خصصت صحيفة «شيكاغو تريبيون» افتتاحيتها المنشورة في الثالث من أبريل/ نيسان الجاري، لانتقاد التعريفة الجمركية التي أعلنتها الإدارة الأمريكية، واصفًة إياها بالمغامرة بمستقبل الاقتصاد الأمريكي، اعتمادًا على فلسفة اقتصادية تعود لقرون مضت، وأنها تهدد بإشعال حرب تجارية عالمية. «بوابة أخبار اليوم» تُعيد نشر الافتتاحية المنشورة على الموقع الإليكتروني للصحيفة الأمريكية اليومية... وإليكم نصها: (مهما كان الرأي في إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب يوم الأربعاء من حديقة الورود في البيت الأبيض، فإن هناك حقيقة واحدة لا يمكن إنكارها: لقد أوفى بوعده الانتخابي. لأشهر، كانت الأسواق العالمية في حالة تذبذب حاد بسبب الأخبار والشائعات حول خطط ترامب التجارية، حيث كان الرئيس الأمريكي يطلق تصريحات حمائية ثم يتراجع عنها تحت ضغط الصناعات المتضررة، لكن السؤال الذي ظل يشغل أذهان الاقتصاديين والمستثمرين التنفيذيين كان: هل سيفعلها حقًا؟ هل سيغامر بمستقبل الاقتصاد الأمريكي اعتمادًا على فلسفة اقتصادية تعود لقرون مضت؟ الآن، حصلنا على الإجابة. لقد كان جادًا.. ولا يزال جادًا. سواء اتفق معه البعض أو عارضوه، فإن الواقع واحد: ترامب أطلق العنان لحرب تجارية عالمية شاملة، ستعيد تشكيل المشهد الاقتصادي الدولي بالكامل. لم يكن الهجوم التجاري الذي شنه دونالد ترامب مفاجئًا، لكنه كان جريئًا بشكل يثير الدهشة، فخلال خطابه يوم الأربعاء، رفع ترامب مخططًا بسيطًا يعرض نسبًا مئوية يُزعم أن الدول الأخرى تفرضها على الشركات الأمريكية عند الدخول لأسواقها. اقرأ أيضًا| ضربة اقتصادية مزدوجة.. الاتحاد الأوروبي يستعد لمعاقبة ترامب وشركات التكنولوجيا الكبرى لكن المثير للجدل أن هذه الأرقام لم تقتصر على الرسوم الجمركية الفعلية، التي تختلف بطبيعتها من منتج لآخر، بل تضمنت عوامل أخرى يصعب قياسها مثل "التلاعب بالعملات" وضريبة القيمة المضافة (VAT) في أوروبا وغيرها، رغم أن الأخيرة تُطبق بشكل متساوٍ على المنتجات المحلية والمستوردة على حد سواء. بعبارة أخرى، فإن الأرقام التي استند إليها ترامب في تبرير استراتيجيته التجارية المثيرة للجدل ليست سوى وجهة نظر قابلة للنقاش، إن لم تكن عرضة للتشكيك تمامًا. وفقًا للرؤية التي قدمها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، فإن الصين، على سبيل المثال، فرضت رسومًا جمركية شاملة بنسبة 67% على المنتجات الأمريكية، وبناءً على ذلك، أعلن ترامب أن الولاياتالمتحدة سترد بالمثل، لكنها ستفرض رسومًا تعادل نصف النسبة التي يزعم أن الدول الأخرى تفرضها، في حالة الصين، سيكون التعريفة الجمركية الأمريكية 34% على السلع الصينية. وهكذا استمر الإعلان عن تعريفات جمركية جديدة، من بينها ضريبة بنسبة 20% على المنتجات القادمة من الاتحاد الأوروبي، وهو ما لم يكن خبرًا سارًا، وضريبة بنسبة 46% على السلع الفيتنامية، وهو ما سيؤثر بالتأكيد على مشتري الأحذية الرياضية. وتشمل القائمة عشرات الدول، بعضها من الاقتصادات الكبرى، وأخرى بالكاد تُعتبر لاعبًا في التجارة العالمية مثل مونتينيغرو وتشاد ورواندا وفانواتو. حتى الدول التي لم تستهدفها إدارة الرئيس دونالد ترامب بتعريفات جمركية خاصة لن تفلت من العقوبات التجارية، إذ سيتم فرض ضريبة عامة بنسبة 10% على جميع السلع الأجنبية المصدرة إلى الولاياتالمتحدة، بمعنى آخر، لا أحد سينجو، سواء كان يضع حواجز أمام البضائع الأمريكية أم لا. وفي خطابه، وصف ترامب هذه الإجراءات بأنها "إعلان استقلال اقتصادي"، مؤكدًا