدة للهدنة ليبدأ تنفيذها قبل أن تبدأ زيارة ترامب للخليج لتوفير مناخ لنجاحها وحصوله على ما يبغيه من الدول الخليجية الثلاث التى تشملها، فإن إدارة ترامب تشاطر إسرائيل طلبها فى نزع سلاح حماس وبقية الفصائل الفلسطينية الأخرى ولا تكتفى بإبعادها عن حكم القطاع فقط، بل إنها تدعم الطلب الإسرائيلى الآخر بإبعاد قادة حماس عن القطاع. ويأتى هذا التطور المعرقل لتحقيق الهدنة فى غزة بعد محاولات مصرية لتحريك مفاوضاتها لتجاوز الجمود الذى أصابها برفض حماس آخر مقترحات ويتكوف المبعوث الأمريكى للمنطقة والذى كان يقضى بالإفراج عن عشرة من المحتجزين الإسرائيليين فى غزة مقابل عودة تدفق المساعدات الإغاثية لأهالى القطاع ووقف إطلاق النار بضعة أسابيع، وهو ما دفع القاهرة للتقدم باقتراح جديد يقضى بالإفراج عن ثمانية من المحتجزين الإسرائيليين مع بدء مفاوضات المرحلة الثانية لاتفاق الهدنة السابق الذى تم تنفيذ مرحلته الأولى فقط لتستأنف قوات الاحتلال حربها البشعة ضد أهل غزة !.. وبينما طلبت حماس ضمانات أمريكية حقيقية بوقف مستدام لإطلاق النار وانسحاب قوات الاحتلال من غزة كما تقضى المرحلة الثانية من اتفاق الهدنة السابق، فقد ردت إسرائيل بتقديم اقتراحها الجديد الذى تضمن لأول مرة نزع سلاح حماس مع الإفراج عن كل المحتجزين الإسرائيليين الأحياء فى القطاع وتسليم جثامين الموتى منهم أيضًا مقابل هدنة مؤقتة وليس وقفًا مستدامًا لإطلاق النار وإنهاء تام لحرب الإبادة للفلسطينيين فى غزة المستمرة منذ السابع من أكتوبر عام 2023 والتى دمرت معظم مبانى ومنشآت القطاع وأودت بحياة نحو 51 ألف شهيد وضعفهم من المصابين وحولت كل سكان القطاع إلى نازحين بشكل دائم ومستمر فى مساحة ضيقة من أراضىه. والأغلب أن رد حماس على هذا الاقتراح الإسرائيلى سيكون فى شكل طلب تعديلات عليه تقضى باستبعاد ما ترفضه فيه مثل نزع سلاحها وربط الإفراج عن كل المحتجزين الإسرائيليين فى القطاع بتنفيذ قوات الاحتلال انسحابها من أراضى القطاع، وذلك بضمانات أمريكية جادة فى هذا الشأن، نظرًا لأن أمريكا هى وحدها القادرة على إلزام إسرائيل بوقف الحرب والانسحاب من أراضى القطاع، مع تكرار تعهد حماس بأنها لن تعود لحكم القطاع بعد الانسحاب الإسرائيلى منه.. والأغلب أيضًا أن حكومة نتانياهو الراغبة فى استمرار الحرب وغير المكترثة بالضغوط الداخلية عليها التى تستهدف وقفها، لن تقبل أيضًا التعديلات التى ستطلبها حماس.. وهنا سوف تتجه الأنظار إلى أمريكا ومبعوثها للشرق الأوسط لتقديم اقتراح جديد للهدنة تلزم إسرائيل بقبوله والشروع فى تنفيذه قبل زيارة ترامب الخليجية. وهكذا إذا كانت الآن مفاوضات الهدنة متعثرة إزاء ما يعرقلها من معضلات الضمانات الأمريكية التى تطلبها حماس والطلب الإسرائيلى بنزع سلاح حماس، فإن الرهان الآن على رغبة ترامب أن تتم زيارته الخليجية فى هدوء، وأيضًا على الضغوط الإسرائيلية التى وصلت إلى الجيش ومارسها جنود وضباط للتوصل إلى صفقة للإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين حتى ولو كان الثمن هو وقف الحرب.. أما إعلان حماس انقطاع الاتصالات مع المجموعة المسلحة التى تحتجز الأمريكى الجنسية الحى الباقى فى غزة فليس معروفًا تأثيره بعد على مفاوضات الهدنة ولكنه سوف يزعج واشنطن!.