قال لى: فلان ده نرجسى خالص! أجبته: معرفتى به سطحية ولكن كيف حكمت عليه أنه نرجسى؟ قال: النرجسية فى أبسط تعريفها حب الذات وعدم الاهتمام بالآخرين. مثلًا يبث أحدهم منشورا له على صفحته الإليكترونية ويذيله بطلب من رواد الصفحة قائلا: أنتظر آراءكم وتعليقاتكم، يعنى هو لا يريد الاكتفاء بعلامة الإعجاب بل يطالبهم بأن يقرأوا ما كتبه حتى لو كان غثًا ويعلقوا عليه، وطبعًا معظم الرواد خجلًا أو مجاملة يكتب له كلامًا فى المطلق مثل دام إبداعكم وسلم قلمكم وهو يعيش الدور ويصدق كلمات المجاملة معلقًا بالشكر والثناء. أما إذا كان كاتبًا مرموقًا وذا صفة نرجسية أيضاً فهو يضع ما دوّنه على صفحته ويترك لروادها حرية التعليق دون طلب أو استجداء، ولأنه كاتب مرموق فإن قلة قليلة من الرواد تقرأ بالفعل والأقل منهم من يتدخل برأى أو تعقيب. وسواء كان صاحب الصفحة من أصحاب الفكر والقلم أو كان على «قد حاله»، فهو لا يمكن أبدا أن يتفاعل مع منشور، لأى من أصدقاء صفحته وكأن لسان حاله يقول أنا لا أهتم بما تكتبون فأنا فقط من تستحق كلماته أن تقرأ ويعلق عليها رواد. هذان النموذجان لا تجد على صفحتيهما سوى عدد قليل جدًا من المتابعين وجلّهم مجاملون وهو ما لا يستوقف النرجسى الذى ترضى نرجسيته كلمات الإطراء والمجاملة، يتيقن فى نفسه أنه أتى بما لم يستطعه الأوائل! على الجانب الآخر هناك من أصحاب الصفحات من تزخر منشوراتهم بإقبال كبير من رواد صفحاتهم وصاحبها حريص على أن يعلق على كل من يبدى رأيًا أو قام بمداخلة على الموضوع محل المنشور، حتى لو كان الرأى أو كانت المداخلة تعنيفا أو تقريظا لما بثه صاحبه، فهو يتجاوز عن كل ذلك وتظل الرصانة والموضوعية هما سمته التى لا يحيد عنها، وأذكر من بين أمثال هؤلاء أصحاب الصفحات الرنانة إن صح الوصف، الدكتور عاطف معتمد أستاذ الجغرافيا بآداب القاهرة. الرجل لا يحذف تعليقًا واحدًا مهما كانت وجهة نظر صاحبه، بل إنه أحيانا يتحمل سخافات البعض فى صبر وتؤدة، أنا عن نفسى أحسده عليها، ولكن هذا هو البون الشاسع بين عالم وجاهل أو أحمق أتاحت له مواقع التواصل أن يجهر بها دون أن يعى من الذى يخاطبه. النماذج كثيرة للنرجسية التى يصنفها العلم على أنها مرض نفسى أصله الأسطورة اليونانية عن ذلك الفتى «نرجسى» الذى كان على قدر كبير من الجمال ورأى نفسه على صفحة مياه نهر فعشقها فأوردته التهلكة. اللهم جنبنا النرجسية أن تصيبنا والنرجسيين أن نتعامل معهم ولو كان للضرورة فاجعلها اللهم فى أضيق الحدود.