في أزجاله الأولى شن بيرم التونسي هجومًا شديدًا على الأميّة وأثرها السلبى فى المجتمع، ونشر قصيدته «الجهل»، التي قال فيها: «الجهل قال للصنايعي، اخلف المواعيد وقول لهم بعد بكرة وبعد بكرة عيد، واحلف لهم بالطلاق إن القديم دا جديد، تفوت عليه السنة يقعد يِنِشّ وحيد، ويبتدى الفقر والأمراض والتشريد». وبمناسبة الذكرى 132 لميلاد هذا الشاعر العظيم، فى 23 مارس 1893، وجدتنى غارقًا فى ألقه الذى لا ينطفئ وكلماته التى لا تزال تعلمنا الدروس والحكم جيلًا بعد جيل، فقد ترك بيرم إرثًا إبداعيًا شديد الثراء، تنوع بين الشعر والأغانى والقصص والمقالات والمسلسلات الإذاعية وسيناريوهات الأفلام والنصوص المسرحية، وإن كان قد تفرّد فى كتابة الزجل بروح ساخرة، وانتقد من خلاله الأوضاع السياسية والاجتماعية فى مصر خلال الثلث الأول من القرن العشرين. والحقيقة أننى كلما قرأت نصًا لبيرم شعرت أنه كتبه للتو، حتى أنه لم يترك قضية مهمة إلا وقال فيها ما يناسبها برؤية عميقة، وبينما كنت أفتش عن إبداعاته النادرة صادفتنى قصيدة بالعامية بعنوان «لله» تحمل توقيعه منشورة فى إحدى المجلات القديمة، ينتقد فيها جماعة الإخوان. يقول عمنا بيرم فى القصيدة: «المسلمين كلهم قاموا الصلاة لله، وصاموا رمضان فى يوم يونيو الطويل لله، وساروا من طنجة حتى الحجاز لله، وبالرضا للفقير دفعوا الزكاة لله، عجبى على مسلمين اتسموا بالإخوان، وأسسوا دار عليها يافطة بالعنوان، طلاب مناصب باسم الدين والإيمان، ويوزعوا المنشورات من مصحف القرآن! عجبى على جلف جاهل دقنة تتدلى، ويسمى روحه يا ناس حارس على الملة، صبر لغاية ما جيش الإنجليز ولى، وقام يجاهد عشان يحكم ويتولى». رحم الله فيلسوف الشعر الغنائى بيرم التونسي.. وعاش إبداعه محلقًا فى الآفاق.