أن "هذه التعريفات تحقق نموًا لم يسبق له مثيل"، لكن التجارب السابقة مع الحروب التجارية تثبت العكس تمامًا. عادةً ما تؤدي التعريفات الجمركية إلى ارتفاع سريع في الأسعار، وهو ما سيبدأ تأثيره الفوري على المستهلك الأمريكي، حيث دخلت هذه الرسوم حيز التنفيذ عند منتصف الليل، وبينما يحتاج المستوردون والمصنعون إلى فترات طويلة لإعادة بناء مصانعهم أو تعديل سلاسل التوريد، فإن الأسعار ستتصاعد بوتيرة أسرع بكثير مما يمكن تعديله. باعتبار أن الاستهلاك يشكل 70% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، فإن تآكل القوة الشرائية للمستهلكين سيؤثر بشدة على الاقتصاد، وعندما يبدأ المواطنون في خفض إنفاقهم على السلع غير الأساسية، فإن خطر الركود الاقتصادي يصبح وشيكًا. ولكن الأخطر من الركود هو أن يقترن بتضخم جامح، مما قد يؤدي إلى أسوأ كابوس اقتصادي على الإطلاق: الركود التضخمي (Stagflation)، حيث يتباطأ النمو الاقتصادي بينما تستمر الأسعار في الارتفاع، فهل حقًا ستؤدي سياسات ترامب إلى "نمو غير مسبوق"؟ أم أنها مجرد مغامرة اقتصادية قد تنتهي بكارثة؟ برر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب سياسته الحمائية الجديدة بأنها وسيلة لتحفيز التصنيع في الولاياتالمتحدة، مشيرًا إلى أن الشركات الأجنبية ستضطر الآن إلى بناء مصانع داخل أمريكا لتجنب التعريفات الجمركية، وبالتالي بيع منتجاتها بأسعار أقل للمستهلكين الأمريكيين. اقرأ أيضًا| ترامب يدرس قيودًا جديدة على السفر إلي أمريكا.. من سيكون على القائمة السوداء؟ لكن هذه الحجة لم تقنع الكثيرين، بمن فيهم الخبراء الصناعيون، فقد أصدرت الرابطة الوطنية للمصنعين بيانًا صريحًا على لسان رئيسها جاي تيمونز، قال فيه: "التكاليف الباهظة للتعريفات الجديدة تهدد الوظائف وسلاسل التوريد، وبالتالي قدرة أمريكا على التفوق على الدول الأخرى كأكبر قوة صناعية في العالم". في الأيام القادمة، سنشهد تفاعل الأسواق العالمية مع هذه الإجراءات، لكن الأهم من ذلك هو كيف سترد الدول الأخرى، بعض الدول لديها القدرة على الانتقام اقتصاديًا أكثر من غيرها، ولكن الرد بالمثل أمر لا مفر منه، وعندما يحدث ذلك، من المتوقع أن يرد ترامب مرة أخرى، مما قد يفتح الباب أمام تصعيد مستمر. هذا هو جوهر الحروب التجارية، أهلاً بكم في عودة الفلسفة الاقتصادية التي هيمنت على القرون السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر، والتي تقوم على فرض قيود تجارية صارمة لحماية الصناعات المحلية، ندرك أن العولمة الاقتصادية ألحقت أضرارًا بالعمال في العديد من الدول، وأن هناك دولًا تتلاعب بمفهوم التجارة الحرة لتحقيق مكاسب غير عادلة، وربما لهذا السبب أُعيد انتخاب ترامب بدعوى حماية الاقتصاد الأمريكي، لكننا لطالما كنا في صف الأسواق المفتوحة والمنافسة الحرة، ونعتقد أن الأمريكيين من جميع الأطياف يفضلون اقتصادًا ينمو على اقتصاد يعاني من تبعات حرب تجارية، سواء كانت هذه التبعات مقصودة أو غير مقصودة.) إلى هنا انتهت افتتاحية الصحيفة الأمريكية واسعة الانتشار، غير أن العالم لم يستوعب بعد تداعيات هذه الرسوم الجمركية، إذا بدأت عدد من الدول فرض تعريفات انتقامية على الصادرات الأمريكية، ما قد يضر بالزراعة والصناعات الأمريكية، فيما تسعى دول أخرى لإبرام اتفاقيات تجارية جديدة لتقليل الاعتماد على السوق الأمريكي، الأمر الذي يهدد يضعف النفوذ الاقتصادي لواشنطن عالميًا. اقرأ أيضًا| قيود وضرائب ورسوم.. عوائق جديدة أمام تدفق السياح لأمريكا بسبب قرارات ترامب