أهم ما يلفت النظر فى دراما رمضان هذا العام تصديها بكل جرأة لقضايا كان مسكوتا عنها لسنوات طويلة فى مقدمتها التحرش الجنسى بالأطفال والجرائم التى ترتكب فى دور الأيتام وفى مقدمتها استغلال الأطفال المقيمين بالدور فى تعبئة وتوزيع المخدرات.. ربما عالجت بعض الأعمال الدرامية سوء معاملة الأطفال فى دور الأيتام لكن استغلالهم بهذا الشكل الإجرامى هو المسكوت عنه الذى أزاح عنه الستار مسلسل «أولاد الشمس» فى النصف الأول من رمضان قبل أن يزيح مسلسل «لام شمسية» الستار عن القضية الأهم المسكوت عنها أيضا وهى التحرش الجنسى بالأطفال الذى أجمع أغلب النقاد وخبراء الإعلام والمتخصصين على اعتباره أقوى وأفضل عمل درامى مجتمعى حتى الآن.. عمل يستحق المشاهدة بجدارة ويجب على كل أسرة أن تشاهده مع أبنائها لتوعيتهم ضد التحرش الجنسى وأخطاره وأهمية توضيح الحدود الجسدية لأطفالنا وعقوبة المتحرشين جنسيا بالأطفال وتغليظ العقوبة على هذه الجريمة الشنعاء كما حدث فى الحلقة الأخيرة من المسلسل. أعود إلى بدايات رمضان عندما عرض مسلسل «أولاد الشمس» فإذا به يتصدر بجدارة الأعمال الدرامية المعروضة فى نصفه الأول وكان حديث الناس من حلقته الأولى فكل عناصره اتسمت بالصدق.. القصة التى تعرضت بجرأة شديدة لما يدور فى دور الأيتام من أفعال إجرامية لمدير الدار الذى كان يستغل الأطفال فى تعبئة وتوزيع المخدرات، والأداء الراقى والمتمكن لنجوم العمل الفنان القدير محمود حميدة الذى أدى دوره باحترافية عالية وجسد الشر بسلاسة ولم يطغ بأدائه على أداء الواعدين أحمد مالك «صاحب فكرة المسلسل» وطه دسوقى بل أعطاهما كامل الفرصة للانطلاق وتأكيد موهبتهما.. كل نجوم العمل أدوا أدوارهم ببراعة كما رسمها المبدع مهاب طارق وسلمها لقائد العمل المخرج المتميز شادى عبدالسلام ومدير التصوير الفنان د. محمد مختار ليخرج هذا المسلسل من إنتاج الشركة المتحدة تحت إشراف دينا كريم رئيس قطاع التوزيع وعلى ربيع رئيس قطاع الإنتاج. ولعل اللافت للنظر فى الحلقة الأخيرة هذا الفيلم الوثائقى الذى تحدث فيه عدد من خريجى دور الأيتام عن تجاربهم الناجحة فى الحياة وكيف أصبحوا لا يخجلون من القول إنهم من خريجى دور الأيتام فقدموا بذلك صورة تمثل النقيض لما كشف عنه المسلسل من انحرافات داخل إحدى دور الأيتام.. وقد نظمت د. مايا مرسى وزيرة التضامن الاجتماعى حفلا لتكريم فريق عمل المسلسل بحضور أبناء دور الأيتام الذين تحدثوا فى الفيلم الوثائقى وأكدت أن الأعمال الدرامية الهادفة التى تحرك المجتمع وتقدم رسالة إيجابية هى الأعمال التى تحتاجها مصر الآن. ونصل إلى النصف الثانى من رمضان حيث بدأ عرض مسلسل «لام شمسية» الذى جرى إعداده على مدى 3 سنوات من الكتابة والورش والجلسات والحوارات مع المتخصصين من أساتذة علم النفس ورجال القانون والأطباء.. دراما بأنامل جراح كما وصفتها د. مايا مرسى -على صفحتها على الفيسبوك- خايف على جرح المشاهد وكمان خايف على مصداقية المشهد.. دراما حاتفرق مع المجتمع أسرع من الندوات والحملات والمؤتمرات، فالدراما هى أقصر طريق للتوعية فشكرا لصناع «لام شمسية». ورشة الكتابة أشرفت عليها الكاتبة المبدعة مريم نعوم التى أصبح وجود اسمها على أى عمل شهادة ضمان بنجاحه مسبقا. ماذا أقول لأشيد بمريم نعوم وفريق العمل المعاون لها على جرأته فى تناول موضوع التحرش الجنسى بالأطفال؟ هذه القضية المسكوت عنها منذ سنوات طويلة رغم آثارها السلبية فى تدمير المجتمع فى صمت.. ولم يقتصر النص على تناول التحرش الجنسى بالأطفال فقط بل لامس أيضا قضايا الخيانة الزوجية والعلاقة الحميمة بين الزوجين وأخطار الألعاب الالكترونية وعدم الرغبة فى الأمومة وعالج كل ذلك بمنتهى الحرفية. وكما قالت الناقدة الفنية الكبيرة الزميلة هويدا حمدى فإن العلاقات الأسرية والزوجية المشوهة والتى أدت إلى الخيانة ودمار الأسر ناقشها المسلسل بشكل محترم وواع ومدروس نفسيا وهذا مهم جدا ويدعو لتحية المؤلفة والمخرج وكل فريق العمل.. الحوار الصريح والعلمى جدا الذى صدم البعض لصراحته تحتاجه الأسر الآن.. تحتاج لحوار عالى الصوت وصريح يسمعه الصغار قبل الكبار ربما ننقذ أبناءنا من معلومات فاسدة وسلوك مشوه يحاصرهم خارج البيت فيفسدهم فى صمت ونحن نخفى وجوهنا ونكتفى بكلمة «عيب».. العيب هو الصمت والسكوت على جرائم أخلاقية ونفسية تنهش فينا بلا رحمة. صدقت يا هويدا.. وأؤيدك تماما.. شكرا لأسرة المسلسل: مريم نعوم والمخرج كريم الشناوى والأبطال أمينة خليل وأحمد السعدنى ومحمد شاهين ويسرا اللوزى وصفاء الطوخى والطفل الموهوب على البيلى. وشكرا لمن سمح بمساحة من الحرية نحتاجها بشدة لإنقاذ الدراما والمجتمع الذى أفسد الدراما وليس العكس!