فى زمن تتزايد فيه التحديات والقضايا المسكوت عنها، يأتى مسلسل «لام شمسية» كعمل استثنائي، يتناول بشجاعة قضايا شائكة، تمس النسيج الاجتماعي، دون اللجوء إلى مشاهد صادمة أو افتعال، مقدّمًا معالجة درامية جريئة تتسم بالوعى والجدية، لقضية التحرش الجنسى بالأطفال، بأسلوب توعوى راقٍ ومؤثر، بعيدًا عن الابتذال أو المبالغة. يفتح المسلسل الباب لنقاش جاد، مسلطًا الضوء على زوايا معتمة فى المجتمع، ليسهم فى رفع الوعى العام، ويشجع الأهل على فتح قنوات الحوار مع أطفالها حول هذه القضية الخطيرة، التى تترك آثاراً نفسية مدمرة وتهدد براءتهم، ويكشف التأثير العميق للخلافات الأسرية على الصغار، ويُظهر الصراع الداخلى للأم بين حماية الطفل، ومواجهة الضغوط الاجتماعية التى تسعى للتستر على مثل هذه الجرائم. جاء العمل من خلال تجربة فنية مدروسة، تستند إلى بحث دقيق لأكثر من 3 سنوات فى الجوانب النفسية والاجتماعية، وتحليل عميق للشخصيات، ما يفسر تماسك الحبكة وبراعة الحوار، ويعكس قدرة المبدعة مريم نعوم على تقديم سيناريو قوى ومتماسك يوازن بين السرد الواقعى والتأثير العاطفي، ونجح المخرج المبدع كريم الشناوى فى تحويل كل مشهد إلى لوحة بصرية، تعكس الحالة النفسية للشخصيات بدقة شديدة، مستعينًا بكادرات محسوبة، وإضاءة موحية، وإيقاع متناغم يخلق تفاعلاً حقيقيًا مع الأحداث. ولا يمكن الحديث عن العمل دون المستوى الاستثنائى للأداء التمثيلى المبهر، أبدعت أمينة خليل وقدمت أداءً داخليًا عميقًا، معبراً عن التعقيدات النفسية لشخصيتها، وجسد أحمد السعدنى أفضل أدواره على الإطلاق، وتحدى محمد شاهين نفسه وقدّم أصعب أدواره، مستعرضا قدراته وبراعته التمثيلية، وأعادت يسرا اللوزى اكتشاف نفسها، وأدهشتنا بقدرتها على التعبير بنظراتها وملامحها، ومفاجأة العمل على قاسم فى دور الطبيب النفسي، وتجسيده الهامس شديد القوة والتأثير، بأسلوبه السهل الممتع. بينما خطف الطفل الموهوب على البيلى القلوب، بتجسيده البارع لحالة الطفل يوسف، وقدم دورًا استثنائيًا، معبرًا عن مشاعر معقدة بنظراته وتعبيراته البريئة، وجاء التوظيف الذكى لرمزية نشيد «اللام الشمسية» و»اللام القمرية»، ليعكس الصراع الداخلى لمشاعر الطفل المكبوتة، وعمق العلاقة السرية التى تجمعه بصديق والده. «لام شمسية» عمل كُتب بأنامل جراح يعرف موضع الألم، وأُخرج بحساسية فنية تليق بخطورة القضية، فإذا كان هدف الدراما إضاءة المسكوت عنه، فإن المسلسل نجح فى أن يكون شعاعًا حقيقيًا يضيء زوايا مظلمة فى الوعى المجتمعي.